القيم المدنية رافعة السلم الأهلي (9/9)

بقلم: عدنان الصباح

( قيمة الشرف )
ينبغي لنا أولا وقبل كل شيء أن ندرك مكمن القوة في الإنسان ومحركه الأساس وان نعطي الإنسان مكانته الحقيقية من خلال إدراكنا لمكوناته وقد اتفق العلم والعلماء على أن الدماغ هو مصدر القدرة على العيش للإنسان وانه هيئة أركان الجسد بكل ما تعني الكلمة من معنى وبالتالي فان الاحتفاظ بالعقل هو أساس الاحتفاظ بالحياة هذا إذا استثنينا أي تفسير آخر عن الوعي والمادة أو الروح والمادة ليس نكرانا أو انتقاصا وإنما بحثا عن الحقائق الملموسة والمثبتة علميا تاركين ما لله لله بمعنى أن قبولنا بكون العقل مصدر الفعل أي فعل لا ينتقص من اعتقادنا أن الروح منبع الحياة ولا بأي شكل من الأشكال ولأننا لا نستطيع مناقشة الروح فبالتالي علينا الاكتفاء بمناقشة الملموس دوره ومكانته فالذي يدير حياتنا هو المصدر الذي علينا الاهتمام به وقد ثبت علميا أن غياب أي جزء من الجسم لن يلغي الحياة إلا بقدر اتصاله بالدماغ فلو قطعت يد أو رجل أو أي جزء لن تنتهي الحياة حتى القلب فلو توقف عن الخفقان فان الموت سيحدث لان الدم توقف عن الوصول إلى الدماغ وتقول الحقيقة العلمية أن الدماغ قادر على الصمود بدون دم عشرة ثواني وقادر على الصمود بدون أوكسجين ستة دقائق وبالتالي فان توقف الدماغ عن العمل يعني سقوط هيئة أركان الجسد وسقوط كل الجسد أي الموت.
تلك المقدمة الهدف منها القول أن كل القيم تبدأ إذن وتنتهي هناك في الدماغ وان قيمة الشرف لا تنتفي عن اليد التي سرقت بل عن الدماغ الذي اصدر الأمر بالسرقة وهكذا تتوالى المسائل لكل فعل أيا كان مصدره وتعميم الشرف ليطال الإنسان كانسان يعني أن تكون قيمة الشرف بمستوى رقيها لتبدأ من الدماغ المصدر الرئيسي لأفعال الإنسان جميعا وكلما نزل مستوى الشرف مكانا نزلت قيمته فبانحصاره بجزء من الجسم يعني السماح لباقي الأجزاء بالتنازل عنه وبالتالي فان انحطاط قيمة الشرف من مكانتها الأسمى وهي الدماغ إلى مكانتها الأدنى وهي ما بين الساقين يعني إعطاء الحق لباقي أعضاء الجسم بممارسة الجريمة أو الرذيلة أيا كان مصدرها فالكذب والفساد والقتل والإيذاء والدسيسة والنميمة لا تنتقص من شرف من يمارسها إذا صان ما بين ساقيه أو بالأحرى ساقيها فللرجل حق التنازل عن ذلك دون أدنى حرج بل وأحيانا يصل الأمر حد التفاخر بذلك بينما تصبح جريمة لا يمكن السكوت عنها إذا طالت المرأة والأمم التي تعتقل شرفها بين سيقان نسائها لا يمكن لها أن تعرف طريقا للتقدم إلى الأمام ما دامت عقوبة السرقة والفساد والظلم بل وحتى الخيانة الوطنية تعتبر جرائم اقل من جريمة الزنا إن وجدت.
الرجل الذي يعتبر ظهور شعر المرأة جريمة ويتحدث عن الذئاب التي تأكل لحم النساء بعيونها لا يدري وهو يفعل ذلك انه ينتقص كليا من قيمة نفسه مقرا بالفعل بأنه وأبناء جنسه من أكلة لحوم البشر بإقراره بضرورة حجب المرأة عن عيون الذئاب أي الرجال والذي هو شخصيا احدهم, تدني وضع المجتمع قائم بتدني قيمه وبانحصار شرفه بعيدا عن فعل الحياة ومسيرتها وقدرة الأمة على النهوض بنفسها والتقدم, ولا يمكن لذلك أن يكون ما دام نصف هذه الأمة محشور في أقبية الظلمة بعيدا عن النور ويتم التعامل معه كقطعة لحم نية والتعامل مع النصف الآخر كحيوانات مفترسة لا تأكل سوى لحم النساء ولن يكون هناك مجتمع مدني قائم على حقوق وواجبات المواطنة إن استمر حرمان نصف المجتمع من حقه بذلك على قدم المساواة.
الشرف إذن هو قيمة القيم, فقيم الأمانة والصدق والإخلاص والعدل والنزاهة واحترام الخير والانتماء الوطني جميعها تحتاج لصونها والالتزام بها على قاعدة الشرف وأي انتقاص منها هو انتقاص للشرف وبلا أدنى شك فان إخلاص المرأة واحترامها لذاته أولا ثم لمجتمعها وناسها وعدم ممارسة الرذيلة بأي حال من الأحوال بما في ذلك رذيلة اللسان يندرج ضمن هذه القيم لا بالجسد فقط وإنما بالرأي والفكر والكلام فشرف اللسان كشرف اليد التي تفقد شرفها إن سرقت أو آذت كشرف القدم التي تجري لتسرق أو لتقتل وشرف العيون التي تسترق النظر على خصوصيات الآخرين وشرف الأذن التي تسترق السمع خلسة على أسرار الغير وحياتهم وبيوتهم فلا حدود إذن للشرف كقيمة عليا تطال كل حياتنا وكل أفعالنا وهي اكبر وأسمى من أن تنحصر ما بين سيقاننا فقط, والشرف هو عماد السلم والسلام الداخلي لأي جماعة أيا كانت حين تنتظم أمور حياتهم على قاعدته الأوسع والأكثر وضوحا وشمولية.
وقد لا يكون ضروريا هنا مواصلة البحث عن القيم وتفصيلها فقد فعل العديد من الكتاب والفلاسفة ذلك منذ بدء التاريخ ولا يمكن حصر القيم وإنما يمكن ذكر بعضها كالعدل والصدق والعونة والحب والانتماء والإخلاص والاستقامة والنزاهة والشفافية والعفة والتسامح والقيم لا حصر لها أبدا فالحنو على الآخرين قيمة والإحساس بالغير ومعاناتهم قيمة ومد يد العون للمحتاج قيمة وكلما تسامت قيم الأمم كلما استقامت حياتها وسمت بأهدافها وانتظمت حياة ناسها بما يوفر كل المقومات لقيام مجتمع مدني في دولة المواطنة القائمة على أسس العدل والمساواة في الحق والواجب في آن معا وكلما انحطت قيم الأمم كلما انحطت مكانتها وتحولت إلى قانون الغاب بلا قيم ولا مبادئ سوى مبدأ وقيمة الأنا المنغلقة ومصالحها مهما اتسعت مساحات الأنا هذه.

بقلم
عدنان الصباح