تحدثت قبل يومين في مقال بعنوان " المؤتمر السابع في وجه العاصفة" عن أن فكرة انعقاده تندرج في سياق شد الحبال بين الأطراف المتنافسة والمتصارعة على السلطة والنفوذ، والتي لا زلت أؤمن بأنها لن تكون مهمة سهلة في هذا الوقت، وبأنها فكرة خرجت ميتة ولن ترى النور في الوقت الذي حدد لها وهو التاسع والعشرين من هذا الشهر الذي يصادف يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني ، حيث تقيم الأمم المتحدة إحتفالاً سنوياً بهذه المناسبة بحضور رؤساء دول ومن المعروف أن الرئيس الفلسطيني يشارك فيه في كل عام!،
لكن لا يمكن تجاهل أنه فاجأتني بعض الأراء التي وجدت في فكرة إنعقاد هذا المؤتمر فرصة إيجابية وذلك من خلال وجهة نظر مخالفة للصورة المتشائمة التي ذكرتها في مقالتي تلك، حيث أنهم يرون بأنه سيعجل من التحضير للإنتخابات العامة الرئاسية والتشريعية والبرلمانية في العام القادم ، فتوقفت عند ذلك مطولاً وأنا أفكر بما يبحث عنه المواطنين الفلسطينيين خاصة المثقفين منهم من هذا المؤتمر في هذا الوقت العصيب بالذات، حيث أنه يبدو بأن حالة إنعدام الأمل التي يعيشونها خلقت حالة من التشبث بأي فكرة حتى لو كانت مجازاً وهمية أو صعبة التحقيق والمنال بالطريقة التي يتمنونها!.
أيضاً هاتفني صديق عزيز وهو سفير فلسطيني معروف برزانته الدبلوماسية وعبر عن توافقه مع ما جاء في مقالتي كما عبر عنه ذلك الكثيرين من الأصدقاء المثقفين الفلسطينين، حيث أشار بأن الوضع لا يحتمل المزيد من التشرذم الداخلي وسيكون هناك عواقب وخيمة وإنقسامات غير معهودة من حيث الكم والنوع وذلك في الساحة الفتحاوية، وبالتالي فإن الأولوية الأكثر أهمية في هذا الوقت هي كيفية إيجاد حلول عملية ومنطقية للمشاكل التي تجتاح الوطن ومؤسساته بدلاً من العمل على تعميقها وتجسيد واقع إقصاء جزء مهم منه من خلال مؤتمر لا يشمل الكل الفتحاوي الوطني!.
الطريف أن صديقي السفير العزيز يعرف بأنني أعرف الكثيرين من النوعيات التائهة اللاهثة وراء عضوية هذا المؤتمر وكم هي فارغة وتافهة ووصولية ومتملقة ضررها أكثر من نفعها!، فقال لي بأن تسخين الساحة حول المؤتمر السابع في هذا الوقت يهدف لأمر تم إدارته بشكل ذكي وهو إشغال الساحة الفلسطينية بالتحضير لهذا المؤتمر، وبالتالي ضمان نزع فتيل الغضب المحتقن وتفريغ الطاقة الهادرة الكامنة في النفوس صاحبة التوجهات الوطنية الأمينة خلال عملية التحضير لإنعقاده وإعطائها الأمل، والإنشغال بعمليات الإستقطاب إليه خاصة أن هناك أسماء شابة جدلية ستطرح كمرشحة لعضوية اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح ، يراها الكثيرين بأنها أسماء إنتهازية وغير مقبولة بأن تتبوأ مكانة قيادية متقدمة للغاية خاصة فيما يتعلق بعضوية اللجنة المركزية التي على ما يبدو بأنه سيتم الإطاحة بكثير من أعضائها الحاليين خاصة من الذين هُزَت مكانتهم القيادية بتسجيل ضعفهم وعجزهم أمام التحديات الوطنية!.
في تقديري أن التحضير لهذا المؤتمر سواء عقد أم لا والأرجح الثانية وهناك الكثير من الأسباب التي تدعم ذلك!، سيفسح المجال أمام تلميع أسماء يراها الكثيرين بأنها مغمورة ولكنها فهلوية!، مما سيثير نزعات لدى الأشخاص الذين يرون في أنفسهم الأحقية والأكثر خبرة والقدرة والأقدمية، وهذا سيجعل من فرص الإستقطاب ولربما التصادم تتزايد بشكل مطرد ولربما يصل إلى مرحلة الخطر الذي تتحسبه جميع الأطراف العربية والإقليمية والدولية، ولذلك ستعمل جاهدة لتعطيل هذا السيناريو حتى لا يرى النور!، هذا عوضاً عن أن المخاطر التي ستنتج عن خروج بعض الأسماء القيادية اللامعة والمعروفة التي لن تقبل بسهولة فشلها أو خروجها من المشهد القيادي الفلسطيني ستكون هائلة!.
الطريف أن الكثيرين من الأسماء التي تم إستقطابها خاصة من الأقاليم الخارجية هي من أصحاب التوجه الفتحاوي الفطري، والذين لا يعلمون عن فتح ومكانتها وضوابطها شئ، حيث أنه تم إستدراجهم كأرقام مبايعة لأجندة وهدف محدد بدون التطرق للتفاصيل وضرورة الإلتزام بمعايير الأمانة الوطنية والأخلاقية، وكانت الغاية من القبول بالمشاركة في غالب الأحيان هي الحصول على تذكرة سفر وإقامة مجانية وفرصة بدون تكاليف لزيارة الأهل والأصدقاء بجانب إرضاء غرور النفس بمسميات وهمية وهي الحصول على مسمى عضوية مجانية بدون تدرج ولا عناء ولا كفاءة حركية ولا إثبات للإلتزام وذلك في المؤتمر السابع لحركة فتح بدون معرفة جوهرها أو الإنتماء إليها يوماً ما!.
مما يعني أن ألغاماً كثيرة باتت بالفعل موجودة في طريق المسيرة الختامية للرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه بدون الحاجة إليها ولربما تنفجر في أي لحظة لتضع الجميع أمام تحديات كبيرة وتأخذ الساحة الفلسطينية لمجهولٍ لا أحد يعرف ما يحمله من عواقب!، خاصة في ظل ما يراه الكثيرين من أبناء حركة فتح من عدم الإلتزام بالمعايير التي تتعلق بإنعقاد هذا المؤتمر، مما يخلق حالة من إثارة النزعات الحركية وتعميق فجوة الإتهامات بين الراغبين والمنتفعين والوصوليين والطامحين ، كما أنه لربما أيضاً تزداد الفجوة أكثر عند إمتناع أبناء قطاع غزة للمشاركة فيه خشيةً من إتهامهم بما لا يطيقون!.
تنويه : كنت قد أشرت في مقالة سابقة لي إلى ضرورة الموافقة من جميع الأطراف الفلسطينية على عقد الإنتخابات المحلية وكنت أدرك حينئذٍ بأن الموافقة في حد ذاتها ستربك الساحة الفلسطينية برمتها وستنسف تطلعات من يريدون تجسيد واقعٍ جغرافي وتبعية مقيتة وراهنت على أنه لن تعقد الإنتخابات المحلية في حينه، وكان لي ما ذهبت إليه!، واليوم أقولها مرة أخرى ، مع الإجماع المئوي على فكرة إنعقاد المؤتمر السابع ، يبدو بأن هناك حراكاً موازياً مع هدوءٍ صامتٍ وإستعدادٍ لفتح الباب أمام جميع الفئات الثقافية ووالإعلامية والمهنية لإستقطابها، مما سيخلق حالة من الإرباك لتنفيذ فكرة إنعقاده، ولربما يدفع القائمين عليها للتفكير مائة ألف مرة أخرى حول جدوى المشاركة من عدمها في مؤتمر محاذيره كثيرة وتحدياته أكثر ومخاطر المشاركة فيه أكثر وأكبر!.
م . زهير الشاعر