المتتبع لتاريخ حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وبشكل موضوعي ، يدرك ان هذه الحركة العملاقة، ومنذ تأسيسها على يد الشيخ الشهيد المفكر فتحي الشقاقي ، تعالت على الجراح والمزاودات والاتهامات التي كانت تلقى عليها جزافا ، ويحسب لها تاريخيا أنها اعتبرت ان الدم الفلسطيني خط احمر لا خط مشاه ، ونأت بنفسها وبعناصرها عن الاقتتال الفلسطيني الداخلي الذي وصل ذروته عام 2007م ، ورغم رفضها المشاركة في السلطة أو أجهزتها أو حتى برلمانها ومجالسها البلدية ، تبوأت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ، مكانه محترمه لدى غالبية القوى والحركات المحلية والعالمية من جهة ،ولدى الشعوب المنحازة لمقاومة الظلم والاستعمار والاستبداد من جهة اخرى
حركة الجهاد الإسلامي أكبر من مراهنات الكيان الصهيوني :
المتتبع لديناميكية التطور لحركة الجهاد ، يدرك ان هذا التنظيم يبدو اكبر وأقوى مما خططت واعتقدت إسرائيل مرارا، فبرغم إعلان وزراء حرب الاحتلال الصهيوني (باراك -يعلون- ليبرمان وغيرهم) أكثر من مرة أن جيشهم يسعي بكل قوة للقضاء على الجهاد الإسلامي وإبادته ، ورغم قيامهم بعمليات اغتيال غادرة طالت قوافل من الشهداء ، وعلى راسهم الشهيد فتحي الشقاقي الامين العام للحركة ، وممارسة حملات اعتقال واسعة طالت معظم كوادر وقادة وأنصار الجهاد في فلسطين، الا أن الأمور لم تجر مثلما أرادوا ، ورحل (يعلون وبراك ) وبقيت الحركة وامتد نفوذها وتأثرها .
الجهاد الإسلامي وذكاء قيادته اقليميا :
انطلاقا من رؤية حركة الجهاد المتعمقة بمتغيرات المنطقة من ناحية ، وتركيزها على مقاومة الاحتلال فقط من ناحية اخرى ، وانطلاقا من فلسفتها القائمة على كسب كل من يقف بجانب اهدافها التي انطلقت لأجلها ، ، لازالت علاقة الجهاد الإسلامي بسوريا عميقة تاريخيا و ميدانيا ، لذا لا زال أمينها العام رمضان شلّح يحتل مكانة مرموقة في دمشق ومعظم العواصم العربية . ولم يتورط الجهاد الإسلامي في الاقتتال الداخلي السوري ، خوفا على قواعده ودعمه اللوجستي من كافة الحركات الدولية والاقليمية وعلى راسها حزب الله اللبناني لان هدف الجهاد هو فلسطين ومقاومة الاحتلال التي تعتبر اوليات له بشكل اكبر من الاقتتالات الداخلية ، وبالتالي لم يخسر الدعم اللوجستي من حزب الله وايران وسوريا وقوى العالم المتحالفة معهم ..
المنظومة العسكرية والكادر الواعى واثره على قوة الحضور للحركة :
مما لاشك فيه ان الحضور الكبير للجهاد الإسلامي في الساحات العربية والإسلامية وذكاء قيادتها ومواقهم الاقليمية بدأ ينعكس اليوم من خلال قوة هذا التنظيم في قطاع غزة والضفة ، وامتلاكه لأحدث أنواع الأسلحة وتكنولوجيا منظومة صواريخ أرض أرض ووجود كادر مدرّب وقيامها بعمليات نوعية ومخططة ، ومشاركته الفاعلة في رد العدوان على غزة في الحروب الثلاثة التي شنت على غزة كان له الاثر في ترك بصماته وقوة حضوره بالدم الزكي والعرق الطاهر لمقاوميه.
الجهاد الإسلامي يربك حسابات الاحتلال
في الواقع المقروء سياسيا نرى ان المحللين العسكريين ورديفهم في الصحافة الصهيونية ، اصبحوا رهائن المعلومات القديمة عن حركة الجهاد، في ظل التنظيم الذى اصبح محكما ، عدى عن انتصار معلوماته واجهزته الداخلية المدربة ، لذلك نرى الصهاينة دوما يصرحون - دوما - في ظل تخبط المعلومات الاستخبارية أن مليون إسرائيلي يختبئون من صواريخ الجهاد الإسلامي في الملاجئ في ظل أي تصريح تصعيدي للجهاد ..
وخرج المحللون العسكريون الصهاينة بنتيجة مخيفة لكيانهم ان ارجاء عمليات الجهاد الإسلامي داخل الكيان قد خدع المخابرات الإسرائيلية ، لأن الجهاد الإسلامي أراد تحقيق انجاز أشمل وأقوى من خلال تكنولوجيا الصواريخ على حساب العمليات الفردية .
المتوقع والمأمول من حركة الجهاد الإسلامي
مع كل هذا الانجاز الذى نعتبره لصالح القضية الفلسطينية ومستقبلها ، الا اننا ككتاب ومثقفين نرى ان من الواجب على حركة عظيمة كالجهاد مسؤوليات وواجبات وطنية استكمالا لدورها الطلائعي والجماهيري نذكرها حبا وحرصاً
منها :
- تشكل غرفة عمليات وطنية محلية للخروج برؤية من حالة الجمود القاتل والتدخل بشكل قوى ومباشر لتحريك ملف المصالحة المعطل عقد من الزمن
- عدم انتظار فرض المصالحة من جهات إقليمه لان الأرض لا يحرثها الا عجولها ..
- تحريك الجماهير بشكل ملموس ، لطرق الخزان للخروج من الموت البطيء للقضية والشعب في ظل المتغيرات الإقليمية وتزاحم الاحداث الدولية..
- المشاركة الحياة السياسية الفلسطينية بكل اشكالها ، للخروج من ضعف البنية التحتية الاجتماعية الفلسطينية..
- العمل على عدم سيطرة جماعة واحدة على العمليات السياسية وبناء مجتمع ديموقراطي سليم ،لان تعدد مصالح الافراد والجماعات يخلق نزاعات وخلافات تحول الوطن الى فئات متصارعة ..
بقلم/ د. ناصر اليافاوي