مؤتمر فتح السابع بين جدلية التمثيل وحتمية التجديد

بقلم: رمزي النجار

منذ أن أعلن الرئيس أبو مازن رئيس حركة فتح امام اجتماع موسع لقيادات الحركة في رام الله عن قرب انعقاد مؤتمر حركة فتح باعتباره استحقاق فتحاوي وتشكيل لجنة تحضيرية برئاسته وتحديد سقف عضوية المؤتمر الى 1300 عضو فتحاوي؛ حيث بات يشغل انعقاده بال العديد من الأوساط الفلسطينية والعربية والدولية لما له من أثر في مخرجاته على الحالة الفتحاوية خاصة والفلسطينية عامة، كون المؤتمر يشكل أعلى سلطة في الحركة يناقش ويشرع ويقر توصيات اللجان المختلفة، وينتخب المجلس الثوري واللجنة المركزية رأس الهرم في الحركة، كما عاد الحراك الفتحاوي الداخلي إلى الساحة بعد التأجيلات المتكررة؛ وعاد ملف المؤتمر يطرح نفسه على طاولة نقاشات قيادات الحركة في كل المواقع التنظيمية، وباتت القناعات لدى الغالبية الفتحاوية بضرورة انعقاده نحو ترتيب البيت الفتحاوي، وذلك لتجديد الدماء واختيار وجوه جديده خلفاً للوجوه التاريخية التي شاخت لأخذ دورها التنظيمي في الحركة، وقد يثار العديد من الأسئلة حول مدى حجم تمثيل الأطر الحركية التنظيمية المختلفة، وأيضا مدي مساهمة الوجوه الجديدة المتوقعة في استنهاض حركة فتح والحفاظ عليها وما يحمله البرنامج السياسي للحركة في ظل كل هذه التعقيدات المصطنعة لإفشال انعقاده؟
والمبدأ التنظيمي الشائع في مؤتمرات حركة فتح وهو ما يسمى بـالمركزية الديمقراطية، فهي تعقد مؤتمرها العام بشكل دوري، وتقوم على تمثيل مختلف قطاعات المؤسسة الحركية المتمثلة في الاقاليم المنتخبة من القاعدة والأطر الحركية والمرأة والشباب والعسكريين وغيره، بما أن شرعية المجلس الثوري واللجنة المركزية لا تأتي إلا من قاعدة الحركة، والأقاليم المنتخبة بجميع أعضائها نالت ثقة القاعدة، لذا فهم أعضاء أساسين في المؤتمر العام، وبالتالي لا يجوز أخذ جزء منها دون الآخر على اساس قاعدة المساواة وتكافؤ الفرص لجميع الاعضاء المنتخبين، وكما هو الحال بالنسبة لمن يمثل المكاتب الحركية المركزية، وإن كان المؤتمر لن يستطيع تمثيل كل الأعضاء رغم وجود آلاف الكوادر الحركية، إلا أن أساسيات المؤتمر وفقا للنظام الأساسي للحركة واضحة ولا يجوز بأي حال تجاوزها.
وبالرغم من وجود بعض التباينات الحركية وجدلية التمثيل حول عدد أعضاء المؤتمر على اعتبار انه عدد قليل مقارنه بالمؤتمر السادس، والتخوفات من تكرار تجربة السادس جعلت الكادر الفتحاوي في حيرة من أمرة حول مصداقية أن يكون المؤتمر سيد نفسه، ومع ذلك يرى الغالبية من الجيل الشاب أن انعقاده مطلب فتحاوي لاستنهاض الحركة وفرصة سانحة لأخذ دورهم والوصول الى عضوية الثوري، بينما يرى آخرون أن انعقاد المؤتمر حصانه للحركة من أصحاب المصالح الشخصية وسياسات الاحتواء، وأن حركة فتح أماها مشوار كبير نحو قيادة الشعب الفلسطيني وخاصة هناك معركة سياسية يجب خوضها مع المجتمع الدولي للضغط على الجانب الاسرائيلي من أجل وقف نشاطه الاستيطاني والالتزام بقرارات الشرعية الدولية.
ولا يخفى على أحد أنه مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر فتح تزايدت في الآونة الأخيرة الاشاعات والأقاويل حول خلافة الرئيس أبو مازن، وتصوير الأمر كأنه خلاف داخلي بين حركة فتح حول السباق على منصب نائب الرئيس وخاصة بعد تشكيل المحكمة الدستورية العليا والتناقض مع القانون الأساسي حول من يخلف الرئيس في حال الاستقالة أو غيابة عن المشهد الفلسطيني، في ظل الوضع الفلسطيني المنقسم على المنقسم، وغياب الأفق السياسي وزيادة التدخلات العربية في الشأن الفلسطيني والتقلبات الإقليمية والضغوطات الدولية ، وفرض اجندات وارادات في غير محلها، وسياسة خلط الأوراق، وتسارعت التكهنات حول خليفة أبو مازن خاصة بعد تصريحات الرئيس في أكثر من مناسبة بعدم ترشيح نفسه في أي انتخابات مقبله، وباتت هناك تخوفات من دول الطوق حول الوضع الفلسطيني وخاصة وضع اهتمامها بوضع حركة فتح بصفتها التيار الوطني الحامي للمشروع الوطني الفلسطيني، لذا فهناك من الدول العربية ترى أن نجاح حركة فتح في انعقاد مؤتمرها وتماسكها ووحدتها الداخلية يعكس أثارا ايجابية عليها، اما في حال كانت عكس ذلك فالتخوف من عودة الاسلام السياسي عبر بوابة فلسطين واستفادة التيار الاسلامي من خلافات حركة فتح، الذي بدوره يؤثر على تلك الدول التي تحاول منذ الربيع العربي الحفاظ على استقرارها بكل الطرق والوسائل دون عودة التيار الإسلامي على الساحة بعد محاصرته.
باعتقادي أن انشغال العالم بحركة فتح ومؤتمرها العام دليل واضح على وزن حركة فتح والإيمان المطلق بوجودها واستمرارها كرائده للمشروع الوطني، وهذا يتطلب من اللجنة التحضيرية للمؤتمر العمل على تمثيل الكل الفتحاوي وفق معايير تمثيلية واضحة باستيعاب كل الاطر الحركية المنتخبة باعتبارها رافعة للحركة نحو نجاح المؤتمر، وأن يكون الجميع بحجم التحديات وصياغة برنامج سياسي ومجتمعي يحقق طموحات شعبنا وحماية حقوقه المشروعة، وتفعيل الأطر الحركية القاعدية وتوفير الامكانيات اللازمة للقيام بدورها، والاهتمام بالعمل المؤسساتي التنموي والتنشئة السياسية، كما أن مؤسسات الحركة بحاجة ماسة إلى التكيف والاستقلال، والتماسك، والتشعب التنظيمي؛ ومراعاة المرونة، والحذر من المركزية الديمقراطية؛ ولعل الأنفع للحركة والأقرب إلى نجاحها وانفتاحها على أكبر قدر من التنوع البشري والقدرة على التأثير الإيجابي من خلال شخصيات فكرية أو علمية تستطيع التأثير في الحياة العامة، والسياسية منها لأنهم الأقدر على اكتساب الثقة والمقبولية.

د. رمزي النجار