المصالحة ....والدوران في الحلقة المفرغة

بقلم: راسم عبيدات

العوامل الكابحة والمعطلة للمصالحة الفلسطينية،اكبر بكثر من العوامل الدافعة لتحقيقها،وواضح انها تخرج عن أنه من الممكن تحقيقها بإرادة فتحاوية - حمساوية او حتى فلسطينية،فالشأن الفلسطيني،يخضع لتجاذبات وتدخلات عربية وإقليمية ودولية كبيرة،ناهيك عن دور اسرائيل المعطل والمعيق للمصالحة الفلسطينية - الفلسطينية،وكل الأطراف التي تتدخل من اجل تحقيق المصالحة الفلسطينية،تحرص أن تتم المصالحة بما يخدم مصالحها واهدافها ويعبر عن سياستها ورؤيتها في القرار الفلسطيني.
ما يحدث من اصطفاف عربي وإقليمي ودولي،نجد له انعكاسات في الشأن الفلسطيني،فمبادرة الرباعية العربية (مصر،الأردن،السعودية والإمارات العربية) للمصالحة الفلسطينية،حركت حلفاء حماس عرباً وإقليميين (قطر وتركيا) من اجل طرح مبادرة مضادة،تحفظ لهما دورهما ومكانتهما في الإدارة والإشراف على قطاع غزة،بالإضافة الى تولي عمليات اعادة الإعمار هناك،وتركيا في تطبيع وإعادة علاقتها مع اسرائيل،كان لها شرط بان يكون لها دور خاص بالإشراف على قطاع غزة،والإتصالات القطرية مع منسق شؤون المناطق يؤاف مردخاي لم تنقطع،حول مد غزة بالكهرباء والطاقة وإدخال المساعدات.وعلى ضوء ذلك لم يتحرك ملف المصالحة ايجاباً،بل شهدنا دورة عنيفة من الردح والتخوين والمناكفات والإتهامات والإتهامات المتبادلة.

فتح على ضوء المبادرة الرباعية العربية وعقد مؤتمر "عين السخنة " في القاهرة وحضور عشرات الكادرات الفتحاوية من قطاع غزة المحسوبة على النائب المفصول دحلان لهذا المؤتمر وتسهيل خروج حماس لهم،رأت بأن هناك تحالفاً ما بين "حماس" ودحلان" وخصوصاً بأن انصار النائب دحلان قادوا مسيرة احتجاجية في قطاع غزة،ضد حضور ومشاركة الرئيس عباس لجنازة بيرس.

واضح بأن التطورات داخل حركة فتح تتسارع،حيث أن الرئيس حدد موعد 29/11/2016 لعقد مؤتمر فتح السابع،وعودة المفصولين من الحركة وعلى رأسهم القيادي دحلان لم تتحقق،والحراك داخل الحركة والتكتلات والمحاور شهدت المزيد من السخونة،بإعلان دحلان بأنه لن يسمح لعباس بإختطاف حركة فتح،وجاء مؤتمر فتح التشاوري في مخيم الأمعري،لبحث وحدة حركة فتح وكيفية النهوض بها،ليرفع من حدة الخلافات داخل إطار الحركة،حيث جرى فصل عضو المجلس الثوري جهاد طمليه،احد أبرز قيادات فتح في رام الله،وهناك (17) آخرين توجد توصية بفصلهم منهم نواب تشريعي وأعضاء مجلس ثوري،ورد طمليه على قرار فصله بالقول أنه انتمى لفتح كحركة ثورية،مناضلة،ولا احد يستطيع سلبه او تجريده من عضويته في فتح،وهو لم يعمل في شركة عند أحد،حتي يعفي من منصبه،وكذلك اعفي الناطق الرسمي باسم فتح في القدس رأفت عليان من منصبه،ووضع اسمه على لائحة " المتنجحين" .

الرئيس بات يستشعر خطر التحالف بين حماس وجماعة الدحلان،وبالتالي من شأن هذا التحالف اضعاف حركة فتح،وتوسيع رقعة الخلافات في داخلها،ولذلك في إطار الهروب من الضغوط الممارسة عليه من قبل الرباعية العربية،توجه لتركيا من اجل ممارسة ضغوط على حركة حماس،هي وقطر،حول طبيعة علاقتها بدحلان وجماعته،وممارسة ضغوط على حماس لكي تجري المصالحة،ولكن نحن ندرك تماماً،بأن سياسة المحاور العربية والإقليمية وإمتدادها في الشان الفلسطيني،لن تثمر عن مصالحة فلسطينية،فتلك الأطراف والمحاور لها اهداف ومصالح غير متطابقة،وكل يطرف اللدعم الطرف الذي يعتقد أنه يحقق له مصالحه.
ولذلك لا اعتقد بأن قطر وتركيا ستجلبان مصالحة فلسطينية للرئيس عباس،فالمصالحة بدون إرادة سياسية فلسطينية،وبدون توافق وحوار وطني شامل،سنبقى نجتر نفس العبارات الفارغة عن المصالحة،نتحدث بإيجابية وبصورة وردية امام الكاميرات والتلفزة ووسائل الإعلام عن المشروع الوطني والثوابت والحقوق الوطنية لشعبنا،والوحدة وإنهاء الإنقسام،وفي الواقع العملي نجد بأن حجم التحريض الداخلي والحقد والكره لبعضنا،يتفوق على التحريض والحقد على الإحتلال.
واضح بأن حالة النزف وتآكل النظام السياسي الفلسطيني وتعمق أزمته ستتواصل،حيث هناك ضغوط كبيرة تمارس على القيادة الفلسطينية من اجل فرض استسلام شامل على شعبنا الفلسطيني عبر الخضوع للإملاءات الأمريكية والمشيئة الإسرائيلية في ظل حالة عربية منهارة،تتجه لإنهاء الصراع مع المحتل الإسرائيلي على صاحب الحق الفلسطيني،لجهة إلباس الصراع المذهبية والطائفية والعرقية،وبما يفتت الجغرافيا العربية الى كيانات إجتماعية هشة،وبما يشكل خطر جدي على القضية والمشروع الوطني الفلسطيني لجهة الإندثار والتفكك.

نحن نرى بأن الإمتدادات العربية وتدخلاتها في الشأن الفلسطيني،والإصطفاف الفلسطيني الى جانب محاور وتكتلات عربية وإقليمية،لا يساهم في تحقيق المصالحة الفلسطينية،تماما كما هي سياسة أنت "متجنح" أنت مفصول،لن تسهم في تحقيق وحدة فتح ونهوضها،بل ستعمق من أزمتها ونزيفها الداخلي،ولذلك نرى بأن مبادرات من قوى وطنية وقوى مجتمعية ومؤسساتية بعيدة عن طرفي الإنقسام،كما هي حال مبادرة الدكتور رمضان شلح العشرية التي طرحها في الذكرى التاسعة والعشرين لإنطلاقة حركة الجهاد الإسلامي،حكمها المنطق الوطني العام،بعيداً عن لغة المصالح والمحاصصة والردح والتخوين،التي دأب عليها طرفي الإنقسام (فتح وحماس)،جاءت لكي تصحح جوهر مفاهيم الصراع مع المحتل وتصويب البوصلة الفلسطينية والمسار الفلسطيني المشتت على كل المستويات بفعل الإنقسام الى المسار الصحيح.
مبادرة الدكتور شلح بغض النظر عن المنهاجية أو الإستطراد،هي مبادرة حوت مضامين جوهرية،إذا ما توبعت ووضعت لها آليات للتنفيذ وحوامل تمكنها من السير على رجليها،عبر إطلاق ورشة عمل فلسطينية شاملة سياسيا،وطنياً،مجتمعياً ،مؤسساتياً،شعبياً وجماهيرياً،فهذه المبادرة قد تشكل إنطلاقة جدية نحو تحقيق مصالحة فلسطينية حقيقية،بعيداً عن سياسة المحاور والتكتلات المعطلة للمصالحة لا الدافعة تجاه تحقيقها،فلاساحة الفلسطينية،بفعل الإنقسام ساحة خصبة للعديد من القوى العربية والإقليمية والدولية لخوض صراعاتها وتصفية حساباتها على الساحة الفلسطينية،وعلى حساب شعبنا وحقوقنا وقضيتنا،وليتقر الجميع الى مستوى المسؤولية ولنخرج من شرنقة الإنقسام المدمرة،نحو تحقيق المصالحة على أساس استراتيجية فلسطينية موحدة وبرنامج وطني موحد،بدلاً من إستمرار الدوران في الحلقة المفرغة،وبما يعمق ويشرعن الإنقسام ويكسبه صفة الديمومة .

بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين

26/10/2016
0524533879
[email protected]