خربشات بدون عنوان!

بقلم: زهير الشاعر

بعيداً عن تظليل وخزعبلات الخطب الدينية وحشودات المبايعة الإجبارية!، وبعد استماعي إلى خطبة صلاة الجمعة الموتورة التي ألقاها قاضي القضاة د. محمود الهباش والتي أشار فيها إلى مفهوم الخيانة التطوعية الذي قرنه بعدم تولي أي أمانة من الأمانات الوطنية وثقلها!، وطالب بالتبعية للقيادة كما هي، وأنه لا يوجد شروط لأحد لأن يكون في موقع القيادة سوى الطريق الذي تراه هي والتي تحظى باحترام العالم كما قال!، وبأن الخارج عن خط الرئيس محمود عباس هو خارج عن حكم الجماعة الحاكمة ويسير في طريق الخيانة الوطنية!.
هنا لابد من التنويه إلى أنه قد تم الإعلان بشكل مفاجئ عن قائمة أسماء من أصحاب الرأي الذين يقيمون في الخارج من قائمة طويلة باتت متهمة لدى السلطة الفلسطينية بممارسة الإرهاب الفكري ضد القيادة الفلسطينية والتحريض ضد الرئيس محمود عباس وأسرته!، سرعان ما تم التبرؤ منها ونفيها على لسان وزير الخارجية الفلسطيني الذي كلف بمتابعة هذا الأمر، في الوقت الذي أشارت فيه وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان لها بأنها حصلت على موافقة ستين دولة (يبدو بأنها كانت مختبئة طوال السنوات الماضية، وخرجت الأن فجأة وبدون مقدمات، بعد أن أعلنت إسرائيل عن تقديم خدماتها وخبراتها لدول العالم في مجالات عدة مثل المياه والزراعة وتكنولوجيا الفضاء ......)، وذلك لدعم فكرة التقدم بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة الاستيطان الإسرائيلي!، ( يبدو بأن ذلك يتم في سياق الرغبة الحنونة للتطوع بمساعدة مجلس الأمن في تجديد أرشيفه في وقت الفراغ الحالي المتوفر لدى القيادة الفلسطينية وذلك من خلال وثيقة جديدة ولكنها للأسف فاشلة قبل أن تخرج إلى النور) .
الطريف هنا هو أن صحيفة معاريف الإسرائيلية خرجت قبل عدة أيام في محاولة مستميتة لإنقاذ موقف الرئيس محمود عباس بعد أن فقد مصداقيته بالكامل في الشارع الفلسطيني، لتتحدث عن أنه يمارس إرهاباً دبلوماسياً وبأنه يمثل أخطر رجل فلسطيني سياسي مر على إسرائيل، إلا أن موقع "واللا العبري" القريب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كان له رأي أخر ، حيث تحدث عن أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قطع أخر شعرة بينه وبين شعبه وبأن عهده بات متهالكاً وضعيفاً وقد انتهى بالفعل !، حتى لو كان ذلك بشكل غير رسمي!، والسؤال الذي يبقى مفتوحاً هو من سيكون القائد الجديد؟!.
هنا، لابد من التأكيد على أن الشعب الفلسطيني زاخر بأبنائه الأوفياء القادرين على قيادته وأن نسائه لم يكن يوماً عواقر لينجبن الرجال الذين بإمكانهم تحمل مسؤولية شعبهم بأمانة واقتدار!، وهذا أمر يتنافى بالجوهر مع ما أراده قاضي القضاة من أن يظلل الرأي العام من خلال حديثه عن التبعية لولي الأمر ، ولربما أنه كان يريد أن يقول عنه بأنه الآمر الناهي والفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد!.
هذا عوضاً عن أن هناك أسئلة ملحة باتت تطرح نفسها بقوة وهي ، إن كان الرئيس محمود عباس يمارس الإرهاب الدبلوماسي لصالح قضية شعبه كما أرادت معاريف الإسرائيلية أن تقول فيه، فهذا أمر حميد في جوهره، ولكن لا يمكن إغفال أن الحقيقة كانت دائما تقول خلال السنوات العشر الماضية ولا زالت كذلك، بأن سياسته كانت تعمل على إنهاك شعبه وإذلاله!، حيث أن هذا الوصف جاء منسجماً تماماً مع ما حققته سياسة الإرهاب الكوميدية التي يمارسها الرئيس عباس وذلك لصالح سياسة دولة الاحتلال التي لا تزال تمارس العربدة الاستيطانية ليل نهار!.
مما أدى بالتأكيد إلى هذا التذمر وهذا الرفض الشعبي العارم لسياساته!، والذي أدى إلى أن يخرج ألاف الناس إلى الشارع الفلسطيني يهتفون بالمطالبة بإسقاطه ونعت بعض أركان حكمه بالخيانة الوطنية، كونهم ينظرون إليهم بأنهم باعوهم الوهم وفرطوا بالوطن ونَهبوا مقدراته في عهده!، في حين أن إسرائيل حققت في مرحلته ما لم تكن تحلم بأن تحققه منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية، وصادرت الأراضي وبنت المزيد من المستوطنات وحاصرت بها مدينة القدس التي عزلتها بالكامل عن الضفة الفلسطينية، وجعلت منه رئيساً ذليلاً يستقوي على أبناء شعبه فقط !، لذلك لا ندري عن أي مسرحية إرهابية كانت تتحدث معاريف؟!، وما هو موقف قاضي القضاة من ذلك؟!.
من هنا وجبت المحاولة للتعرف على جوانب هذه التناقضات في ظل هذه الحالة العدوانية القائمة والمتناقضة والتي يعتقد الكثيرين بأنها نتاج جريمة إنسانية ووطنية مبرمجة وغير مسبوقة في تاريخ الشعب الفلسطيني بدافع الانتقام والحفاظ على المصالح الذاتية؟!، مما أدى إلى هذا التحول في موقفه والعمل على البدء بأخذ زمام المبادرة لكسر حاجز الصمت والسكوت على سرقة مقدرات الوطن، بدلا من الدخول في طريق مجهول، من تبادل التهم بين هذا وذاك، والتمترس وراء رؤى ضيقة وأجندات قاصرة تتسبب في إضعاف الجميع وضياع الوطن وتدمير مقوماته وتحويل أبنائه جيل بعد جيل إلى ضحايا سهلة السقوط في مستنقع العمالة والخيانة أو مستنقع التطرف؟!.
فإذا كان الرئيس عباس بالفعل يمارس إرهاباً دبلوماسياً ضد سياسات دولة الاحتلال، فما الذي حققه من هذا النوع الكوميدي من الإرهاب؟!، سوى إفساح المجال أمام القمع ومصادرة الحريات والإذلال وكسر شوكة أبناء شعبه وتجويعهم وتحطيم أمالهم والتغول على كرامتهم وسرقة مقدراتهم ؟!، مما أدى إلى تبلور حالة الغضب هذه التي حملت "شعار الشعب يريد إسقاط الرئيس"!.
أخيرا ، لا أدري ما هو معنى الخيانة بالتطوع التي تطرق إليها فضيلة قاضي القضاة د. محمود الهباش وهو يصرخ أثناء خطبة الجمعة وكأننا أمام مشهد صراع دموي لا خطبة دينية!، فهل بعد ما سُرِدَ في هذا المقال ، بقي لديه معنى أخر للخيانة ؟!، أم أنه أصبح لديه رأي أخر ويريد منا تفسيراً أكثر عمقاً وبالتفاصيل المملة لتعريف الخيانة واقعاً وشكلاً ومضموناً؟!، كما أنه من المفيد أن نعرف ما هو مفهوم الأمانة الوطنية وكيفية جلب الاحترام الدولي في نظره؟!، فهل يعني ذلك تجويع الناس وإهانتهم وقفل بيوتهم العامرة وإنهاك أسرهم وتدمير مستقبل أبنائهم، هو المفهوم المثالي والوطني الذي قصده لمعنى الأمانة الوطنية مثلاً؟!، وهل سياسة القمع وتكميم الأفواه والاعتقالات وتعميق الانقسام هي ثقافة الاحترام المنشودة وطنياً والمقبولة دولياً؟!.
لا يا فضيلة قاضي القضاة!، نحن أبناء شعب حي ، حقه أن يختار قيادته لِتُحَقق له أهدافه وتَحَتَرَم إنسانيته، وأن تصون حقه بأن يكون له نظام انتخابي ديمقراطي وليس نظام شرطي قمعي يمارس الحكم بوضع اليد ومصادرة حرية الرأي وفرض التبعية وكأننا في عصر الجاهلية!، وإن أخفق في ذلك وتجاوز حدوده كما هو الحال القائم ، وظن أنه صاحب مًلْك وليس خادم لدى شعبه!، فإنه سيصبح أمام شعب يستطيع أن يقتلع منظومته من جذورها، وسيقتلعها عاجلاً أم آجلاً!.
لذلك لابد من الصحوة من هذه الغفوة وهذا الغرور، والتسليم بحقيقة أن الشعب الفلسطيني قد قالها بصوتٍ عالٍ في مخيم بلاطة وفي قطاع غزة وقد اخترق صوت حناجر أبنائه حاجز الصمت في كل البيوت الفلسطينية ، لا بل لم تعد هذه الكلمات الواضحة والتي تطالب بالرحيل كاتمة على الصدور وأسيرة ماكينة التظليل الإعلامي والخطاب الديني المسيس! ، حيث أن هناك مؤشرات باتت تتحدث عن أن هناك تململاً أخذاً بالتزايد بين أبناء المخيمات والمدن الفلسطينية الأخرى في كل بيت فلسطيني، وبعض الأنباء تتحدث عن قرب بلورة حراك سيبدأ قريباً في كل المدن الفلسطينية تحت شعار واحد هو " الشعب يريد إسقاط الرئيس"!، فماذا سيكون حينئذٍ موقف قاضي القضاة وموقف المنتفعين والمرتزقة واللصوص الذين لا زالوا يحرصون على الهتاف والصراخ بدون معنى سوى أن طبعهم هو النفاق لصاحب النفوذ والقرار!.
تنويه : يبدو أن مصطلح الإرهاب أصبح أكثر سهولة ويسر عند المقامرين والمهزوزين من منعدمي الضمير الذين بات ينتظرهم مستقبلاً قاتماً!، ليلصقوه بأي مخالف لهم بالرأي بعد أن كان إقصائهم لكل حر وشريف يعتمد على محور رئيسي هو أن هذا المخالف متجنح ويسير في ركب التيار الدحلاني الذي يغدق عليه أمولاً وهمية لا أول لها ولا أخر ، تبين لاحقاً بأن دحلان نفسه لا يعلم عن هذه الطرائف الكوميدية شيء من الأساس ولا يقبل على نفسه بأن ينزل إلى مستواها المنحدر هذا!.
اخجلوا على أنفسكم ومن أنفسكم وانتبهوا للعمر الزمني الذي أنتم فيه ، فكفى مراهقة لا تليق بأعماركم ولا بتاريخ وطن أعطاكم ولكنكم نهبتموه ، لأنكم معاتيه لا يليق بكم أن تكونوا رجال دولة أو جزء من منظومة حكم لدولة!.

م . زهير الشاعر