رهانكم على موت كبارنا ونسيان صغارنا لن يتحقق،فنحن كطائر الفينيق نخرج لكم من تحت الرماد والركام،لن تتحقق احلامكم بأن يبتلعنا البحر،وسنبقى مصدراً لكوابيسكم وخوفكم وهلعكم فنحن ندرك بأنه مع ولادة كل طفل فلسطيني جديد تشعرون بالقلق والخوف،وتقولون بأن هذا يقصر في عمر دولتكم،دولة قامت على أساس عقلية "الغيتو" وإنكار حق الاخر في الوجود،تعاندون التاريخ والحقائق،تمارسون كل أنواع الكذب والخداع والتزوير والتضليل،وتمارسون كذلك كل أشكال الضغوطات على دول العالم ومؤسسات المجتمع الدولي،وتوظفون " الهولوكست" وما حل بكم علي يد النازية،من أجل التأثير على الرأي العام العالمي،وتخويفهم بأن تصويتهم لجانب الحق الفلسطيني وقرارات منظمة " اليونسكو" و"لجنة التراث العالمي" المنبثقة عن تلك المنظمة بنفي العلاقة الدينية والتوراتية والتاريخية ما بين اليهودية وما يسمى "جبل الهيكل" المسجد الأقصى،هي دعوة لتحويل الصراع الى صراع ديني،ولكن الرأي العام العالمي بدا يستفيق من حالة غيبوبته ورؤيته للأمور بعيون اسرائيلية،فالمنظمة الدولية "اليونسكو " ولجنة التراث العالمي قالتا بشكل واضح لا يقبل اللبس والتأويل،رغم كل ضغوطكم وسخطكم وتحريضكم وإتهاماتكم،بأن المسجد الأقصى معلم تاريخي وتراثي وثقافي إسلامي خالص،وبأن كل ما تقومون به من اجراءات وممارسات وأعمال في البلدة القديمة وحولها،هي أعمال غير شرعية وباطلة وفق المواثيق الدولية " جنيف ولاهاي واليونسكو والأمم المتحدة" وكذلك فهذا القرار أيضاً،أي قرار "لجنة التراث العالمي" يقول بأن ذلك لا يغيير من الوضع القانوني لمدينة القدس كمدينة محتلة وفق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
الأرض كانت وما زالت محور الصراع مع المحتل،وغزوتهم الأولى لفلسطين جاءت تحت شعار زائف ومضلل "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" بهدف السيطرة على أرضنا وطرد شعبنا وإحلال المستوطنين الغرباء مكانهم،ولذلك كانت المجازر ضمن مخطط بث الرعب والخوف بين أبناء شعبنا، فإرتكاب الجرائم والمجازر في قرية أو بلدة فلسطينية، من شأنه أن يعجل في طرد وتهجير أبناء القرى الأخرى بالقوة فكانت مجزرة دير ياسين،ومن ثم العديد من المجازر الأخرى،ومن ضمنها مجزرة كفر قاسم في التاسع والعشرين من تشرين أول /1956،لنفس الهدف والغاية،فبن غورين رئيس وزراء دولة الإحتلال بعد النكبة والسيطرة على ما مساحته (78)% من مساحة فلسطين التاريخية،كان يطمح بأن لا يبقى عربي واحد في الداخل او الجذر الفلسطيني- 48 -،بل يريدونها دولة يهودية خالصة،ونظروا لشعبنا بمثابة القنبلة الموقوتة او السرطان الذي يجب إجتثاثه وإقتلاعه.
ولم يدر بخلد المواطنين العزل العائدين متعبين من حقولهم،بأن رصاص الحقد والموت والإجرام ينتظرهم على بوابات بلدتهم،حيث أفرغ احد عشر جندياً من حرس الحدود الإسرائيلي نيران حقدهم في صدور الأطفال والنساء والشيوخ والرجال العزل،ليسقط منهم في عدة موجات (49) شهيداً وعشرات الجرحى،والجريمة التي إرتكبها جنود حرس الحدود،لم تكن في إطار فردي او حقد شخصي لمجموعة من القتلة والمجرمين،بل المستويين العسكري والسياسي،لم يكونان بعيدين عن تلك المجزرة،فالهدف واضح طرد العرب وترحيلهم للحفاظ على نقاء الدولة اليهودية،وخصوصاً بأن تلك المجرزة تزامنت مع العدوان الثلاثي (البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي) على مصر،من أجل إعادة السيطرة على قناة السويس التي أممها عبد الناصر،وكذلك إعادة السيطرة على مصر وإسقاط نظام عبد الناصر الوطني،والذي اخرج مصر من تحت عباءة الإستعمار البريطاني،وأراد ان يشكل مركزاً ومحوراً لحالة من النهوض القومي العربي،بما يعيد للأمة العربية عزتها وكرامتها وإستقلالها والسيطرة على ثرواتها ومواردها،وإسرائيل رأت في نظام عبد الناصر خطراً على وجودها،ومشاركتها في العدوان ليس بغرض ضرب وإسقاط نظام عبد الناصر،والحصول على الدعم البريطاني والفرنسي لتطوير قدراتها النووية والعسكرية،بل رات ان تلك الحرب قد تهيىء لها الظروف،من اجل طرد وترحيل المواطنين الفلسطينيين على حدودها الشرقية،والتخلص من المناطق العربية ذات الأغلبية،منطقة المثلث،حيث تكون انظار العالم متجهة على ما يحدث في سيناء،وبما يوفر لها الغطاء لتنفيذ مخططها في الطرد والتهجير،ولذلك كما يتضح من محاكمات قائد وحدة حرس الحدود المرتكبة للمجرزة "مالينكي" ومحكمة العقيد "يسخار شدمي "والذي كان قائد احد الألوية المسؤولة عن الحدود مع الأردن ، أن ( مخطط خُلد) لم يكن مجرد مخطط أو فكرة،بل أعدت العدّة لتنفيذه في إطار الخطط الكلية، استعدادا للحرب .لقد كانت إسرائيل معنية، بدفع الأردن إلى شن الحرب ضدها،حتى تستطيع تنفيذ مخططها للتهجير كجزء من العمليات العسكرية،إلا أن هذه الرغبة اصطدمت بإرادة بريطانيا التي كانت وصية على الأردن،كما كانت ملتزمة باتفاقية دفاع معها يلزمها بتقديم الحماية لها في حالة تعرضها إلى اعتداء،لم تنجر حكومة سليمان النابلسي الوطنية في الاردن وراء استفزازات اسرائيل ،ويبدو أن القيادة الإسرائيلية وبعدما فشلت في خلق مناخ مناسب يساعدها على تحقيق أهدافها في طرد العرب، رأت أن يكون الدم هو السبيل لتحقق إسرائيل حلمها الإجرامي.. فكانت مجزرة كفر قاسم.
اليوم وفي الذكرى الستون لمجزرة كفر قاسم، المحتل لا يعترف بالمسؤولية السياسية والأخلاقية عن تلك الجرائم،ولم يقدم أياً ممن إرتكبوها لمحاكمات،ولم تقدم حكومات الإحتلال المتعاقبة أي اعتذار عنها،بل تمعن في جرائمها و"تغولها" و"توحشها" على شعبنا الفلسطيني،حيث مخططات التهويد والأسرلة تطال كل مساحة فلسطين التاريخية في الجليل والنقب والقدس والضفة الغربية،والسياسة الإسرائيلية في ظل حكومة يمينية مغرقة في الطرف والعنصرية،تكشف عن أنيابها بشكل وقح وعنصري،حث الهجوم على القيادات والأحزاب والمركبات السياسية العربية في الداخل الفلسطيني- 48 – فالحركة الإسلامية – الشق الشمالي - جرى إخراجها عن القانون ، لأسباب سياسية غلفت بالقانون والقضاء،وكذلك كانت هناك هجمة أخرى على التجمع الديمقراطي،وحركة أبناء البلد تعرضت لهجمة شرسة،والقصد هنا كسر إرادة شعبنا وتطويع حركته الوطنية،وعزلها عن جمهورها العربي،لمنع تبلور أي وجود قومي ووطني عربي،يعبر عن نفسه كأقلية عربية لها حقوقها،تدافع عن وجودها وبقائها وأرضها،ودولة الاحتلال ما زالت ترى في شعبنا الفلسطيني في الثمانية وأربعين، خطرا امنيا وديمغرافيا وتهديدا استراتيجيا،وما زالت الدولة تربي أجهزتها على كراهية العرب، والتنكيل بهم مع أول فرصة تسنح لهم .. ما زالت الدولة تعتمد سياسة تزييف الحقائق ومسخ الوقائع في كل ما له صلة بالجماهير العربية .
ما زالت إسرائيل مصرة على أن تبقى دولة فوق القانون وتتنكر لكل حقوق شعبنا الفلسطيني وحقه في الوجود والعيش في دولة مستقلة،وترفض تحمل مسؤولياتها السياسية والأخلاقية عن نكبة شعبنا وعن تلك الجرائم،بل وتمعن في إرتكاب المزيد منها،والمجتمع الإسرائيلي الممعن في التطرف والعنصرية،يزداد صلفاً وعنجهية وتنكراً لحقوق شعبنا، وبالمقابل شعبنا لن يستسلم ويرفع الراية البيضاء،بل سيستمر في النضال والمقاومة، وهو لن ينسى،ولن يغفر، ولن يهجر وطنه،بل سيبقى شوكة في حلق الإحتلال، وصخرة جاثمة على صدوره حتى يتحقق الوعد بالنصر والحرية والإستقلال.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
28/10/2016
0524533879
[email protected]