بانتهاء هذا اليوم تكون قد مضى على وعد بلفور المشئوم مئة عام بالتمام والكمال ، وعد أعطى ما لا يملك ممتلكات من يملك ، نكتب عن هذا اليوم المشئوم كما اعتدنا لوصفة لنستذكر شيئا من ظروفه علنا نستخلص بعض الدروس والعبر ، لان وعد بلفور عبر بشكل قاطع عن الهدف الأعلى للصهيونية العالمية وهو اغتصاب فلسطين لتكون قاعدة للانطلاق في آفاق المنطقة العربية بإمكاناتها وثرواتها فيما بعد ، فقد كان هذا الوعد جزءا من خطة خبيثة وضعت قبل عشرين سنة من صدوره ، يوم أن عقد مؤتمر بازل بسويسرا وقرر أن تكون فلسطين وطنا لليهود ، وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإنشاء الوكالة اليهودية والمنظمات الصهيونية الأخرى .
اعتقد أن التباكي في هذه الذكرى الأليمة التي ستختفي من ذاكرتنا بانقضاء يوم الوعد 2/11 ، حتى الذكرى القادمة غير مفيدة ، وإنما يجب استخلاص الدروس والعبر من تداعيات هذا الوعد وكيف استطاعت الصهيونية العالمية من تحقيق أهدافها ، وهنا نسال آلا تكفي مئة عام مليئة بالتضحيات والمعاناة بكل أشكالها أن نتعلم منها شيئا ، خاصة في هذه الظروف التي يعيشها شعبنا ولا نبالغ إذ قلنا أنها من أسوأ المراحل التاريخية منذ النكبة عام 1948 ، حيث الانقسام يل الانقسامات الفلسطينية في ظل تراجع عربي تحت ضغوط الصراعات الدائرة الآن في بعض الدول العربي بدءا من العراق مرورا بسوريا حتى ليبيا واليمن ، اعتقد أن دروسا هامة يمكن استخلاصها لمحاولة الاستفادة منها ولا ضير أن نرى كيف يتصرف أعداؤنا وكيف يستطيعون تحقيق أهدافهم . من خلال بعض الدروس التالية:
أولا: النجاح الذي يحققه أعداؤنا على حسابنا ، حيث يعتبر وعد بلفور هو النجاح الثاني للحركة الصهيونية منذ مؤتمرها الأول ، أما النجاح الأول هو تدفق أفواج المهاجرين اليهود من مناطق كثيرة في العالم في العقد الأول من القرن العشرين مستغلة ضعف الدولة العثمانية . وان نجاحاتهم استمرت حتى اغتصاب 78% من مساحة فلسطين التاريخية ، وتهجير قرابة المليون من المواطنين الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم إلى الدول المجاورة .
ثانيا : قدرتهم على تنفيذ كامل خططهم بدءا من اختيار فلسطين لتكون وطنا لليهود ، مرورا باستصدار وعد بلفور ، وإنشاء المنظمات الصهيونية لتشجيع الهجرة اليهودية ، ودعم البناء الاستيطاني والمشاريع الاستيطانية الأخرى ، وسلب ونهب الأراضي ، وتشكيل العصابات اليهودية المسلحة لإرهاب الشعب الفلسطيني .
ثالثا: لم تسجل كتب التاريخ ، أي خلاف يذكر بين قادة الصهيونية في كل مراحل علية اغتصاب فلسطين من شانه عرقلة تنفيذ الخطط ، بل كان الجميع يجري وراء نفس الهدف من سياسيين واقتصاديين وعلماء الخ .
رابعا : القدرة على بناء جسور قوية قائمة على عمق العلاقة مع شعوب أوروبا خاصة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ، حيث تقاطعت مصالح الصهيونية مع المصالح الاستعمارية ، وما زالت وان كانت قد أخذت مسارات أخرى بما يتماشى ومتطلبات ظروف العصر سياسيا واقتصادية .
خامسا: غياب سياسة التنظيم لدى شعبنا ، فعلى الرغم من أن شعبنا كان يبدي التضحيات من اجل أرضه إلا انه كان يفتقر إلى الإدارة والتنظيم والقيادة الواحدة ، ما سهل على العصابات الصهيونية وبريطانيا في استكمال مخططاتهم .
سادسا: نجاح الصهيونية في إعلان قيام دولة إسرائيل على حساب شعبنا بعد 50 سنة فقط من مؤتمرهم الصهيوني الأول.
إذا نظرنا إلى ما يجري اليوم لنجد أن خطط الصهيونية لم تنتهي بعد ، فمازالت سياسة نهب الارتضي الفلسطينية والتوسع الاستيطاني قائما ، وما زال المهاجرين اليهود يتوافدون على فلسطين المحتلة وان كانت أعدادهم تتذبذب من فتر إلى أخرى إلا أنها سياسة صهيونية مستمرة ، ما زال الدعم المالي والعسكري والإعلامي والسياسي مستمر وبأحجام كبيرة من نفس المناطق التي تتقاطع مصالحها مع مصالح الصهيونية أوروبا وأمريكا ، وما زالت الأطماع الصهيونية قائمة نحو المنطقة العربية ولعلنا ندرك الدور الذي تلعبه اسرائبل في الأحداث الجارية في المنطقة العربية .وما زال وضعنا الفلسطيني الداخلي لا يسر عدوا ولا صديق .
إذن الحال كما هو رجحان كفة اعتدائنا على حسابنا رغم التضحيات الجسام التي قدمها ويقدمها شعبنا فلماذا الإخفاق ، لماذا يكون أخر احتلال في العالم هو من نصيبنا ، لماذا لا يتم تجسيد بعض القرارات الدولية التي صدرت لصالحنا .
اشئلة مشروعة يتساءل عنها الكثير في كل زمان ومكان من تاريخ قضيتنا ، إذن حري بنا ونحن نستذكر وعد بلفور أن نستذكر حالنا وأوضاعنا وما آلت إليه الأمور ، من خلافات وانقسامات ، ويجب الإقرار بأنه لا يمكن مطلقا الاعتماد كليا على الغير في تحرير أرضنا وإعادة شعبنا إلى أرضه ، البداية يجب أن تكون من هنا ، لذلك أرجو من أبناء شعبنا في هذه الأيام التي يمر بها شعبنا ، من حراك سياسي ، معجون بتنافس ، وبتحالفات محتملة ، أن ينتبهوا إلى ضرورة تصحيح المسار والاستفادة من الدروس السابقة وغيرها لأننا في عصر وزمن إذا خرجت أمورنا من بين أيدينا فلن تعود .
حافظوا على ما تبقى قبل أن يضيع تحت سيوف خلافاتكم وصراعاتكم .
بقلم/ أكرم أبو عمرو