ثمة علاقة وثيقة بين الخطاب والواقع وما يتوي من مضامين ودلالات ومعالجات واثره على المجتمع وعوامل تطوره ومواجهته للازمات وتجاوزها ، لذلك لغة الخطاب هي الوسيلة لتواصل القائد او الزعيم او الرئيس مع شعبه لترتقي تلك الوسيلة الى الشراكة في التجاوب للغة الخطاب وما تحمل من مضامين وتوجهات وحلول .
اذا لغة الخطاب هو الخيط الحساس الذي تعتمد درجة قوته على مقدار ملامسة الهموم وما يواجه المجتمع والوطن من ازمات وبمصداقية الطرح ودرجتها " اي العلاقة بين المرسل والمتلقي """
يقول "توماس مك-كان" عالم النفس الأميركي الشهير. فلغة الخطاب التي تخاطب عقول الناس باستخفاف لا تقود إلى مكان إلا إذا كانت مدعومةً بضوابط أخرى تجعلها مقبولة (مثل الأحوال الإجتماعية والسياسية القاهرة والاقتصادية )
ديموسين الخطيب اليوناني المشهور وهو اشهر خطيب في تاريخ الاغريق استطاع قيادة شعبه في كثير من الحروب، واستطاع بواسطة خطابه المؤثر أن يغير العديد من القرارات داخل أثينا العاصمة العظيمة، وهذه الميزة هي نفسها التي أودت به إلى حتفه في النهاية.
إن لغة التواصل، التي كانت فيما مضى هي لغة الخطابة، تحولت اليوم كثيراً، فلم يعد هناك حاجة لأن تقف على منبر لتوصل فكرتك بهذا التأثير، فيكفي أن تجلس في تلك الغرفة الصغيرة، وتوجه إليك كاميرا صغيرة ترسلك كلامك إلى كل أنحاء العالم حولك، إذا أردت، إنه سحر العصر الحالي، إنه عصر التلفزيون، وعصر الكاميرا المباشرة.
يقول فرنسوا كيزون عالم اللغة الفرنسي. إن اللغة مرتبطة إلى حدٍ كبير، وخصوصاً اللغة الإعلامية بقدرة الخطاب على الإيحاء بالأمر، وقدرته على التعبير، ومدى نجاح أي برنامج أو فشله هو بمقدار ما يمتلك خطابه من الإيحاء.
إن مفردات الخطاب هي الوسيلة المثلى والأكثر تأثيراً، "و لمن ستوجه، وما هو مستوى حديثنا ونوعية المعلومات التي نريد إيصالها، نكون قد قطعنا الشوط الأكبر في تحقيق الهدف".
مقدمة لابد منها لكي ندرك اهمية الخطاب لدى محمد دحلان وظهوره عبر وسائل الاعلام الصوتية والمكتوبة والمصورة وما يحمل هذا الخطاب من مفردات وابجديات وجمل واشارات حركية لكل لها مدلولاتها من الحدة واللين والسياسة وعلم الاجتماع والنقد والنقد اللاذع والغوص في عمق الازمات التي يعاني منها الشعب الفلسيني بصفة خاصة وما يعانيه الوطن العربي من ازمات ناتجة عن الارهاب ومقدار تأثيره على القضية الفلسطينية .
لغة الخطاب لدى محمد دحلان والتي بدأت بشكل مباشر وقوي في الانتفاضة الثانية عندما حوصر ياسر عرفات واجتاحت قوات الاحتلال الضفة الغربية فكان رده عبر التلفزيون الاسرائيلي على تبجحات الاسرائليين عنيفا وموجها مخاطبا الاسرائيليين على ان ينسحبوا ويرفعوا الحصار عن المقاطعة لكي تقف العمليات الاستشهادية التي اتت كسلاح مهم للشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه وعن قيادته.
لم تكن عملية الفصل والتشهير الممنهجة ضد محمد دحلان تجعله يقف عاجزا مكتوف الايدي مستسلما لما ارادوا من تصفية سياسية ووطنية ونضالية ، وان خرج من مكون اللجنة المركزية الا ان خطابه قد زاد انتشارا وجمهورا وشعبية اعتقد هذا كان لا يمكن ان يتحقق في ظل وجوده في المركزية المكبلة بدكتاتورية تقود وفي ظل عجز ممنهج تعمل به المركزية تحت ارهاب حالة الدكتاتورية وارتباطها في مربع مغلق يفرض فيه الاحتلال ارادته.
لم يتوقف خطاب محمد دحلان على حالة التمرد على الواقع السياسي والامني والسلوكي بل غاص في عمق الازمات الناتجة عن الحصار لغزة وحالة عدم المسؤلية عن مخيمات الشتات وخاصة في لبنان ، بل احتوى خطاب دحلان على في الدفاع عن التجربة الحركية وعن تاريخه الذي ارادوا ان يعزلوه عنه .
ان لغة الانسان باحاسيسه الشعورية المرهفه هي من مكونات شخصية دحلان التي جعلته قريبا من الاوساط الاجتماعية المختلفة في غزة والضفة والشتات ، ولفت نظري رسالته ورده على الكاتب والقيادي الحمساوي مصطفى اللداوي وما حملت من شعور انساني وابجديات حزينة كونه ابن المخيم ويشعر بمعاناة من ظلموا ومن اضطهدوا وهو المظلوم اولا وثانيا ايضا ، ومن هنا كان خطاب دحلان ايضا بين الخطاب والارتباط بالواقع ووضع المعالجات في كثير من الحقول الاجتماعية والانسانية في غزة ولبنان وكل مكان تطال فيه يدي دحلان وعقله الانساني من تقديم مساعدات والوقوف المشارك في كل تلك الازمات ومحاولة فكفكتها بالتعاون مع الاخوة في مصر والامارات ودول اخرى .
اما خطاب دحلان السياسي فلقد وجه انتقادات لاذعة لمنهجية السلطة ورئيسها في معالجة الانقسام والتفاوض والتنسيق الامني فقد طرح مبادرته الشهيرة ومتجاوبا مع كل المساعي لتحقيق وحدة فتح والحركة الوطنية والاسلامية وهو ما دفعه لدعم مبادرة الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي الدكتور رمضان شلح، ومن اهم ما ورد في خطابه السياسي بان عصر القائد الاوحد للفلسطينيين قد ولى بل يجب بلورة قيادة جماعية ومؤسسة تقود الشعب وتضع برنامج سياسي واضح يتبع في مواجهة الاحتلال مؤمنا بدور المقاومة والمتفق عليه ان املته المرحلة والمقاومة بكافة اشكالها وتجديد الشرعيات واقامة الدولة ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية .
بقلم/ سميح خلف