تداعيات ساخنة لندوة العين السخنة !

بقلم: زهير الشاعر

لا شك بأن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية المصري قبل عدة أيام وقال فيها بأن من يدير ظهره لمصر سيدفع ثمناً باهظاً، قد فسرت في عدة اتجاهات، منها فيما يتعلق بالمشهد الفلسطيني، ومنها من ذهب بعيداً بتفسيرها وقال بأنه كان يقصد التعبير عن حالة تذمر من الموقف السعودي عقب المشادة بين السفير السعودي والسفير المصري في مجلس الأمن بعد الموقف المصري المغاير للموقف السعودي من التصويت حول قرار يتعلق بالأزمة السورية.
تبين لاحقاً بأن الأمر يتعلق بالمشهد الفلسطيني وبأنه كان بمثابة العصا التي رغبت القاهرة بأن ترفعها في وجه من يعارض توجهاتها المُلِحَة خاصة في ظل ظل التحديات القائمة وخاصة الأزمة الأمنية والاقتصادية التي تواجهها، كي تقول بأنه لم يعد لديها المزيد من الصبر على التعاطي مع ضروريات إنجازات بعض الملفات العالقة التي تعتبرها جزءاً من الأمن القومي المصري.
حيث أثارت ندوة "مصر والقضية الفلسطينية" التي أشرف عليها المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط والمهتم بالشأن الفلسطيني، ارتباكا في أوساط مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية والتي عقدت في منتجع العين السخنة في مدينة السويس المصرية ، وذلك بحضور عدد من المهتمين الفلسطينيين المؤطرين حركياً، وغيرهم من المستقلين المثقفين وأصحاب الرأي والإعلاميين، في حين اعتذر البعض من الأكاديميين وأبناء حركة فتح الذين خشوا أن يتعرضوا للبطش بلقمة عيش أبنائهم ممن عارضوا انعقاد هذه الندوة وبالغوا بأنها موجهة ضدهم!، خاصة أن القيادة المصرية هي من أعطت الضوء الأخضر لانعقادها!،!.
لذلك يرى المراقبين بأن التوصيات النهائية التي صدرت عن هذه الندوة حركت المياه الراكدة باعتدال توصياتها ورمت الكرة في ملعب جميع الفرق الفلسطينية المتخاصمة، حيث خرجت عن توقعات الكثيرين وحطمت تخوفات البعض وزادتها عند البعض الأخرين، كما أنها فتحت الباب أمام عدة تطورات ومتغيرات دراماتيكية، منها :
أولاً : زادت عجلة الاهتمام بالتحضير للمؤتمر السابع لحركة فتح والذي كان قد أجل عدة مرات في السابق وفي تقديري أنه لن يعقد في هذه المرة أيضاً في ظل قراءتي للتحديات الموجودة!، حيث أنه في سياق المعطيات القائمة، استطيع القول بأن الهمة العالية التي نشاهدها الأن بخصوص انعقاد هذا المؤتمر هي نتاج ارتدادات التخوفات من الخطوات العربية اللاحقة ، التي يبدو بأنه سيكون لها تأثير ملحوظ في المرحلة القادمة!.
ثانياً : من الواضح أنه ليس عبثياً التواصل مع الأقاليم الخارجية لحركة فتح في أنحاء العالم ومحاولة استقطاب أسماء لابد من التحذير من مخاطر إلباسها ثوب ليس ثوبها حتى لو كان ذلك من أجل ضروريات تحشيد العدد المطلوب لضمان النتائج المرجوة في حال انعقاد هذا المؤتمر!.
ثالثاً : وصول النائب في المجلس التشريعي محمـد دحلان إلى القاهرة في الوقت الذي تم فيه الإعلان عن وصول زكي السكني بعد الإفراج عنه بشكل مفاجئ ، وهو الذي كان معتقلاً في سجون غزة ويقضي حكماً بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً ، حيث كان هذا الحكم بسجنه يمثل حالة خلافية عميقة في أوساط الغزيين بشكل عام وبين أبناء حركة فتح بشكل خاص ، مما يعني أن هناك رسالة دراماتيكية لها أبعادها التي تتعلق بمتطلبات المرحلة القادمة التي يبدو بأنها أصبحت وشيكة للغاية .
رابعاً : يبدو بأن النجاح بالإفراج عن زكي السكني هو رسالة أولية ستتبعها رسائل عاجلة خلال الأيام القادمة ولربما منها الإعلان عن وصول النائب عن المجلس التشريعي محمـد دحلان إلى قطاع غزة وما يعنيه ذلك في المشهد الفلسطيني!.
مما سبق ذكره يعني أن الساحة الفلسطينية باتت تتحرك بعجلة ديناميكية متسارعة تتعلق بنقطتين هامتين هما :
أولاً : إما التلاقي حول حل الأزمة القائمة فيما يتعلق بالمصالحات الداخلية لحركة فتح والمصالحات الوطنية بشكل عام.
ثانياً :وإما التصعيد وانتظار مفاجئات من العيار الثقيل جداً لربما يكون أهمها انعقاد مؤتمرين متضادين واحد في رام الله بألف عضو من مختلف الساحات وواحد أخر في غزة بألاف الأعضاء من كل الساحات وما سيتبع ذلك من تعميق لحالة الانقسام الداخلي!.
لذلك فإنني أرى أن قوة شد الحبال بين الأطراف المعنية بهذا المشهد ، ستزداد شراسة خلال الأيام القادمة في ظل معادلة معقدة ومعطيات متناقضة وسخونة متصاعدة، ولكن حتماً لن يُسْمَح لها لأن تصل إلى مرحلة صدام دموي، ولكنها ستكشف عن هشاشة الحالة الفلسطينية القائمة التي نجمت عن حالة الانقسام الوطني والانقسام الفتحاوي الداخلي!.
يبدو بأن تداعيات ندوة العين السخنة هي تداعيات ساخنة ستقلب الطاولة بالرغم من أنها جاءت متأخرة لتحريك المياه الراكدة!، فهل جاء الوقت للعمل من أجل ترسيخ رؤية عقلانية و قيم أخلاقية إنسانية، حيث لا زال الشعب الفلسطيني يدفع الكثير من راحته وتتعمق جراحاته، كي يعي قادة الشعب الفلسطيني بأن مصلحتهم قبل المصلحة الوطنية العامة هي في التلاقي ونبذ الخلاف لأن المراكب التي تقلهم لم تعد صالحة للإبحار في بحر الظلمات أكثر من ذلك ، وبأن أبناء شعبهم بحاجة ماسة لمن يخفف من حصارهم وألآمهم!.

م . زهير الشاعر