هذه الأمة لا بد لها أن تأخذ درسا في التخريب"

بقلم: علي الصالح

سأجلد ذاتي نعم سأجلد ذاتي بذاتي كفلسطيني أولا وعربي ثانيا لأنني حقا استحق هذا الجلد.
نعم سأجلد ذاتي لأن الغلط فِيّ أنا وليس في غيري، وأعرف في قرارة نفسي أن الغلط "راكبني من ساسي وحتى راسي" كما يقول المثل ولا أبالي.
نعم سأجلد ذاتي لأني أنتمي إلى أمة تتآمر على نفسها وتتعاون مع أعدائها لضرب ذاتها.
سأجلد ذاتي لأنني انتمي إلى أمة لم تقف ولو للحظة لتراجع نفسها وتسبر أغوارها بحثا عن أسباب تخلفها، رغم وجود كل مكونات ومقومات التقدم لديها، على صعيد الطاقات البشرية والاقتصادية والمالية والموقع الجغرافي، التي تجعل منا أمة تحترمها الأمم قبل أن تهابها.
سأجلد ذاتي لأنني انتمي لأمة تختار دوما أسهل الطرق وأقصرها لتبرير عجزها، بإلقاء اللوم على الاخرين. سأجلد ذاتي لأنني أرى العديد ممن يفترض أن يكونوا مثقفين وصانعي رأي وهم ينزلقون في منزلق الطائفية. نعم سأجلد ذاتي لأننا أصبحنا أمة تقتلها الردة لأن الواحد منها يحمل في الداخل ضده، كما قال الشاعر العراقي مظفر النواب، أطال الله في عمره، في وترياته، في سبعينيات القرن الماضي ولا تزال قائمة رغم مرور نحو40 سنة. سأجلد ذاتي لأنني أرى العالم يتقدم إلى الأمام ونحن نَحِنُ إلى ماضينا الأسود، إلى عصر الجهل والجاهلية قبائل متناحرة نقتل رجال بعضنا بعضا ونسبي نساء بعضنا بعضا ونسرق مواشي وندمر بيوت بعضنا بعضا ونتآمر مع الغريب الطامع المتربص على بعضنا.
سأتحدث بصراحة مطلقة وإن كانت مؤلمة، وسألقي في سلة المهملات، أسلوب المجاملات والدبلوماسية الذي بات لا يسمن ولا يغني من جوع، وسأتوقف عن إلقاء اللوم على الآخرين، فهو ما أوصلنا إلى القاع الذي نحن فيه ولا أمل في الخروج منه مع التدهور المتواصل في المنطقة.. يُذبح اطفالنا وتُقتل نساؤنا وتدمر مدارسنا ومستشفياتنا فوق رؤوس أولادنا ومرضانا وهذا حصل ويحصل في قطاع غزة، ونشهده يتكرر يوميا في سوريا والعراق واليمن وليبيا بدون أن نحرك ساكنا وبدون أن نذرف حتى دموع التماسيح.
نعم نحن وليس غيرنا المسؤول الأول والأخير عما آلت إليه الأوضاع في العالم العربي هزائم مجازر دمار مصائب. نعرف الطامعين بنا والمتربصين لنا، ونقف مكتوفي الأيدي عاجزين أمامهم، مكتفين بالأقوال فقط فنسهب في الحديث عن مؤامراتهم واطماعهم وإن حاولنا أو فكرنا بفعل شيء فلن يخرج عن إطار الاستغاثة بأحد منهم ليقينا ويحيمنا من شر الطامع الاخر. لم نتوقف يوما لنسأل، لماذا الايرانيون والاتراك والاسرائيليون وبقية الامم يتفوقون علينا في كل شيء ويحسب العالم لهم ألف حساب، عسكريا وسياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا وصناعيا رغم اننا نتفوق عليهم بشريا واقتصاديا وماليا بفعل النفط (النقمة التي حلت بنا)؟
إذن الغلط فينا وليس في "الأغيار" الطامعين المتربصين فلهؤلاء مصالحهم واطماعهم يعرفون ما يريدون ويسعون لتحقيقه، أما نحن فلا نعرف بل لا نريد أن نعرف وبدلا من البحث عن نقاط قوتنا وقدراتنا وسبل مواجهة أطماع هؤلاء "الأغيار" نتصارع في ما بيننا حول من هو الطامع الأكبر فننقسم إلى تكتلات وتحزبات، منها من يحمل ايران "الفارسية المجوسية" كامل المسؤولية، وهناك من يقول انها تركيا واطماعها العثمانية، وطرف ثالث يتهم اسرائيل وامريكا وروسيا، وبدلا من أن نبحث عن سبل مواجهة الطامعين، نتوجه اليهم متسولين طلبا للمساعدة ضد ابناء جلدتنا، ونخوض بالوكالة حروبهم ضد بعضنا بعضا.
هذه فلسطين قضيتها نسيت عربيا واحتلالها اصبح امرا واقعا ومقبولا لدى البعض الذين تتعالى اصواتهم بقبول دولة اسرائيل واحتلالها وتدعو إلى توحيد الصفوف معها نحن بالمال وهي بالعقول أو العكس لا يهم. وهناك من ينادي علنا بالتحالف معها لردع "العدو الفارسي المجوسي المتربص بنا والطامع بثرواتنا". وحوّل بعض العرب بمشاركة فلسطينية، مشكلة فلسطين من احتلال إلى صراع بين شخصين على سلطة غير مكتملة الاركان، بفعل الاحتلال ويستخدم البعض ورقة المساعدات المالية وسيلة للضغط.
وتقترب الحرب في سوريا من نهاية عامها السادس، حرب بالوكالة وقودها الشعب السوري بجميع مكوناته، أزمة لو تركت لاصحابها يتعاملون معها لانتهت بازالة النظام الطاغية ونجحت ثورة الشعب وبأقل الخسائر، لكن الأصابع الخفية وغير الخفية أرادت لها أن تكون حربا طائفية تدميرية لا تنتهي الا بانتهاء الوطن السوري، حرب مصالح وطوائف. فمن جهة هناك ايران حليف نظام الاسد، التي رفعت راية الدفاع عن الشيعة. وهناك تركيا التي دخلت الحرب بتذكرة الدفاع عن اهل السنة في محاولة لاحياء الخلافة العثمانية. وهناك اسرائيل التي لا تريد نهاية لهذه الحرب الا بنهاية سوريا، الدولة والشعب. ولا ننسى دولا عربية تخوض الحرب عبر ما يسمى "قوى معارضة" لتحقيق اجنداتها الخاصة، المتماهية مع أجندة عرّاب هذه الحرب وكل الحروب في منطقتنا، امريكا. ولا ننسى بالطبع الدب الروسي الذي ادخل بقوة على الخط لحماية حليفه الوحيد في المنطقة وإطالة أمد الحرب.
يقول البعض إن ايران هي أساس البلاء في المنطقة ولولاها لكنا بألف خير، ولا نختلف معهم بأن إيران دولة لها أطماعها وأحلامها وتريد حصة لها في كعكة التقسيم الجديد للمنطقة، كما لتركيا واسرائيل وغيرهما، وتعمل على تعزيز مكانتها من خلال إقامة محور طائفي يمتد من مشهد على حدود تركمنستان شرقا وحتى بيروت غربا مرورا بالعراق وسوريا، لكن ما يتناسى هؤلاء قوله إن "الحليف الامريكي" الذي نتغنى بصداقته هو سبب البلاء فهو من أشعل نيران الطائفية وهو من سلم العراق لايران. وللتذكير فقط أن العراق الذي احتلته امريكا 2003 بتأييد اغلب المعارضة العراقية ودول عربية، في حرب دمرت بناه التحتية وجيشه ونسيجه الوطني، سلم لقمة سائغة لايران. وأمريكا هي التي دعمت النظام الطائفي في بغداد وسلحته، وامريكا وعلى حساب حلفائها في المنطقة هي التي توصلت إلى اتفاق نووي مع ايران ليس حبا فيها طبعا بل لإبقاء المنطقة بأسرها على كف عفريت. ولتظل كما اسرائيل، العصى الغليظة التي تهددنا بها.
ويدفع شعب اليمن بدم الآلاف من اطفاله وشيبه وشبابه ثمن حرب تقودها السعودية لم تحسب عواقبها، ضد جيش الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي أسقطته الثورة اليمنية، فتلقفته السعودية وعالجته واعادته معززا مكرما إلى اليمن ليكون حجر العثرة في طريق استقرار هذا البلد، مستغلا الحوثيين كما تستغلهم ايران، في محاربة نظام عبدربه هادي منصور الذي ترك البلد في حرب وهرب ليعود اليها وفريقه على متن طائرات عسكرية سعودية واماراتية.
ولعب العرب ويلعبون دورا تخريبيا في ليبيا بدعم الاطراف المتحاربة كل لأغراضه ولن تنتهي هذه.
واختم بوترية اخرى من وتريات مظفر النواب "لن يبقى عربي واحد ما دامت حالتنا هذه الحالة بين حكومات الكتبة" و"هذي الأمة لا بد لها أن تأخذ درساً في التخريب".

علي الصالح