بعد مرور سنة من المفاوضات بين إسرائيل والإدارة الأميركية تم مؤخرا التوقيع على اتفاق المساعدات الأميركية لإسرائيل للسنوات العشر القادمة، بدءاً من عام 2018، بمبلغ يصل إلى (38) مليار دولار، بينما طلبت إسرائيل مبلغ (45) مليارا، ويشمل المبلغ تعويضات عن الاتفاق الأميركي النووي مع إيران، فقد أطلق على هذه المفاوضات العقيمة، والتي كانت صعبة" "معركة المليارات"، فالمفاوض الإسرائيلي استغل رغبة الرئيس الأميركي "باراك أوباما"في ترك ارث خلفه يشير إلى مدى اهتمامه بأمن إسرائيل، قبل نهاية ولايته الثانية في البيت الأبيض لتوقيع هذه الاتفاقية ، وأن تكون المساعدات في عهده أعلى المساعدات التي تحصل عليها إسرائيل من الولايات المتحدة في تاريخها، وقد عملت إسرائيل لكسب المزيد، وإلى تحسين شروطها، وكان أحد بنود الاتفاق عدم استخدام هذه المساعدات المالية لشراء الخدمات والمنتجات العسكرية والوقود للأغراض العسكرية من الصناعات العسكرية الإسرائيلية، بل من الولايات المتحدة، إلا أن المفاوض الإسرائيلي نجح في تعديل هذا البند من الاتفاقية، وأصبح يحق لإسرائيل خلال السنوات الستة الأولى من هذا الاتفاق، الشراء بجزء من أموال المساعدات من الصناعات العسكرية الإسرائيلية، فالولايات المتحدة تؤكد مرة أخرى أنها الشريك الإستراتيجي لإسرائيل، في دعمها المالي والسياسي والعسكري، وهي تتحمل مسؤولية ما تقوم به من عدوان واحتلال وجرائم ضد الشعب الفلسطيني، فقد حصلت إسرائيل منذ بدء تقديم أميركا المساعدات لها منذ عام 1962 وحتى عام 2014، على ما يزيد عن (100) مليار دولار، إضافة إلى (103) مليارات دولار للمشاريع العسكرية، ليبقى السؤال: ما هو مصير إسرائيل ومستقبلها دون الولايات المتحدة؟
إن الاعتداءات الإسرائيلية التي طالت قطاع غزة في السنوات الماضية، والاعتداءات على لبنان قبلها، لم تكن لتحصل دون ضوء أخضر من أميركا، بينما قبل سنتين، حين أفادت المعلومات بأن الجيش الإسرائيلي يستعد لتوجيه ضربة عسكرية ضد المفاعلات النووية في إيران، اندفعت الوفود الأميركية السياسية والعسكرية على إسرائيل، لثنيها عن الدخول في هذه المغامرة الخاسرة، وكان لها ما أرادت، على عكس موقفها من الاعتداءات على الفلسطينيين، ورغم الحملة الإسرائيلية ضد الاتفاق النووي مع إيران، والخطاب الذي ألقاه "بنيامين نتنياهو" أمام الكونغرس الأميركي لتحريضه على معارضة هذا الاتفاق، إلا أن الإدارة الأميركية نجحت في لي أذرع إسرائيل، رغم أن الكونغرس بشقيه عارض الاتفاق مع إيران، لكن الإدارة الأميركية عندما تريد وتصر على ما تريد، تحقق مواقفها الحازمة.
"نتنياهو" أشاد باتفاق المساعدات الذي وصفه بالتاريخي، وأنه حصل على أكبر مبلغ من المساعدات الأميركية في تاريخ إسرائيل، واصدر بياناً يشكر فيه الرئيس "باراك أوباما"، وقادة الإدارة الأميركية، وأصدقاء إسرائيل في الكونغرس الأميركي، والشعب الأميركي، على هذا الاتفاق السخي، إلا أن هذا الاتفاق كشف عن الخلافات الإسرائيلية-الإسرائيلية فمعارضو الاتفاق اتهموا "نتنياهو"، أنه لولا خطابه في الكونغرس، حول النووي الإيراني، وعلاقاته مع خصوم "أوباما" من الحزب الجمهوري، لكانت إسرائيل ستحصل على مساعدات تزيد عن (38) مليارا، مع عدم منعها من استخدام 26% من أموال المساعدات لشراء المعدات من الصناعات الأمنية الإسرائيلية، ومع اعتراف "نتنياهو" بوجود خلافات مع "أوباما"، إلا أنه بررها بخلاف داخل العائلة الواحدة، وأنها لن تؤثر بتاتاً على الصداقة الكبيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وزيران سابقان للجيش الإسرائيلي، هما "ايهود باراك" الذي شغل أيضاً رئيس حكومة، و"موشيه يعالون"، يسعيان على ما يبدو للمساس بـ "نتنياهو" وإسقاطه في الانتخابات القادمة، فقد شنا عليه هجوماً شديداً، في وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية، على خلفية اتفاقية المساعدات الأميركية، واتهماه بان تدخله الفظ في السياسة الأميركية مس بقيمة هذه المساعدات، وبأمن الدولة، وهو انعكاس للأخطاء الفادحة جداً -على حد وصفهما- وغير الحذرة التي ارتكبها "نتنياهو"، في معارضته للاتفاقية النووية الأميركية مع إيران، ولولا هذا التدخل،بنظرهما، فإن مبلغ المساعدات كان ليصل إلى (43) مليار دولار ، وفي مقابلات أجريت مع وسائل الإعلام، الأميركية والإسرائيلية، وجه "باراك" الاتهامات لـ "نتنياهو" لتدخله في السياسة الأميركية، أما "يعالون" الذي هاجم اتفاقية المساعدات، فاعتبر أن ما حصلت عليه إسرائيل أقل مما كان يمكنها الحصول عليه لو أن الاتفاقية جرت بصورة أفضل، فإسرائيل حصلت في السنوات العشر الماضية على (30) مليار دولار، يضاف إلى هذا المبلغ (600) مليون دولار سنوياً كمساعدات خاصة، ويقول خصوم "نتنياهو"، بأن المبلغ الإجمالي الذي كانت تحصل عليه إسرائيل من المساعدات، وصل إلى (38) مليار دولار، مساوٍ تماماً لمبلغ الاتفاقية الجديدة، فالسفير الأميركي في إسرائيل "دان شابيرو" وهو يهودي، نقلت جريدة "إسرائيل اليوم 16-9-2016" عنه قوله بأن هدف الولايات المتحدة من خلال الدعم جعل الجيش الإسرائيلي الأقوى في الشرق الأوسط، أما "نتنياهو" فقد دافع عن رزمة المساعدات هذه ، وقال في جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية ردا على خصومه الذين قالوا أن إسرائيل كانت من الممكن أن تحصل على رزمة أكثر سخاءً، لو لم يقم "نتنياهو" بالتدخل بالشؤون الأميركية، ، قال أن هذه الرزمة من المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل، هي أكبر رزمة من المساعدات تقدمها الولايات المتحدة لأي دولة في تاريخها، وأن هذه الاتفاقية لدليل على عمق ومتانة العلاقات الإسرائيلية-الأميركية، بينما اعتبر السيناتور الأميركي الجمهوري "لينوسي غراهام" بأنه كان على "نتنياهو"، تأجيل توقيع الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، فإن إسرائيل تسرعت بالتوقيع عليها، ولو أجلتها لحصلت على رزمة أكبر.
الرئيس "أوباما" - الذي وعد في مستهل دخوله إلى البيت الأبيض قبل ثماني سنوات- بالعمل بفاعلية لإقامة الدولة الفلسطينية، ووقف الاستيطان، ومع تقديمه الدعم المادي الأميركي الكبير لإسرائيل، إضافة إلى السياسي والعسكري، والمساعدات التي تؤدي إلى المزيد من التسلح والاعتداءات على العرب، فإن الرئيس الأميركي لم يف بوعوده للفلسطينيين، وإقامة الدولة الفلسطينية، فالولايات المتحدة لم تشترط ،للأسف الشديد، الربط بين هذه المساعدات وتحقيق السلام، وقد يكون هذا الفشل ناجما عن سيطرة اللوبي اليهودي على مجلسي الكونغرس الأميركي، حتى أن (88) سناتورا من الحزبين توجهوا مؤخراً برسالة إلى "أوباما" طالبين منه اللجوء إلى حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي، ضد أي قرار لا ترضى به إسرائيل، وبهذا فإن الدعوة لاستئناف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين لا معنى لها دون التوصل إلى أسس تسوية الصراع وحل الدولتين، استناداً لقرارات الشرعية الدولية، وإلى الاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل والفلسطينيين، فلولا الولايات المتحدة، ودعمها غير المحدود لإسرائيل لانهارت هذه الدولة منذ زمن.
انتهى ....
بقلم/ غازي السعدي