في العام 2002 سحبت دولتان هما أمريكا وإسرائيل توقيعهما على قانون المحكمة الجنائية الدولية وبذلك تملصت من أية تبعات قد تطالهما جراء التوقيع على هذا القانون او تطال رعايا الدولتان وبذا تكون كل أمريكا وإسرائيل قد حققتا الحصانة لكل جرائمهما المرتكبة وحتى لو أصدرت المحكمة قرارات تتعلق بذلك فهي غير قادرة على تطبيقهما وقد مثل القرار الصادر بحق الرئيس السوداني عمر البشير سابقة بذلك إذ رفضت السودان والدول العربية القبول او تنفيذ هذا القرار لعدم ولاية المحكمة في الدول الغير موقعة على القانون ومنها السودان وبذا فان ذلك سينطبق قطعا على أي قرار قد يتخذ ضد أي أمريكي أو إسرائيلي ولن تنفذ أيا من الدولتان أي قرار ضدهما أو ضد مواطنيهم
بنفس الوقت تمكنت الولايات المتحدة من سن تشريع جديد يجيز لمحاكمها الوطنية إصدار قرارات حكم ضد الدول والأفراد الذين ساعدوا بشكل مباشر أو غير مباشر على أية أعمال إرهابية شكلت ضرارا لمواطنيها وسمي هذا القرار بقرار " جاستا " وقد تضمنت نصوص هذا القانون ما يلي:
" القسم الثالث: هذا القانون يعدل قانون القضاء الفيدرالي لتضييق نطاق الحصانة السيادية الأجنبية، وهي حصانة دولة أجنبية من سلطة قضاء المحاكم الأمريكية. على وجه التحديد، يخول القانون سلطة المحكمة الفيدرالية تناول الدعاوي المدنية ضد دول أجنبية دون الحصانة السياسية حول إصابات جسدية لشخص أو ممتلكات أو وفاة حدثت داخل الولايات المتحدة نتيجة لـ: (1) عمل إرهابي دولي، (2) ارتكاب المسؤولية التقصيرية (إهمال المسؤوليات القانونية) في أي مكان من قبل مسؤول أو وكيل أو موظف في الدولة الأجنبية له صلة بالقضية.
لا يشمل الإرهاب الدولي عملا من أعمال الحرب، إذ لا تمتد سلطة المحكمة الفيدرالية لدعاوي المسؤولية التقصيرية على أساس إغفال أو إهمال. ويجوز للمواطن الأمريكي رفع دعوى مدنية ضد دولة أجنبية لإصابات جسدية أو وفاة أو ضرر نتيجة لعمل من أعمال الإرهاب الدولي التي ارتكبتها منظمة إرهابية.
القسم الرابع: يُعدل القانون العقوبات الفيدرالية لفرض المسؤولية المدنية على الشخص الذي يتآمر لارتكاب أو يساعد ويحرض (من خلال توفير مساعدات كبيرة) على عمل إرهابي دولي وقع، أو خُطط له، أو التي أمرت بها منظمة إرهابية مدرجة على قوائم الإرهاب.
القسم الخامس: يؤسس القانون سلطة وصلاحية المحكمة الفيدرالية لتناول الدعاوي المدنية ضد دولة أجنبية. ويخول القانون وزارة العدل التدخل في الدعاوى المدنية لطلب وقف، ويجوز للمحكمة أن تمنح الوقف إذا صدّقت وزارة الخارجية أن الولايات المتحدة تشارك في مناقشات بحسن نية مع دولة أجنبية لتسوية الدعاوى المدنية.
القسم السابع: يُطبق القانون على المطالبات المدنية: (1) المعلقة أو التي ابتدأت إجراءاتها أو تشريع المطالبة بتعويضات مدنية، (2) الناشئة عن أضرار لحقت بالأشخاص أو الممتلكات في أو بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001."
القانون المذكور جاء موجها حسب الإعلام والمحللين ضد السعودية تحديدا وبعد أن برزت آراء تتحدث عن سحب الاستثمارات السعودية هناك والأحاديث التي ظهرت عن إطلاق عقيدة سلمان ضد عقيدة اوباما وسعي أمريكا رسميا وبشكل لافت للأنظار للتخلص من السعودية كمملكة حليفة موحدة عبر تدميرها اقتصاديا وتفتيتها تدريجيا وما توريط السعودية ومصر في حرب اليمن إلا إشعال لفتيل التدمير الاقتصادي للسعودية والعسكري كقوة أولى في المنطقة لمصر لإلغاء أي احتمالية للمواجهة مع إسرائيل أو غيرها كما يحدث حاليا مع سوريا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وقد ساعد على تأليب الرأي العام الأمريكي وتسهيل تمرير القرار التهديدات التي أعلنت وبثت رسميا للظواهري بتهديده ب11 سبتمبر جديد وهو ما يعيد إلى الأذهان فيديوهات أسامة بن لادن وما شكلته من مادة أساسية لعربدة أمريكا في العالم وفي الشرق الأوسط والوطن العربي تحديدا.
تبلغ استثمارات السعودية الرسمية في الولايات المتحدة أكثر من 750 مليار دولار وهي جميعا باتت مهددة بالتجميد كما حدث للاستثمارات الإيرانية من قبل وقد يصل الأمر إلى المصادرة تماما إذا ما أصدرت المحاكم الفيدرالية الأمريكية إدانات ضد السعودية وقد يحدث الأمر أيضا بما يخص ممتلكات رعايا سعوديين كما هو الحال مع ممتلكات الأمير السعودي بندر بن سلطان وزوجته المهددان بالمقاضاة مما يعني تدمير غير متوقع للاقتصاد السعودي المثقل أصلا بأعباء وحل اليمن وحربها هناك وهو معروف كتوريط أمريكي سافل للسعودية ومصر بتلك الحرب ومصدر ربح لأمريكا على حساب السعودية واليمن وهو ما يذكرنا بما جرى للمال الكويتي بعد احتلال الكويت من قبل العراق وفيما إذا استثنينا الخسائر اليومية للسعودية في سوريا وليبيا والعراق وغيرها فيكفي أن نعرف أن الأرقام الرسمية تقول بان الخسائر السعودية الأولية في اليمن وصلت إلى 100 مليار دولار تقريبا حتى الآن وان التكلفة اليومية هناك تصل إلى ما يقارب 200 مليون دولار يوميا بينما وصلت الخسائر الاقتصادية التي لحقت باليمن في البنية التحتية فقط حوالي 14 مليار دولار وإذا أضيف إلى ذلك ما قد يترتب على السعودية جراء قانون جاستا فان السعودية قطعا ذاهبة إلى الهلاك وان كل أموالها ستتحول إلى الخزينة الأمريكية بجرة قلم أي قاضي أمريكي.
من المعروف أن السعودية هي ثالث اكبر مستثمر في السندات الحكومية الأمريكية بعد الصين والاتحاد الأوروبي وتبلغ هذه الاستثمارات حوالي 800 مليار دولار وهي عرضة للسرقة رسميا على الطريقة الأمريكية التي تصر على تخفيض قيمة عملتها باستمرار وليس بعيدا قرار نيكسون بإلغاء الالتزام الحكومي الأمريكي بمعادلة الدولار بالذهب واستبداله به مما افقد عديد الدول مبالغ هائلة جراء هذا القرار وليس مستغربا على دولة الكاوبوي أن تعاود الكرة مرة أخرى وتسعى لخفض قيمة الدولار إلى أقصى حد مما يلغي قيمة هذه السندات الحكومية والتي تشارك بها عديد دول العالم وفي مقدمتها الصين واليابان والسعودية وتبلغ مجموع الاستثمارات الأجنبية في سندات الخزينة الأمريكية أكثر من 6 تريليون دولار تطال سائر دول العالم تقريبا بما فيها دول الاتحاد الأوروبي وروسيا التي تصل استثماراتها إلى 80 مليار دولار وهي أرقام فلكية إن قررت حكومة الولايات المتحدة الاستيلاء عليها بحجج وأشكال مختلفة بما فيها إسقاط قيمة الدولار إلى الحضيض مما قد ينقص الدين الأمريكي إلى 90% مما هو عليه في الوقت الحاضر.
إن قانون جوستا هو أداة لصوصية جديدة بيد الولايات المتحدة للسطو على أموال بعض الدول العربية وغيرها وفي المقدمة اليوم السعودية التي ستدفع ثمن ثقتها وتحالفها مع الولايات المتحدة ليس ضد مصالح الأمة العربية والشعوب المقهورة فقط بل ستكتشف قريبا أنها كانت تتحالف مع الشيطان المجنون الذي سيمد يديه حتى في جيوب الأمراء وعائلاتهم ليجردهم من كل شيء وينبغي لذلك أن يتحول إلى درس أممي ليس للفقراء قطعا بل للأغنياء الذين وضعوا سلة بيضهم المسروق بجراب الحاوي الأمريكي الذي يعتقد انه ساعدهم أصلا على سرقته من شعوبهم فهو أولى به منهم وقد تجد قطر والإمارات العربية وغيرها نفسها عرضة لنفس الكارثة فالدول والحكومات التي تستأمن أمريكا على ثروات شعوبها ستدفع ثمن ذلك غاليا لصالح اللصوصية الامبريالية الأبشع في التاريخ.
السعودية التي تدعم خزينة لصوص العالم في أمريكا ب 800 مليار دولار تتناقص سنويا تعرف جيدا أن 22% من مواطنيها فقراء وغير منتجين وان 75% من مواطنيها مدانين بقروض طويلة الأجل وان ثلاثة ملايين مواطن سعودي يعيشون تحت خط الفقر وان هناك أكثر من مليون عاطل عن العمل من المواطنين السعوديين في دولة تتربع على اكبر احتياطي نفطي في العالم وتعتبر اكبر منتج للنفط من بين الدول النفطية وترهن ثروتها في سندات الخزينة الأمريكية لأمد لا ينتهي إلا بانتهاء قيمتها.
بقلم
عدنان الصباح