لماذا يستهدف الرئيس محمود عباس ؟؟؟

بقلم: رامي الغف

لا يخفى على أحد الهجوم الاعلامي والغير إعلامي الشرس والجبان والمتواصل الذي تتعرض له القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، اسرائيليا وأمريكيا وحتى عربيا وفلسطينيا، وان الرئاسة الفلسطينية ليست إلا جزء من حملة اكبر تستهدف النيل منها ومن المشروع الوطني الفلسطيني الكبير، لكون الرئيس عباس هو الحامي لهذا المشروع، وهذه الحملة ليست عبثية اعتباطية بل منظمة ومدبرة وممولة من قبل جهات خارجية معلومة للجميع ومن بعض الدول التي تريد الهلاك والدمار لمشروعنا الوطني ولشعبنا وقيادتنا الفلسطينية.

وبلا أدنى شك بأن نخبة المتابعين للواقع وللمشهد الوطني الفلسطيني يعلمون جيداَ، بحرفية ومهنية إنه بمقدار ما يتألق به الرئيس أبو مازن رئيس الدولة الفلسطينية العتيدة، وطنيا وداخليا وخارجيا بمقدار ما يتراجع البعض ويتقوقع، وبمقدار ما يبادر سيادته لمد يد الإخوة بمقدار ما يسارعون لطعنه ومهاجمته إعلاميا ومعنويا واستهدافا لشخصه، والزمن والتاريخ كفيل بأن يضع النقاط على الحروف، وأعتقد إن ما نسمعه حاليا من الكثير من النخب المثقفة والواعية وفي الشارع الفلسطيني، بأن هناك إدراكا حقيقا لما يدور وهناك تشخيصا واقعيا للمواقف الصحيحة والخاطئة والأساليب الإعلامية الرخيصة، حيث أثبت الوطني وطنيته من خلال أقواله وأفعاله وقد أثبت البعض عكس ذلك والأيام القادمة كفيلة بأن تنزع ورقة التوت عنهم.

لم يكن ظهور الزعيم الفلسطيني محمود عباس " أبو مازن "، كقائد سياسي وطني برهن على خبرته وحنكته وذكائه في العمل الوطني مفاجئا على واجهة الأحداث فهو سليل مجدين تاريخيين فلسطينيين، المجد الفدائي النضالي الثوري، والمجد السياسي الوطني المؤسساتي، ففي الأولى هو أب الشعب الفلسطيني ورفيق الدرب للأخ الرمز الشهيد ياسر عرفات ووريث تضحيات الآلاف من شهداء وجرحى وأسرى من شعبه ضد الظلم والطغيان والاستعباد والاستبداد الصهيوأمريكي، وفي الثانية هو السياسي الوطني ورجل العمل المؤسساتي المحنك على مر مراحل تأسيس الوطن الفلسطيني الحديث.

يلعب الرئيس ابو مازن اليوم دورا بارزا في العملية السياسية والمشهد الوطني الفلسطيني، فهو رجل الاعتدال الأول من خلال مبادراته المستمرة وإطروحاته النيره، وهو أول من دعى الى طاولة الحوار لحل جميع القضايا الوطنية السياسية المختلف عليها، وهو أول من نادى بالشراكة الوطنية وتبناها وأكد على أن لا تهميش ولا إقصاء لأي مكون سياسي ووطني، وشدد بقوله " نحن حريصون كل الحرص على أن لا نعود الى الوراء، نحن ابناء الحاضر والمستقبل الفلسطيني، ونجد ان مستقبلنا وعزتنا وكرامتنا في وحدتنا وشراكتنا وتلاحمنا الحقيقي وانفتاحنا على الجميع.

ابو مازن هو قائد الشعب الفلسطيني بشيبة وشبابه ونساءه وأطفاله، وهو ربان السفينة الفلسطينية شاء من شاء وأبى من أبى، فهو خير من يقود فلسطين وشعبها إلى بر الأمان بالرغم من العواصف الهوجاء العاتية، والأمواج المتلاطمة في الساحة الفلسطينية، فكم من أزمات وعقبات ومنعطفات خطيرة عصفت في القضية الوطنية والوطن الفلسطيني، فتجاوزها بحكمته ويقظته وصلابته وفطنته السياسية القوية في أحلك الظروف وأصعبها، عندما كانت تحبس الأنفاس وتعز الرجال، فأصبحت بصيرته ثاقبة تؤكدها وقائع التاريخ وواقع الحال، كيف لا وهو القائل دوما إن الوحدة هي رمز عزتنا وبالوحدة نختصر الكثير من الآلام والتضحيات ونبني دولة المؤسسات.

لقد عهده شعبه يتعالى على الجراح دوما ويدعو لتوحيد الصف الوطني الفلسطيني، رغم كل ما حدث ويحدث، ولم ولن يتراجع وسيبقى صوتا مدويا في سماء الوطن، لقد عرفه وخبره العدو قبل الصديق من قبل لم تأخذه في الله لومة لائم، ولم يداهن أحدا ومضى ولم يتردد في مواجهة تعنت الاحتلال الصهيوني، وكان خير مدافعا عن الثوابت الفلسطينية والحارس الأمين على المشروع الوطني الفلسطيني، كما عرفه المحب والمبغض، دوما قويا وصلبا في الشدائد ولم يتردد في نصرة وطنه وقضيته وشعبه المكافح، ولم يتردد ولو للحظة واحدة في مقارعة قادة الكيان الصهيوني، لإرجاع حقوق شعبه وأرضة التي سلبها المحتل منه.

لقد كان خطابه التاريخي في الأمم المتحدة في نيويورك لتقديم طلب الشعب الفلسطيني لإعلان دولتهم الفلسطينية المستقلة، ضربة قصمت ظهر البعير الإسرائيلي وصدمة أصيب بها أعداء الشعب الفلسطيني لما لها من أهمية اتجهت كل انظار العالم الحر والديمقراطي وطالبت بعد هذه الكلمة لضرورة إعطاء الفلسطيني حقه المقدس التي أقرتها له كل الأعراف والقوانين الدولية، فبهذه الهيئة المهيبة وهذه التركيبة العجيبة رسم الرئيس محمود عباس مسار الخط السياسي للوطن الفلسطيني، واليوم تثبت الجولات الخارجية التي يقوم بها للدول الشقيقة والصديقة، حيث يستقبل اينما حل كرئيس شرعي للشعب الفلسطيني، ويحاط بحفاوة منقطعة النظير، وهذا يؤكد أن أن الجميع يتعامل معه كربان للسفينة الفلسطينية.

يتبنى الرئيس عباس رؤية سياسية جديدة، اتسمت بقدر كبير من الوضوح والشفافية والعقلانية والاتزان، فقد تمثلت الرؤية بضرورة تشكيل حكومة وحده وطنية تستوعب كل مكونات الطيف الفلسطيني، وتضع في أولوياتها تقدم الخدمات لكل الجماهير وتوفير الأمن والاستقرار في كل ربوع الوطن، ومعالجة كل أخطاء وسلبيات المراحل السابقه، والنأي عن كل ما من شأنه خلق أجواء من التوتر والتشنج والاحتقان بين أبناء الشعب الفلسطيني، ومن خلال رؤيته السياسية حيال العملية الوطنية السياسية، وتحديدا تشكيل الحكومة المقبلة، لم يطرح أي تحفظات واعتراضات على الأشخاص، وإنما تمحورت تحفظاته واعتراضاته على المنهجيات والسياقات والآليات، إن بدء المشاورات يستند إلى التوافق على موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، تنفيذا لما أكدته اللجنة التنفيذية في اجتماعها الأخير في رام الله.

في أكثر من مناسبة، أعلن الرئيس أبو مازن وبكل صراحة ووضوح، إن الحكومة المقبلة لن تكون عقبة أمام أي جهد مخلص وجاد من الجميع لتشكيل حكومة شراكة وطنية حقيقية تمثل كل الفلسطينيين، وتمتلك القدرة على تحقيق المنجزات والمكاسب لهذا الشعب، وبالتالي انتشاله من الواقع السيئ الذي يرزح تحت وطأته لاسيما على صعيد الخدمات والتنمية والإغاثة والأمن.

ولعل المشكلة اليوم لا تكمن فيمن يتولى منصب رئاسة الحكومة المقبلة، فهذه في الواقع ليست مشكلة، وإنما المشكلة تكمن في مدى وضوح الرؤى والبرامج ومناهج العمل وقبولها من قبل كل الشركاء في العملية الوطنية في الوطن، ومتى ما اتخذت تلك الأمور مسارات واضحة ومشخصة ومتفق عليها فأنه يمكن القول إننا نسير بالاتجاهات والمسارات الصحيحة والصائبة التي من شأنها ان توصلنا إلى أفضل النتائج.

إن مطالبة الرئيس أبو مازن بالشراكة الحقيقة في قيادة الدولة الفلسطينية العتيدة ومفهوم الشراكة الوطنية تعني إشراك جميع مكونات الكل الفلسطيني في صنع القرار بنية الوصول إلى المصلحة العامة، والى الهدف المشترك دون استئثار أي طرف من الأطراف بالتمسك والتصلب بمواقفه التي تتناقض ومفهوم الشراكة والذي من شأنه أن يخرج الشراكة من مفهومها الحقيقي إلى مفهوم المحاصصة، ويجب أن تتضمن حيزا لمعالجة الشراكة كمفهوم إلا أن الاهتمام الأكبر أيضا حول سعي القوى السياسية المتصارعة المتنافسة لترجمة الشراكة إلى مكاسب معينة تصب في مصلحتها الخاصة مصلحة القاعدة المؤيدة دون المصلحة العامة.

لقد أدرك الكل الفلسطيني بأنه لا يمكن لأي جهة أن تكون هي الممثلة له ولا يمكن أن تكون أي حكومة قوية وفاعلة إذا لم تعمل بمفهوم الشراكة، كما يجب الأخذ بنظر الاعتبار صفة الشراكة التاريخية بمعني إن المصلحة الطبقية والاجتماعية والفئوية لأطراف الشراكة قد تتطابق مع المصلحة الوطنية العامة حيث يمكن أن يفضي تحقيق قوى الشراكة لمصالحها تحقيق المجتمع لمصلحته العامة، كما انه بذات القدر الذي تجد فيه قوى الشراكة الفرصة لتحقيق مصلحتها وتجديد قواها الاجتماعية يجد المجتمع أيضا فرصة في الشراكة لتجديد قواه باتجاه نهضته إلى الأمام.

لقد أثبت الرئيس محمود عباس " أبو مازن " للقاصي والداني أنه وقيادته وشعبه، طيلة تاريخ نضالهم الطويل والمرير انهم يستحقون بجدارة كل الإحترام والتقدير لما بذلوه ويبذلوه من جهد متواصل وشاق من أجل الدفاع عن حقوقهم وثوابتهم الوطنية المقدسة، وعدم التفريط بها أبدا، وعلى هذا الأساس فليس أمام الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية وعلى راسها الرئيس محمود عباس، إلا أن يستجمعون كل عناصر القوة فلسطينيا وعربيا ودوليا لمواجحة تحديات المرحلة القادمة وإستحقاقاتها على أساس الثابت وهو إقامة دولتكم المستقلة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية، ضمن الثوابت لهذه المرحلة التاريخية العالمية وهي الثوابت المتعلقة بالأرض والإستيطان والقدس وعودة النازحين الى ديارهم وحقوقهم في مواردهم الطبيعية وخاصة المياه والغاز والحرية والإستقلال المتكافئ.

يجب أن يدرك الجميع وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني ونتنياهو وبينت وليبرمان وزبانيتهم، إنه وفقا لحرية وحقوق وكرامة الفلسطيني يتقرر السلم واللاسلم، العنف أواللاعنف، إكتمال المعادلة الأقليمية أو عدم إكتمالها، ففلسطين بكلها، بشعبها وقيادتها وحكومتها وفصائلها يقفوا كلهم صفا واحدا وجسدا واحدا لمواجهة هذه التحديات الجاسمة أمامهم من العدو الصهيوني والإمبريالي العالمي، ويعملون سوياَ بروح الوطن الواحد، هكذا هي الأخلاق الفلسطينية، وهكذا هي صفات شعب فلسطين العظيم، الشعب الذي صفحات تاريخه وحضارته منذ مئات السنين أثبتت وتثبت إنه شعب الجبارين لا يقبل إلا أن يكون رقم صعب وفوق القمة دائما، أهل الكرم والحمية والنخوة والنشامى.

ومن الأساس هنا التركيز على التكامل والتنسيق فيما بين القيادة والشعب والفصائل الوطنية في نطاق دوائر الوضع الذاتي جميعها، ومنها الإتفاق التاريخي للقوى الوطنية والإسلامية، حيث يجب أن لا تتضارب المجهودات أو تتناقض أو يكون بعضها على حساب البعض الآخر، فليس من حق أحد هنا أن يقع في الخلل، وليس من حق أحد هنا وهناك أن يضعف وتائر الصمود والتحدي ورص الصف الوطني الفلسطيني، وليس من حق أحد أن يخل بمسيرة الوصول إلى هدف أقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحق عودة الاجئين المسحوقين هنا وهناك.

إن الخطر ما زال ماثلا أمام الشعب الفلسطيني، وإن حلقات المؤامرة ما زالت مستمرة ليس على الصعيد الشخصي للرئيس ابو مازن، بل على كافة الأصعدة داخليا وخارجيا، وقد أصبحت فعلا على شفير هذه المواجهة بغض النظر عن التسميات، وعن آفاق الرؤية لما يحدث أو ما يمكن أن يحدث تاريخيا، ومما لا شك فيه أن مدى ما يمسكون به من إستحقاقات في الأرض والإستقلال، في تحرير الإنسان والأرض هو الأساس لميزان القوة المضافة إلى قوة الروح الفلسطينية، لذلك يحاول الإحتلال الصهيوني أن يشل هذه القوه، وأن يضعفها على كل المحاور والجبهات لأن ذلك هو الكفيل بالإنتقاص من أجل الإنجازات المحتملة، وزيادة ما يستولى عليه من الحقوق الفلسطينية.

إن الدولة الفلسطينية ليست هبه أو منه من أحد، وإنما هي حق للكل الفلسطيني، معترف بها عالميا ودوليا وعربيا، فلقد اختارت القيادة الفلسطينية طريق السلام في ظل إختلال موازين القوى، ولكن هذا لا يعنى إن قيادة الشعب الفلسطيني بقيادة الرئيس محمود عباس، في موقع تستطيع الحكومة الإسرائيلية أن تملي عليهم شروطها أو تفرض عليهم التخلى عن حقوقهم، لأنه عندما خاضت القيادة الفلسطينية معركة السلام، كانت تعي جيدا ماذا تعني وعلى ماذا ترتكز وإنها ليست عنوان مجرد، وإنما هي حالة إنسانية وجوديه وحياتية، لأنها تقوم على مرتكزات في الفكر والذات والواقع والوجدان.

إن الوحدة الوطنية هي الأساس، كما يقول ويؤكد دائما الرئيس محمود عباس، وينبغي أن تبقى الأساس وخندق صمود الشعب الفلسطيني، والكل يثق أن الصمود والتضحيات الفلسطينية ستنتصر بيوم ما، ولكن بالوحده الوطنية سيختصرون الكثير من التضحيات وسيساهمون في إختصار الوقت وتعزيز النتائج.

لهذه الأسباب وغيرها يستهدفون قائد المسيرة الفلسطينية الرئيس محمود عباس، لأنه خير خلف لخير سلف.

يراها الإسرائليون بعيدة ويراها الفلسطينيون قريبة وإن الفلسطينيون لصادقون.

بقلم / رامي الغف*
*الإعلامي والباحث السياسي
[email protected]