لا شك بأن التصريحات المتناغمة الأخيرة لبعض القيادات الفلسطينية حول ضرورة عقد لقاء وطني ، والتحرك العربي السريع خاصة للمجموعة العربية الرباعية لمحاولة رأب الصدع في الساحة الفلسطينية ، ما هي إلا مؤشرات تدل على حساسية المرحلة وإدراكا بأن القضية الفلسطينية تمر في منعطف هو الأخطر في تاريخها.
لذلك لابد من العودة إلى القانون الأساسي المعدل لعام 2005 بخصوص منصب الرئيس حتى نستطيع تحليل الحالة القائمة وأسباب القلق لدى القوى المعنية بالوضع الفلسطيني ، حيث أن المادة 2 من الباب الأول تؤكد على أن "الشعب هو مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات على الوجه المبين في هذا القانون الأساسي"، والمادة 5 من الباب الأول تنص على أن "نظام الحكم في فلسطين نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية وينتخب فيه رئيس السلطة الوطنية انتخاباً مباشراً من قـبل الشعب وتكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي الفلسطيني"، أما المادة 6 من نفس الباب تنص على أن "مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص".
بالتأمل في تلك المواد من القانون الأساسي المعدل لعام 2005 ، نجد أن مبدأ سيادة القانون هو الحكم في تنظيم العلاقات الوطنية بين أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته الحاكمة ، ولو عدنا لموقع الرئيس وذهبنا إلى المادة 34 من الباب الثالث التي تنص على أن "ينتخب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية انتخاباً عاماً ومباشراً من الشعب الفلسطيني وفقاً لأحكام قانون الانتخابات الفلسطيني" ، كما أنه في المادة 36 من نفس الباب جاء القانون بنص واضح وصريح ينص على أن "مدة رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية هي أربع سنوات، ويحق للرئيس ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية على أن لا يشغل منصب الرئاسة أكثر من دورتين متتاليتين" ، والحقه بنص المادة الفرعية ج المتفرعة من المادة 1 تحت المادة الأساسية 37 من الباب الثالث والتي تنص على أن " فقد الأهلية القانونية وذلك بناء على قرار من المحكمة الدستورية العليا وموافقة المجلس التشريعي بأغلبية ثلثي أعضائه " وهنا مربط الفرس الذي جاء بكل هذه الإشكاليات التي تمر بها الساحة الفلسطينية منذ أن تولى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولاية رئاسته حتي يومنا هذا!.
ولكن منذ تولى الرئيس محمود عباس رسميا رئاسة السلطة الفلسطينية في يناير كانون الثاني عام 2005 حدثت تحولات كثيرة عقدت كل الحسابات السياسية للسلطة الفلسطينية، حيث برزت حركة حماس الفلسطينية التي تأسست في قطاع غزة في الثمانينات وفازت في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006 وهزت بذلك الأسس التي بنيت عليها السلطة بفتح أذهان الناس على بديل آخر لحركة فتح.
لذلك منذ أن حصلت تلك الانتخابات في عام 2006 وحصل الانقسام بين شطري الوطن وزاد ترسيخاً بعد أن أخذ كل فريق بعدا فصائلياً محضاً أدى إلى تعطيل عمل المؤسسة التشريعية في ظل وجود حكومتين وأجهزة أمن وقضاء مختلفة ومستقلة عن بعضها البعض، لم تحصل أي انتخابات جديدة لتجديد الشرعيات.
حيث أنه منذ ذلك الحين لم يحصل أي انتخابات رئاسية أو تشريعية ، علماً بأنه بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات تولى رئيس المجلس التشريعي في حينه روحي فتوح، صلاحيات منصب الرئيس حسب ما تنص عليه المادة الفرعية 2 من المادة الأساسية 37 من الباب الثالث والتي تنص على أنه " إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في أي من الحالات السابقة يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمـدة لا تزيد عن ستين يوماً تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني"، مما يعني أن د. عزيز الدويك الذي تعرض لاعتقال إداري لعدة مرات سيشغل هذا المنصب بحكم الأمر الواقع وبالتالي سيخلق أزمة في المشهد الفلسطيني كونه يشغل منصب رئيس المجلس التشريعي المعطل منذ عام 2007 ، ولم تتم الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في يناير كانون الثاني عام 2010. ، وذلك كونه يمثل حركة حماس المرفوضة دولياً وإقليمياً وإسرائيليا في سياق حقيقة الواقع القائم ما لم تغير نهجها وفكرها وأيدولوجيتها بالتعاطي مع التحديات الدولية، مما يعني خلق أزمة حكم ولربما صراع فلسطيني داخلي من نوع أخر!.
هذا الشيء أصبح محل قلق للجميع خاصةً أن الرئيس محمود عباس تعرض لأزمة صحية مؤخراً وصفها البعض بأنها مؤشر على تدهور في صحته، ولكن يقول أفراد عائلته بأنها لا تعدو سوى قسطرة وقائية في سياق فحوصات طبية شاملة لحقت تغييره جسر أسنانه وما صاحب ذلك من تعرضه لمواد مخدرة أثناء القيام بذلك، انعكست على شحابة وجهه وأعطت انطباع بأنه يمر في حالة تدهور صحي ، بالرغم من أن اطبائه يؤكدون عكس ذلك!.
بالمجمل في سياق إخفاق الرئيس محمود عباس من تثبيت الثقة بينه وبين أبناء شعبه ، جعل كل هذه العوامل تقلق المجتمع الدولي الذي بات يترقب المشهد الفلسطيني ويخشى من أي طارئ قبل ضمان ترتيب الساحة الفلسطينية وتوفير البديل الذي يبدو بأنه لا زال يواجه صعوبات وتعقيدات كبيرة ، حيث أن الصراع بين الطامحين لتبوأ هذا المنصب الذين لا يمتلكون ضمانة مطلقة وطريق سهلة ومباركة جامعة ومؤكدة "
لذلك يبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام متغيرات المشهد الفلسطيني الذي لربما يطول أشهر عدة كون أن الرئيس عباس لا زال متشبثاً في منصبه، ويرفض أن يعقد انتخابات عامة رئاسية وتشريعية وبرلمانية بالرغم من علمه المسبق بأن استحقاقها كان في يناير كانون الثاني عام 2010 في المرة الأولى وفي عام 2014 في المرة الثانية ، وذلك خشية من أن تحسم مسألة خروجه من المشهد السياسي الفلسطيني ، خاصة أن الجميع بات يدرك حقيقة أن الرئيس لا يستطيع أن يشغل منصبه أكثر من مرتين، وذلك حسب المادة 36 من القانون الأساسي المعدل لعام 2005 حيث أنه عملياً قد جميع المدتين مع بعضهما بدون انعقاد أي انتخابات عامة في مخالفة قانونية مفضوحة وذلك لمواد القانون.
حيث يكون بذلك أنه يمارس الأن سلطة ليس من حقه ويمارس صلاحيات رئيس بوضع اليد وليس بقوة القانون في ظل غياب السلطة التشريعية التي من حقها أن تنزع الشرعية والصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس بتوصية من المحكمة الدستورية العليا حسب المادة 37 من القانون الذي يحكم العلاقة بين الشعب ومؤسساته العامة والتي جردها الرئيس محمود عباس من مبدأ حياديتها واستقلاليتها وجعلها تباعة له مباشرة تنفذ سياسته بالمطلق في مخالفة أخرى لمواد القانون الأساسي المعدل لعام 2005!، وعليه لا زال المشهد الفلسطيني قاتماً ويستحق القلق!.
م . زهير الشاعر