واقع جديد قادم للخارطة السياسية الفلسطينية يلوي عنق السوسيوبوليتيك و سفرا جديدا يكتبه الوطنيون الفلسطينيون أو يكتب عليهم في عصر التعددية الباهر .. سفر مفاده أن "هكذا تؤول الحركة الوطنية الفلسطينية إلي جماعة الناس "فتح" إسمهم القديم.. وفي الآن كبرت الثلاثة حروف لتصبح "الوطنية الفلسطينية"
انتهي عصر الأحزاب الصغيرة ولا مبرر لوجودها واستمرارها فنحن في فلسطين الآن في عصر الكتل الكبيرة التي ذكتها الجياة ومازال فيها عرق ينبض. وحتي لا نذهب في الجدل البيزنطي وكأن الحديث ينكر التاريخ والتضحيات فهذا ليس بيت القصيد فالتاريخ قد كتب ذلك كما كتب عن العصور والشخصيات والجماعات والأحزاب والتضحيات والإنتصارات والهزائم ويعلمه ويتعلمه الجميع.
في اعتقادي أن حركة فتح هي في حالة حيوية وحراك فريد ووحيد ونوعي سوف يمدها بأكسجين الحياة للمستقبل مهما كانت نتائج هدا الحراك وخسائره ومضاعفاته ومعني فريد ووحيد هنا حيث دخلت طويلا باقي أجسام الوطنية الفلسطينية في أزمات لم تحدث بها حراكات حيوية تجديدية لكنها حراكات غير منتجة للطاقة المتجددة بل عكست نفسها كتحولات عمرية فسيولوجية نحو الشيخوخة
حراك فتح النوعي بغض النظر عن أسباب قد تبدو غير وجيهة لإندلاع هذا الحراك لكنها كانت هي شرارة الحراك حيث تراكمت كل عناصر التغيير وصنعت البيئة لذلك ومضي هذا الحراك يكبر لأن البيئة والتحولات الدولية والإقليمية والعربية وفي مقدمتها التحولات الوطنية والحزبية الداخلية بسلبياتها وهي أكبر بالطبع من ايجابياتها سرعت في حراك هذا التيار الوطني المركزي فتح ولأنه ليس انشقاقا كما سبقه من حراكات فتحاوية تاريخية هنا لابد من القول إنه حراك صحي له من الألم الملاحظ هذه الأيام كما كل تغيير فالتغيير كما هو معلوم علميا يتميز بالألم وتدرج الاستجابات عند البشر.
بدأ الحراك بالخلاف أو الصراع علي الإدارة وهنا فإنه من غير الجوهري التقليل أو إنكار الظاهرة بالرغم من أهمية الشرارة التي أشعلت الفتيل وهي لا تقلل من صحة الرصد العلمي السوسيولوجي في مثل تلك الظواهر (بمعني ما يقال بأن اشكالية بين الرئيس والنائب دحلان هي سبب بسيط لا يجوز أن يصل لهذا الحد) هذا صحيح ولكن لو أن الشرارة لم تجد بيئة مشبعة بالبنزين فهي لن تشعل الصراع لأن الصراع داخل الكل الفتحاوي حسب ما ذكرنا أعلاه ولهذا اشتعلت فتح طلبا للأكسجين الذي لا يشتعل ولكنه يساعد علي الاشتعال وبدأ الحراك وكبرت الأعداد وحاول المعارضون قمع أو منع ذلك ولكن هيهات فالحراك قد شق طريقه وقطع مسافة في عمق الفتحاوبين المستجيبين مبكرا والمؤيدين والمتأخرين والرافضين والكم الأكبر بالطبع هم المنتظرون وهذا علم الادارة البشرية في التغيير لمن يريد المراجعة.
بدأ الحراك يضع أقدامه بقوة وصلابة علي الأرض في وقفة التيار الاصلاحي في الجندي المجهول وليس سبب الوقفة وشعارها بالأهمية مثلما كان معني النزول إلي الأرض والشارع وسارع الرافضون للتصدي والتشويه فلم يدركوا حقيقة أنه ليس انشقاقا بل حراكا سيجتاح فتح بمجملها ولن يستطيع أحد إيقافه مهما فعل لأن حركة المجتمع والبشر تبدأ بنبضات بطيئة ولكن عندما تأخذ طريقها ببقاء أسباب الحراك وما يتبعها من أخطاء مؤكدة من الساسة القائمين علي إدارة الجمع البشري المراد تغييره وهم الرئيس واللجنة المركزية في الحالة الفتحاوية التي نتحدث عنها وهم بأخطائهم السابقة واللاحقة من تسببوا في تطور الحراك حين تطرفوا بعدمية في تقديم أو قبول الحلول المنصفة للطرفين المقدمة من داخل الحركة أو من خارجها.
تراكم فعل التيار الاصلاحي كما ونوعا واستجابت قطاعات بشرية أخري من خارج فتح ومن داخلها لطروحات التيار وخطوات عمله فسافر الكتاب والمثقفون والمستقلون والحزبيون والمهنيون والمرأة والقطاع الأهلي وشاركوا في فعاليات ومؤتمرات تبحث المستقبل الفلسطيني المغلق مع التيار الاصلاحي في فتح ودافعوا عن مصالح الجمهور الفلسطبني جنبا إلي جنب وأصبحوا دعاة للتواصل معهم ومشاركتهم في العمل الاجتماعي والسياسي ولازال المعارضون والرافضون يتراجعون ويحاولون التصدي لعملية التغيير ولكن سجلت وستسجل تطور الحالة انضمامات كثيرة وتوسعا في رقعة التيار بشرا ومساحات وجغرافية وظهر ذلك بوضوح في الجدل المحتدم في الضفة الغربية ومخيماتها وبادلتهم الجدل سلطة الرافضين بالعنف والاعتقال أحيانا ومازال الحراك سائرا لن يوقفه مؤتمر سابع ولا قمع أجهزة الأمن ولا الفصل ولا قطع الراتب فشريحة التغيير تتسع وهل سيفصلون ويقطعون راتب الشعب كله.
نتائج الحراك الذي سيستمر بالتغيير السلمي ستؤدي في النهاية إلي فتح أقوي وأكبر وسيأتي الباقون من خارج فتح من التيار الوطني كله فالحالة الوطنية ستتبلور فقط في قلب هذه الحركة لتصبح تيارا وطنبا وحيدا علي الساحة الفلسطينية وينتهي عصر الأحزاب الأخري فليس لها من مقومات الاستمرار الكثير من الوقت وفي الجانب الآخر من الصورة سينصهر الاسلاميون بالتغيير مرغمين علي ذلك بتبدل السوسيوبوليتك الفلسطيني الاسلامي بعد مرحلة المخاض الحادث في المجتمع الفلسطيني وتشظي أحزاب وحركات ودكاكين انتهي عمرها الافتراضي ولا مجال لبقائها ولا مبرر أيضا فالتيارين الكبيرين بهما ما تريد أن تفعله الاحزاب والدكاكين الصغيرة ولا أتصور ومن غير المنطقي أن تأتي جماعات صغيرة تشكل ما يسمي أجسام ولها ممولين في المرحلة القادمة وهنا لا يشكل حديثي خطرا علي التعددية بل إن المرحلة المتبقية للخلاص من الاحتلال وانجاز الاستقلال لا تتطلب هذه الاجسام مادام ما سوف تقوم به سيقوم التيارين الكبيرين به ومن يريد مصلحة شخصية أو وطنية أوموقعا فليناضل داخل هذين التيارين لو كانت لديه الكفاء وصحة وجهة النظر والرؤية. هكذا بجب أن يكون وهكذا يجب أن نتطور ونطور حياتنا السياسية نحو امكانية تحقيق الانجاز المطلوب.
بقلم/ د. طلال الشريف