لو قدر لحركة حماس أن تفاضل في التحالف بين محمود عباس ومحمد دحلان، فإنها ستختار محمود عباس، وذلك لعدة اعتبارات.
أولاً: تدرك حركة حماس أن طموح عباس في المرحلة القادمة لا يتعدى حياة آمنة له ولأولاده، بينما طموح محمد دحلان يتعدى أمنه الشخصي، ويرقى إلى مستوى السيطرة على القرار الفلسطيني بشكل عام، وعلى غزة بشكل خاص.
ثانياً: لقد ولت أيام محمود عباس السياسية، فالرجل يقف في آخر المشوار، لا يقوى على الحركة، وسراجه السياسي ينطفئ رويداً رويداً، بينما أيام محمد دحلان السياسية مفتوحة على أكثر من احتمال، ويتوقد حركة ورغبة في احتواء كل شيء تحت إبطه.
ثالثاً: يفقد محمود عباس نفوذه، وتتقلص مساحة حضوره، ويتخلى عنه أقرب حلفائه، في الوقت الذي يتلقى دحلان الدعم من الرباعية العربية، ولا تغضب منه إسرائيل، ويتوسع في المساحات الشبابية التي يفقدها عباس بشكل يومي.
رابعاً، يمارس محمود عباس سلطته في مدن الضفة الغربية فقط، ولا سلطة له على غزة، وتضيق عليه مساحة التأثير حتى في داخل المقاطعة، بينما يحرص دحلان على الحضور في الضفة الغربية ومخيماتها، ومن ثم الحضور الفاعل في قطاع غزة.
خامساً: قبضة عباس متراخية على الأجهزة الأمنية، بينما قبضة دحلان على أنصاره قوية.
سادساً: محمود عباس بعيد، ولا قوة دفع مصرية من خلفه تؤثر على حركة حماس في غزة، بينما محمد دحلان قريب، ومن خلفه مصر التي لا تبتعد عن قطاع غزة مقرط العصا.
ولم يكن بمقدور حركة حماس أن ترفض الدعوة التي وجهتها دولة قطر، فالتقت مع محمود عباس في الدوحة ثلاث ساعات، حلمت خلالها أن ترى بصيص نور يفك طلاسم الانقسام، ولكن دون جدوى، فقط ظل عباس وفياً لطبعه، ورفض أن يعطي لحركة حماس أي أمل في المشاركة في القرار السياسي، أو دعوة المجلس التشريعي للانعقاد، أو دعوة الإطار القيادي، أو التوافق على برنامج سياسي لا يعتمد الاعتراف بإسرائيل، ولا يلتزم بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وانتهى اللقاء بين الطرفين دون فائدة ترجى، فما هي الأسباب؟
أولاً: عدم استعداد عباس لتحمل مسئولية الفشل السياسي كل السنوات السابقة، فهو حريص على ألا يدير الظهر لسياسته التاريخية، وألا يتنكر لبرنامجه، وألا يدين حلفائه، وألا يفضح مناهجه السياسي الذي أوصله للرئاسة السلطة والمنظمة.
ثانياً: عدم استعداد عباس للتضحية بنفسه وبمستقبل أولاده، ومواجهة المجهول، ولديه فرصة تأمين نفسه وولديه من خلال شركائه الطبيعيين في الخط السياسي نفسه.
ثالثاً: اطمئنان عباس لحركة حماس التي أظهرت حذرها من التحالف مع محمد دحلان.
لما سبق ناور محمود عباس في لقائه الأخير مع حماس، بهدف مواجهة التسلل المفاجئ الذي أحرزه دحلان خلف خطوطه، وناور إقليمياً من خلال زيارته لتركيا، بهدف تحذير مصر من مواصلة الضغط عليه في المصالحة مع محمد دحلان.
لقد أرسل عباس رسائله التحذيرية لكل من مصر والأردن وإسرائيل ولكل من يهمه القرار الفلسطيني في المرحلة القادمة، بما في ذلك روسيا، التي أكد نائب وزير خارجيتها على عقد قمة ذات مضمون هام بين عباس ونتانياهو، ولكن هذا التصريح، وكل الرسائل لا تهدئ من روع محمود عباس الذي يوقن بأن مصر تعرف التكوين النفسي لشخصيته، وتعرف كيف يكفر، وتعرف في الوقت نفسه أن المسافة الفاصلة بين برنامجه السياسي وبرنامج حركة حماس السياسي أبعد من أن يقطعها الفريقين في لقاء سريع في الدوحة.
د. فايز أبو شمالة