يوم السبت العاشر من رمضان السادس من اكتوبر بالعام 73 ....وفي حوالي الساعة الثانية بعد الظهر كانت بداية الشرارة الأولي لحرب مجيدة دفاعا عن كرامة وأماني الامة.... وتطهيرا للأرض العربية من الغزاة المحتلين ....بداية فجر جديد لقرار مصري سوري أعاد استنهاض طاقات الأمة وامكانياتها وقوتها ....ما بعد نكسة ألمت بنا بغفلة من هذا الزمن وبدعم أمريكي استطاعت من خلاله اسرائيل أن تشن حربا عدوانية على مصر وسوريا والاردن وقطاع غزة وتحتل جزءا من الأرض العربية .
هزيمة عسكرية لم تحقق أهدافها وأبعادها السياسية.... وكان من نتيجتها الأولي ما خرج عن قمة الخرطوم العربية من لاءات ثلاثة .
السادس من أكتوبر وقيام الطيران المصري بدك مواقع وحصون المحتل الاسرائيلي على طول القناة وداخل عمق سيناء ....وعلى الجبهة الشمالية ....لتبدأ صفحة جديدة ....ولتطوي ارادة الأمة مرحلة ماضية بكل ما فيها ....وما تعرضنا له.....من نكسة حزيرانيه لم تختبر فيها قوتنا ....بل جاءت الضربة سريعة وخاطفة لإنهاء حرب خلال ساعات قليلة .
لأنها مصر وقواتها المسلحة وقيادتها العسكرية والسياسية والتي لا تعرف ....ولا تعترف.... ولن تعترف.... بهزيمة عابرة جاءت نتيجة أخطاء وتحالفات دولية ....ولا تقر بضياع أمال أمة ....لا زالت مصممة على استعادة نهضتها وعوامل قوتها وقدرات جيشها.... وحنكة ساستها ...وحكمة قيادتها ...والذين اكدوا على ضرورة الانتصار ....وليجعلوا من نكسة حزيران طريقا لانتصارات أكتوبر.... وما سبقها من انتصارات بحرب استنزاف طويلة قام بها الجيش المصري بتوجيه ضربات متتالية على طول القناة ....وداخل عمق سيناء من خلال عمليات عسكرية ...وقصف مدفعي ....وعمليات بحرية.... أحدثت الخوف والهوس ...وكبدت المحتل الاسرائيلي الكثير من الخسائر .
ردود الفعل الاسرائيلي وكما عادة هذا المحتل بجرائمه ومجازره..... وما حدث في مدرسة بحر البقر من قتل الأطفال..... وما تعرضت له مدن القناة بورسعيد ...وبور فؤاد ....القنطرة ...والاسماعيلية من جرائم هدم المنازل على رؤوس ساكنيها ....ومن تهجير لعشرات الالاف الي داخل العمق المصري .
وحتي تكون الأجيال بصورة المشهد بكل تفاصيله وعناوينه ....وما شهدته حرب أكتوبر من انتصارات مجيدة ....أكدت على قدرة المقاتل العربي المصري ...كما قدرة القيادة على اتخاذ القرارات الحاسمة والاستراتيجية ....في ظل معادلات دولية غاية بالصعوبة ....وما سبق قرار الحرب .....من قرار حرب الاستنزاف على مدار الساعة ....وعلى طول القناة وداخل سيناء وعلى امتداد البحر المتوسط الذي أثبت فيها الجيش المصري قدرة عالية على استعادة الثقة وبناء قدراته وتجهيزاته العسكرية وتطويرها ...واجراء التدريبات واستعادة وحداته وطائراته وقدراته الصاروخية ودفاعاته الجوية .....والتي كانت تعرف بصواريخ سام لحماية الأجواء المصرية من التفوق العسكري للطيران الاسرائيلي .
قرار حرب الاستنزاف واعادة القدرات ...واستعادة الثقة ...وتطوير الامكانيات قرار مصري قام على اتخاذه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي أراد أن يثبت لأمته وللعالم بأسره ....أن مصر لم ولن تهزم.... وأنها باستطاعتها أن تعيد بناء قواتها.... واستعادة أجهزتها ومعداتها وحتي اعادة تطويرها ....كما القدرة في ذات الوقت استمرار القتال والمواجهة على طول خط القناة ....وحتي داخل عمق سيناء .
جاءت لحظة الموت لزعيم الأمة وقائدها الراحل جمال عبد الناصر في سبتمر من العام 70 مما أضاف أعباء جديدة تحمل تبعاتها ومسئولياتها الرئيس الراحل أنور السادات الذي استمر على نهج عبد الناصر بحرب الاستنزاف ....وبالمقابل بالتحرك السياسي ما بعد قبول مبادرة روجرز وزير الخارجية الامريكي من قبل الراحل عبد الناصر ليأخذ الرئيس الراحل السادات مسارا سياسيا بلقاءاته العديدة مع وزير الخارجية الامريكي هنري كسنجر لخلق اجواء سياسية على طريق تنفيذ القرار 242 الصادر عن مجلس الامن بعد حرب حزيران 67.
الرئيس الراحل أنور السادات لم تكن مهمته سهلة وميسرة في ظل أحوال اقتصادية واجتماعية وسياسية غاية بالصعوبة.... وفي ظل هزيمة عسكرية لا زالت أثارها قائمة.... وفي واقع فقدان زعيم مصر والامة عبد الناصر ....الا أن الرئيس الراحل السادات بفطنته وذكائه وقدراته السياسية اثار الكثير من التساؤلات ....التي استطاع من خلالها خداع العدو المحتل والتي كانت تستبعد امكانية حرب جديدة .
كل هذا كان يجري في ظل استعادة القوات المسلحة المصرية لقدراتها العسكرية ....وتهيئة الجبهة الداخلية ....واستمرار التحركات السياسية الخارجية مع دول الاقليم ومع العالم بأسره .
عاشت مصر مرحلة صعبة وحساسة لم يستطع الجميع ادراك ابعاد ما يجري.... وما يقال في ظل فقدان مصر لزعيمها ناصر.... كما فقدانها لأحد أكبر قادتها العسكريين الفريق الشهيد عبد المنعم رياض وهو يتفقد قواته على خط الجبهة .
تحرك الرئيس السادات عالميا واقليميا من اجل استعادة القدرات المصرية ....وتهيئة المناخ السياسي الاعلامي والنفسي والمعنوي لقرار الحرب بعد العديد من المبادرات التي تم الاعلان عنها عبر السنوات السابقة لحرب أكتوبر من دعوة بريجينيف (سكرتير عام الحزب الشيوعي السوفيتي ) الي مؤتمر دولي للسلام.... الي مبادرة روجرز و تحركات كيسنجر والتي اصطدمت جميعها بالمواقف الاسرائيلية وما تمثله هذه السياسة من عنجهية واستعلاء .....وغرور القوة والسيطرة.... والتي بدأت تتهاوي وتتساقط مع اولي ضربات الطيران المصري..... والمدفعية المصرية.... والدخول الي ضفة القناة ورفع علم مصر عاليا بعد أن تم تدمير خط بارليف الحصين والذي لا زال محل دراسة في أكبر المعاهد الاستراتيجية العسكرية .
كانت انطلاقة الشرارة الأولي لفجر جديد ...ونصر مجيد ...وعودة الي روح الانتصار ...واستعادة الكرامة المصرية والعربية ....والذي لم يتم استيعابه من قبل المحتل الاسرائيلي ....فكانت محاولته الفاشلة في احداث ثغرة الدفر سوار والتي كان يقودها ارئيل شارون والذي تم محاصرة قواته.... وتوجيه الضربات لها وايقاع أكبر الخسائر بصفوف الجيش الاسرائيلي الذي كان يسمي نفسه بالجيش الذي لا يقهر ولا يهزم .
جاءت لحظة الانتصار ...وخط بارليف يحترق ويدمر....والقوات الاسرائيلية تتهاوي وتستسلم ...وجولدا مائير تصرخ وتستصرخ الادارة الامريكية بالمد والعون ....وموشي ديان الجنرال العسكري الذي لا يعرف الا الانتصار ....يهزم بنهاية خدمته العسكرية هو والعديد من القادة العسكريين كما القادة السياسيين .
فجر جديد لنصر أكتوبر المجيد ....ولا زالت مصر تعيد بناء نفسها وقدراتها العسكرية والاقتصادية ومعالجة أزماتها.... بعد سنوات طويلة من الحروب لتعود مصر العربية وقد انتصرت على المحتل لأرضها ....كما انتصرت على اليأس بداخل النفوس... ولتجعل من هزيمة حزيران بوابة وممر لانتصارات اكتوبر .
انتصارات أكتوبر اضافة الي كونها قدرة مصرية سورية ....الا أنها تعبير عن حالة عربية أثبت فيها العرب أن بمقدورهم التنسيق والتعاون ...وتعزيز وسائل الدعم والاسناد والذي ترجم بقطع البترول العربي .....ووسائل اقتصادية أضافت قوة نوعية للقدرات العربية العسكرية والسياسية .
كل التهنئة لمصر العربية الشقيقة ...ولقواتها المسلحة الباسلة ...ولشعبها العظيم ...ولقيادتها وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي بذكري انتصارات أكتوبر المجيدة.
الكاتب : وفيق زنداح