امام مجلس الدوما الروسي يقف الدب الروسي بوتين واثقا ً ومتحديا ً الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في مجمل القرارات الخاصة بجزر القرم متهما ً الغرب بتجاوز كل الخطوط الحمراء ومتهما ً الغرب بازدواجية المعايير في اكثر من منطقة ، ومتهما ً الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام القوة تحت ما يسمى الغطاء الدولي لعمليات القتل والتدمير في العالم واثارة الفوضى كما حدث في ليبيا وسوريا وكوسوفو وباكستان ودول اخرى ، وموجها ً اللوم لحقبة الاتحاد السوفييتي وللرئيس خرتشوف عندما انتزع جزء القرم واعطاها لاوكرانيا قائلا ً : اننا لن نستطيع ان نسكت على الاهانة التي يوجهها لنا السكان الروس في جزر القرم ومناطق جنوب اوكرانيا .
كنا نتمنى رغم ثبوت وقائع الفوضى والمخطط الغربي منذ بداية الربيع العربي بانه مخطط امريكي صرف وبتنظير امريكي وبدعم لوجستي امريكي ومخابراتي ايضا ً ان يستيقظ الدب الروسي لمنع انهيار دولة نفطية ودولة ذات وزن في شمال افريقيا ، واذا ما كان هناك أي خلاف سياسي بين روسيا وليبيا لا يعني ذلك ان تتغاضى روسيا عن مصالحها الاستراتيجية في شمال افريقيا ، وتسمح للولايات المتحدة الأمريكية والناتو باستخدام الحظر الجوي ليكون عدوانا ً على اراضي ليبيا ، لقد نوه بوتين عن هذا ولكن اعتقد ان فترة حكم مدفيدف لروسيا قد اضرت بالمصالح الروسية وقد فتحت المجال للتغول الغربي في المنطقة العربية تحت مدعاة المصالح الروسية مع الغرب ، في حين ان روسيا تهدد في الشيشان من الفوضى والتفجيرات ، وما كان هو ينذر بوصول ما يسمى الربيع العربي الى عمق موسكو ، وهذا ما حذرنا منه في بداية عام 2011 .
بوتين قد اعاد في خطابه امام الدوما مجد روسيا كقوة مؤثرة في العالم ، فهناك عدة ملفات قد نجحت روسيا كقوة عظمى في العالم امام الهيمنة الامريكية ، في مجال المفاعلات النووية الايرانية ، وفي مجال احباط أي قرارات دولية خاصة بايران .
روسيا تعرضت لحصار ولازالت تتعرض للحصار الغربي بعد اكثر من عقدين من التعاون مع الغرب ، فروسيا هي محل استهداف دائم من الغرب ، وهذا ما تيقن له بوتين ، وعندما وقف صبيحة هذا اليوم متحديا ً للغرب ومحذرا ً له من الاضرار بمصالح المواطنين الروس المتبقيين في جنوب اوكرانيا .
بلا شك ان سوريا كانت محطة هامة لتثبت فيها روسيا بانها قادرة على درئ المخاطر التي تواجهها ، ومن هنا كان القائد ورجل المخابرات بوتين والعنيد له قراراته الثابتة في سوريا التي لم تتأثر بالضغوط الغربية ، فسوريا بالنسبة لموسكو هي حدود روسيا ، بالنسبة للارهاب الدولي المدعوم امريكيا ً وغربيا ً .
مازالت روسيا يمكن ان تواجه احكاما ً وقوانينا ً غربية اذا تم تفجير روسيا من الداخل على غرار التجربة في سوريا ، ومن هنا روسيا معنية بعدم نجاح تجربة تفجير سوريا من الداخل كتجربة يمكن ان يعاد صياغتها في موسكو .
نجحت الدبلوماسية والقوة العسكرية والامنية الروسية في صقل الجيش العربي السوري ومده بالدعم اللوجستي في قطاعات متعددة ، حيث فشل ما يسمى الربيع العربي في سوريا ، بل كان للموقف الروسي مؤثرات كبيرة على تغيير المناهج السياسية والدبلوماسية لدول عربية امدت العصابات والمتطرفين والارهابيين ، والتي ساعدتهم بالمال والرجال لتغيير نظام الحكم في سوريا ، فها هي نفس تلك الدول وعندما بدأت تتيقن في خريطة ما يسمى الربيع العربي وتغلغله في اسيا من دمشق الى حلب الى تركيا الى بوادر في السعودية ودول الخليج ، حيث اصدر الملك عبد الله ملك السعودية قرارا ً باعتبار ان جبهة النصرة وداعش وبعض الفصائل الاخرى هي فصائل ارهابية ، وكل من يدعمها معرض للمسألة والقانون الجنائي .
انقلاب في نظرية الربيع العربي واهدافه ، وهذا لم يأتي الا بصمود الجيش العربي السوري والشعب العربي السوري وقيادته وبدعم مباشرا ً من الدب الروسي الذي لا يكل ولا يمل في ايقاف مسلسل التخريب والفوضى والقتل الذي يمكن ان يمتد الى موسكو ودول الاتحاد السوفييتي سابقا ً .
اما المحطة الاخرى التي حاول ان يضرب فيها الغرب خصر روسيا وهي اوكرانيا ،متجاوزا ً الرتم الطبيعي في مسلسل الربيع والعربي وخريطته ليعمل اختلالا ً في السياسة الروسية وفي ثلاث ملفات اساسية الملف السوري والملف الايراني ،حيث ظهر الملف الاوكراني الذي جرى عليه عدت محاولات لتنفيذه من قبل الغرب من عام 2004 .
قرار بوتن والمؤسسة الحاكمة في روسيا كان قرارا ً جريئا وحازما ً في استعادة جزر القرم الى الموطن الرئيسي للاراضي الروسية ، ولكن لا اعتقد ان روسيا ستقف عند هذا الحد في ظل انذارات بانضمام اوكرانيا الى حلف الناتو ، وما كان للقرار الروسي بضم القرم ليس فقط الناحية التاريخية للسكان ، بل كان لروسيا ان تهدد في البحر الاسود باساطيل الناتو في خاصرتها الغربية والجنوبية ، اما ما يوجد من سكان روس في جنوب اوكرانيا فلقد حذر بوتين من المساس بحقوقهم المدنية ، ومن هنا فان روسيا من الممكن ان تستكمل مشروعها لضم مناطق في جنوب اوكرانيا .
اذا ً استيقظ الدب الروسي في دمشق وكشر عن انيابه في اوكرانيا وربما يستخدم الدب الروسي مخالبه لتغيير خريطة اوروبا الشرقية واعادتها الى عهدها السابق ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي او جزء منها.
بقلم/ سميح خلف