التجربة الفلسطينية .. التنازلات والطريق المسدود

بقلم: سميح خلف

الثورة الفلسطينية ومنذ ولادتها لم تلبث ان خطت خطوات معدودة وبغرور وفرضيات النصر الذي حققته في معركة الكرامة في 21/3/1968 نصر تحقق بالمواقف الرائعة للجيش الاردني والمدفعية الاردنية مساندا ً مجموعات قتالية فلسطينية من فصائل متعددة قواها الرئيسية جناح العاصفة وقوات التحرير الشعبية

جميع الثورات في العالم أحدثت متغيرات اقليمية ودولية فرضتها باراداتها وبمقاتليها وبمبادئها وباصرارها على تحقيق الهدف ، ولا توجد ثورة في العالم يمكن ان تنتصر بدون أن تحقق أهدافها بوسيلة الكفاح المسلح والمقاومة ، ولا يوجد احتلال له أخلاق وقيم انسانية يمكن ان يخلي الأرض ويفرغ برنامجه الاحتلالي وإلا لما حدث الاحتلال ولما حدث الاستعمار

دخلت الثورة الفلسطينية في مرحلة فهم اللغة الاقليمية وقبول الدول العربية لمبادرة روجرز وفرضت فرضيات على الثورة الفلسطينية ووقائع على الأرض إلى أن ذهبت الثورة الفلسطينية تاركة الساحة الاردنية إلى الساحة اللبنانية والجنوب اللبناني

منذ منتصف السبعينات بدأ حراكا ً سياسيا يبعد قيادة منظمة التحرير عن فكرة تحقيق الهدف والاستراتيجية من بناء القوة المقاومة وعمودها الفقري حركة فتح ، فكانت النقاط العشر وكان التفسير الخاطئ في لغة السياسة الفلسطينية لتلك النقاط ، وبالتالي دخلت الثورة الفلسطينية وهي في سن مبكر في مراحل تلقي الموقف وتلقي السلوك وليس ممارسة السلوك والمبادرة ، و من هنا كانت بوابة التهتك لفكرة المقاومة الفلسطينية التي يمكن ان تحرر أرض أو تبني موقفا ً سياسيا ً متوازنا ً مع موقف العدو يفرض رؤيا سياسية قابلة للتطبيق ، وتحت هذه العبارة أتت أوسلو وذهبت منظمة التحرير وحركة فتح بكل قواها المؤيدة لسلوكها إلى الأرض المحتلة لكي تكبل في سجن كبير يسمى سجن السلطة والمقاطعة في الضفة الغربية واخر في وغزة وأصبح الممول لهذا السجن ما يسمى بالرباعية الدولية وشكلت حكومة الوهم وموازنتها أيضا ً وفكرة بلير بالحل الاقتصادي كبديل للمقاومة والحقوق

لا أريد هنا أن أفصل ما حدث في تلك الفترة والفترات السابقة ولكن ما يعنيني هنا هو الموقف الأخير والنتيجة الأخيرة التي وصل إليها مهندس أوسلو محمود عباس من فشل ذريع في تحقيق رؤيته للسلام ، تلك الرؤية المتواضعة التي تصل إلى حد الخيانة في اقامة دولة على أراضي 67

فشل عباس في تحقيق خياره الوحيد وهي المفاوضات ولمدة ما يقارب العقدين ولم يكن لسياسة محمود عباس رديف أخر لخياره الوحيد وهو نبذ المقاومة ونعتها بأنها الحقيرة في بعض المواقف

وصلت فكرة تيار أوسلو لتحقيق السلام إلى طريق مسدود وهو ليس قادرا ً على اخراج برنامج بديل وهذا ما أصر عليه محمود عباس في لقائه الأخير مع قناة العربية والبي بي سي

لنرجع للخلف ولأكثر من عقدين وفي القاهرة وأعتقد في عام 1986 وقف أبو عمار وبجانبه أبو اياد في مؤتمر صحفي ينبذ فيه العنف مقدمة للقبول الدولي لبرنامج منظمة التحرير الفسطينية ، تململت قواعد حركة فتح والجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش من قرار وتصريحات أبو عمار في ذاك الوقت إلى أن وصلنا إلى أوسلو ودروب أوسلو وخارطة الطريق التي مازال متمسكا ً بها محمود عباس الذي أعلن عدم نيته في الترشح لفترة رئاسة قادمة إلا إذا اوقفت إسرائيل الاستيطان ، هذا الشرط الذي لم يجد تجاوبا ً من الولايات المتحدة الأمريكية وأوباما

اعتقد محمود عباس ان عدم ترشحه ممكن أن يهدد حياة الطفل الرضيع التي اخرجته أمريكا ودول اقليمية بما يسمى السلطة الفلسطينية من خلال أوسلو لكي يفرض شروطه في اقامة الدولة على 18 % من أراضي فلسطين ، في حين أن حملة واسعة من الاستيطان وخاصة في القدس تقوم بها اسرائيل منذ بدء المفاوضات بين تيار أوسلو بقيادةصائب عريقات وان اسرائيل لديها بدائل محلية لتلك القيادة المستهلكة والقادرة على التجهيز عليها في غطون ساعة او اقل مع فكرة الانسحاب من جانب واحد وضم ما يعادل 40% من اراضي الضفة

لمحت بعض الأوساط الصهيونية بأن محمود عباس ليس هو الخيار الوحيد في المعادلة وأبدوا استعدادهم بالتعاون مع حماس من أجل دولة مؤقتة على 60% من اراضي الضفة ( مشروع باراك موفاز وبيريز ) في حين أن حماس تطرح أيضا ً ان يبقى الوضع كما هو عليه من خلال هدنة طويلة الأمد ، ومن هنا يأتي التساؤل : اذا كانت الهدنة قد تحقق استقراراً لغزة واستقرارا ً فيما بعد للضفة الغربية فماذا عن الاستيطان ونية اسرائيل في الاستيلاء على نصف المسجد الاقصى وحائط البراق ؟

من خلال عدة تصريحات قام بها مسؤولين من حماس تؤكد ان حماس قد تخلت ولو بشكل مرحلي تحت فكرة الهدنة المستمرة عن الكفاح المسلح وعن المقاومة ، وهنا نضع السؤال الأتي

ما هو هدف المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة ؟ ، هل هو صد أي هجوم على غزة ؟ اهذا هو واجب المقاومة ؟!! أ م واجب المقاومة هو احداث اخلال أمني ليفرض وقائع سياسية لصالح المقاومة تحافظ على الحقوق وتوقف الاستيطان وعلى منهجية تحرير فلسطين وماذا بعد حكومة التوافق وةالمصالحة، فهل يمكن الهدنة وحكومة التوافق المزمع اتنتاجها بين الفصيلين ان تحقق اهدافها خارج الالتزامات لمنظمة التحرير ام كما صرح محمود عباس بانها ملتزمة بما تم التوقيع علية وبجميع التفاهمات، ولذلك ما اعلنت عنه حماس بملاحقة من يتمرد على هذا القرار من مطلقي الصواريخ هل يمكن لحماس أو هل لحماس من قوة دبلوماسية وسياسية توقف الاستيطان وتهويد القدس مثلا ؟

هل حماس قادرة على بلورة برنامج سياسي يحمي حقوق اللاجئين؟ وهل هناك برنامج لحماس مع وقف المقاومة يمكن أن يحقق الذات الفلسطينية؟

يبدو ان التاريخ يعيد نفسه ، فإذا ما أخذنا بالتصريحات التي وردت على لسان الاخوة في حماس ونسترجع ذاكرتنا لتصريحات الاخوة في حماس أثناء قيادة حركة فتح للسلطة في التسعينات وبداية 2000 نجد ان تلك التصريحات هي في نفس السياق من رد السلطة على منفذي العمليات العسكرية من حماس ضد العدو الصهيوني

وقال فتحي حماد، وزير الداخلية في حكومة غزة أن حكومته تسعى لمنع أي أنشطة مسلحة ضد إسرائيل بما فيها إطلاق الصواريخ المحلية، وذلك منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع قبل عشرة اشهر، مضيفا أن ذلك يتم بـ "توافق وطني وللمصلحة الفلسطينية العليا .". أي توافق ومع من من وقعوا اوسلوا ام من ساروا في ركبها

نحن مع التوافق الوطني ولكن موضوع المقاومة يخص الشعب الفلسطيني بكامله فهل قامت حماس باستفتاء الشعب الفلسطيني حول موضوع المقاومة وتجميدها أو الاستمرار فيها ؟

نفس الخطأ الذي وقع فيه تيار أوسلو ونفس الممارسات التي مارسها تيار أوسلو ضد فصائل المقاومة سابقا

وقال حماد "لا نقوم بأي خطوة إلا وفق توافق وطني ، وقد جرى تقييم الموقف في قطاع غزة عقب الحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع وتم التوافق على وقف إطلاق الصواريخ لاعطاء فرصة للناس في القطاع من أجل التقاط الأنفاس وإتاحة المجال أمام إعادة الاعمار".وأضاف حماد أن المجال مفتوح أمام رد الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة على أي تصعيد أو توغل إسرائيلي

اعتقد انه من المصلحة العامة ان نحدد ماذا نريد في هذه المرحلة ومن المهم أن نشخص ونقيم جميع أدوات الصمود ولكن هل اختزلت المقاومة فقط بأهدافها بالرد على اي عدوان صهيوني ؟ وماذا عن قضية الحقوق واستلاب الأرض التي انطلقت من اجلها كل فصائل العمل الوطني ؟

وكان اسماعيل هنية رئيس حكومة غزة أعلن في 12 تشرين الثاني- نوفمبر الجاري "ان حركة حماس لا ترغب بالعنف في الصراع مع إسرائيل"، وذلك في أول إشارة من نوعها تخلي الحركة عن أعمال المقاومة المسلحة.وقال هنية، خلال لقائه في غزة وفداً من الصليب الأحمر الدولي، "لا نرغب ولا نتطلع لجولات جديدة من العنف مثل الاحتلال ولكن هناك تصعيد ورغبة من قبل الاحتلال لاستهداف قطاع غزة مجددا

يذكرنا تصريح الأخ اسماعيل هنية بتصريح الأخ أبو عمار في بداية انهيار فكرة الكفاح المسلح الذي صرح به في القاهرة بنبذ العنف

وقال متحدث باسم حماس" إن هناك "حراكا أوروبيا واضحا" للتعاطي مع الحركة "سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة". وذلك فيما يبدو وكأنه مكافأة دولية لحماس على تخليها عن العنف

وقال فوزي برهوم الناطق باسم حماس ، في تصريح صحفي مكتوب ،"إن هذا الحراك وان كان في مراحله الأولى إلا انه يحتاج إلي احتضان من الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي".واعتبر برهوم أن موقف الدول الأوروبية تجاه حماس "يجب أن تستثمر بشكل يدعم هذا الطرح ويشجع الدول الأوروبية على اتخاذ خطوات عملية للتعاطي مع حماس ذات الأغلبية الديمقراطية للشعب الفلسطيني".وكان برهوم يعقب على تقرير أعده فيليب ماريني عضو مجلس الشيوخ الفرنسي انتقد فيه سياسة العزلة التي تفرضها دول الاتحاد الأوروبي على حماس في قطاع غزة

وكان التقرير الذي أعده ماريني قال "بأن فرنسا يمكن أن تضطلع بدور مهم في المصالحة الفلسطينية وحدها أو إلى جانب مصر نظرا للثقة التي تحظى بها لدى قادة حماسوعقب برهوم بأن المصالحة غير منوط بالوساطات بل بسلوك حركة فتح وضغط مصر على فتح للقبول بالمصالحة إضافة لقبول الجانب المصري لملاحظات حركة "حماس" على الورقة المصريةومن هنا هل يمكن ان نقول أن البرنامج البديل عن برنامج اوسلو التي تقوده حماس هو نفس برنامج خيار السلام الخالي من المقاومة ؟ وهل تقع حماس تحت وطأة مسؤولياتها في السلطة للوقوع في نفس الخندق الذي وقع فيه تيار أوسلو ؟ ام هناك خيار أخر وهو الهدنة الطويلة التي تكفل لإسرائيل من الوقت تهويد القدس ومناطق متعددة في الضفة الغربية

يستحضرني الآن تصريح لكوندا ليزا رايس التي تبنت فكرة تغيير الأنظمة كأنظمة اسلامية معتدلة كوسيلة للقضاء على التطرف الاسلامي وكوسيلة للقضاء على الفساد التي تقوم به بعض الانظمة فهناك حراك أوروبي نحو حماس ولكن اين يتجه هذا الحراك ؟ هل من اجل اعادة الحقوق للفلسطينيين ؟ أم لجر حماس إلى نفس الخندق الذي وقع فيه تيار أوسلو ؟ وبالتالي اسرائيل قد كسبت الوقت وكسبت ليبقى الوضع كما هو عليه الآن في غزة وفي الضفة ومن هنا ضاعت الحقوق وضاعت القدس وضاعت الأرض الفلسطينية وبهذا نشهد توافق وتكافل وتعاضد في المصالح بين نهج عباس ونهج حماس مما سيعطي مشهدا اكثر ايلاما لكل قوى التصحيح والمطالبة بالتغير واعادة رسم معادلة الصراع مع اسرائيل من جديد، اسئلة كثيرة ومستقبل على قاعدة الاداء والائتلاف في المصالح بسيناريو مستورد مطبقيةهم من في الضفة وغزة بل يمكن لحماس ان ان يكون لها دور الشرطي في المحافظة على الائتلاف والمصالح ولانها متكفلة بالامن الداخلي، فالسيد محمود عباس مخططاته ابعد من مصالح حماس وتطلعات قاعدة عريضة من فتح للاصلاح بقيادة محمد دحلان ، فهل حماس ستنساق وراء متطلبات محمود عباس لتقع مرة اخرى في ورطة وسوء تقدير الموقف كما وقعت فيها بخصوص مواقفها من دول ما يسمى الربيع العربي، ام هي على قناعة بمسارات محمود عباس الذي يحفظ لها مستوى معين من التواجد امام متغيرات قادمة لا محالة

في اعتقادي حماس تخطيء ثم تخطيء في تقدير الموقف وتقدير ابعاد الخطوات اللازمة، فمشروع محمود عباس لن يكون وطنيا باي حال من الاحوال لتاتلف معه وكان من الاجدر ان يعلن ان الضفة محتلة تماما وهذا يقتضي تالف بين كل ابناء غزة والاصلاحين في فتح لخوض برنامج المقاومة وبرنامج التحرير والاعلان ان الضفة باحرارها هم مكون رئيسي في عملية تحريرها وقاعدته الارتكازية غزة...... مع تناول سبل الحلول المختلفة لفك الحصار وتعزيز الصمود وانتهاج نهج الهجوم لا الدفاع فعمليات التحرير لابد لها من تضحية الشعوب وان انتفضت ستفك حصارها رغم ما يحاك اقليميا ودوليا لا ان ننجر لخندق الاملاءات ومصالحها

واسعدت أوقاتكم

بقلم/ سميح خلف