ندوة "القدس الدولية": بداية "إسرائيل الكبرى"؟

عرض الباحث الفلسطيني هاني المصري معلومات صادمة عن أحوال القدس وأوضاع سكانها، وصحّح الأرقام المتداولة في شأن هذه المدينة، خلافاً لما هو متداول في الكتابات الفلسطينية، فقال إن عدد المستوطنين في القدس بلغ اليوم 350 ألفاً، وإنّ في الضفة الغربية قرابة 800 ألف مستوطن. وأضاف أنّ إسرائيل عَبَرت إلى مرحلة الجمهورية الثالثة (بعد مرحلة التأسيس من 1948 إلى 1967، وبعد مرحلة التعاظم والتوسع من 1967 إلى 2009)، حيث أصبحت إسرائيل الكبرى حقاً، ولكن من دون إعلان ذلك، والفلسطينيون باتوا في مرحلة البقاء، ولم ينته خطر التهجير بعد. وقال: "هناك تفسخ هائل في المجتمع الفلسطيني في القدس حيث تفتك المخدرات بما لا يقلّ عن خمسة آلاف مدمن من شبان المدينة، علاوة على ارتفاع معدلات الجريمة والدعارة، فيما راحت بعض المدارس العربية في القدس تعتمد المناهج التعليمية الإسرائيلية بدلاً من المناهج الفلسطينية لأن من شأن ذلك أن يتيح لها تلقي المساعدات، وإلا فالإقفال مصيرها". واستطرد بالقول إن رسوم رخصة البناء في القدس تصل إلى خمسين ألف دولار الأمر الذي يدفع كثيرين من السكان إلى مغادرة مدينتهم إلى الضواحي القريبة. وهنا تبدأ إسرائيل في تطبيق قانونها الذي يحرم مَن يقيم خارج المدينة حق الإقامة إذا تخطى غيابه الستة أشهر. ولاحظ ظاهرة إسرائيلية متنامية هي أن المستوطنين الذين كانوا يقومون بالاعتداء على مرتادي المسجد الأقصى كانوا يُعدّون بالعشرات واليوم صاروا بالآلاف.
جاء ذلك في ورشة العمل التي نظمتها مؤسسة القدس الدولية أمس في فندق كراون بلازا في الحمراء تحت عنوان "تهويد القدس وآليات المواجهة السياسية والإعلامية". وحضر الندوة مجموعة من الباحثين والكتّاب والعسكريين والناشطين من لبنان وفلسطين والأردن ومصر. وتداول الجميع في اقتراحات وخطط عملية ربما تسهم في تعزيز صمود أهالي القدس وتجعلهم أكثر تشبثاً بأرضهم ووطنهم.
وقد ألقى الوزير السابق بشارة مرهج نائب رئيس المؤسسة كلمة الافتتاح، ثم أعقبه ياسين حمود المدير العام للمؤسسة، وأجمعت الكلمتان على أهمية القدس كمدينة موحِّدة لسكانها، وهم من معتقدات شتى، وموحِّدة للفلسطينيين باعتبارها العاصمة التاريخية لفلسطين. وفي الجلسة الافتتاحية التي أدارها بشارة مرهج وشارك فيها ياسين حمود، استمع الجميع إلى كلمة للشيخ عكرمة صبري موجهة للمجتمعين في الورشة، ثم ألقى فتحي أبو العردات كلمة حركة فتح التي أكد فيها أن القدس ركن من أركان الهوية العربية لفلسطين، وهي عين الإعصار اليوم في الصراع مع إسرائيل، وعرض في سياق كلمته الخطط الإسرائيلية لتهويد المدينة وابتلاعها، واستعرض تاريخ المقاومة التي سطرها المقدسيون منذ احتلالها في سنة 1967. ثم تكلم أسامة حمدان باسم حركة حماس فلاحظ الصعود السياسي لأنصار هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل وتهويد المدينة، وحذّر من التلويح بمرحلة جديدة من المفاوضات المباشرة، ورأى أن قرار الأونيسكو الأخير في شأن القدس مؤشر مهم على قدرة العرب على انتزاع قرارات لمصلحتهم في المجال الدولي فيما لو اتحدوا أو توافقوا، ودعا إلى استراتيجية مشتركة لجميع الفصائل الفلسطينية للدفاع عن القدس على الرغم من التباينات السياسية.
أدار النائب السابق أسعد هرموش الجلسة الأولى التي شارك فيها كل من عباس إسماعيل وهشام يعقوب ورأفت مرة. وقدم عباس إسماعيل عرضاً للرؤى والتصورات الإسرائيلية التي تبنتها حكومة بنيامين نتنياهو، علاوة على الأحزاب المشاركة في تلك الحكومة، وكذلك الأحزاب "المعارضة". وعرض هشام يعقوب مراحل تهويد القدس وطرائق التهويد التي اتبعتها إسرائيل في سبيل الوصول إلى غلبة عددية لليهود في مدينة القدس مثل هدم المنازل وطرد السكان وتضييق الحياة اليومية لإرغام الفلسطينيين على الهجرة. وتحدث رأفت مرة عن كيفية تعامل وسائل الإعلام العربية والإسرائيلية مع قضية القدس. وشارك الحاضرون في مداخلات شتى كان من بينها مداخلة للدكتور مجدي حماد وللأخ رفعت شناعة وللعميد أمين حطيط وللمحامي خليل بركات.
في الجلسة الثانية قدم الوزير السابق طراد حمادة كلمة عاطفية، وقرأ نصاً شعرياً عن القدس كتبه قبل نحو ربع قرن، وهو ما زال صالحاً لأيامنا هذه. وفي هذه الجلسة الثانية التي أدارها طراد حمادة تحدث هاني المصري وزياد إبحيص الذي استهلّ كلامه بإثارة مسألة الاتفاق والاختلاف على جغرافية القدس. ثم تناول رياض الحاج ياسين الدور الأردني في القدس منذ 1950 فصاعداً، وتلاه ربيع الدنان الذي ركز في ورقته على تطور الموقف الدولي حيال قضية القدس. وفي الجلسة الختامية التي أدارها الدكتور أنور أبو طه جرى التركيز بحسب الأوراق والبرنامج على مستقبل القدس في ظل الواقع الراهن (أحمد سعيد نوفل)، وآفاق تطوير العمل الإعلامي (حسام شاكر) والخيارات السياسية والضرورة الاستراتيجية لخيارات تتمسك بالقدس (مروان عبد العال)، والقدس في الهبّات والانتفاضات الفلسطينية (عليان الهندي). ومع أن الورشة كانت سياسية وفكرية بالدرجة الأولى، اتسعت لكلام متقادم عن أن الصراع في فلسطين هو صراع ديني بين المسلمين واليهود. وهذا الطراز من الكلام يخالف كل ما ورد في الورشة، ويوافق بنيامين نتنياهو الذي ما برح يدعو إلى دولة يهودية في فلسطين، ويُخرج المسيحيين، وهم سكان فلسطين الأصليون، من نطاق الصراع من أجل الأرض. وهذا من مفارقات تاريخنا المعاصر حيث ذاكرة البعض ما زالت ذاكرة كُتبية مغمورة بالروايات العتيقة. عن صحيفة "السفير" اللبنانية

المصدر: صقر ابو فخر -