إن احياء ذكرى ابو عمار ليست بذكرى عادية تمر مرور الكرام وإنما تستدعي التوقف طويلًا للإمعان في سيرة ومسيرة ياسر عرفات كلمة سر فلسطين الدولة والهوية والحرية والاستقلال، صمام الأمان للوحدة الوطنية والقرار المستقل، والتمسك بالثوابت والمقدسات والسيادة وحق العودة، فكان الزعيم القائد الذي ناضل وضحى ورهن حياته لفلسطين والقدس والثوابت الوطنية، كما أن ذكرى أبو عمار تجعلنا نتوقف مطولاً لاستلهام تجربة القائد الفذة والإمعان في نضاله من بدايات الثورة والعيش مع المقاتلين، فكان الأب الحنون للجميع رغم تكاثر اعبائه ومسئولياته، نستذكر شجاعته بالعودة الى أرض الوطن بعد عقود من الكفاح الطويل على ظهر غصن الزيتون الذي رفعه في الأمم المتحدة بعد اعلان اوسلو وهو يعرف ان اسرائيل لا تريد السلام ولكن بحنكته السياسية أراد من فلسطين دولة تحت الاحتلال الاسرائيلي، وحافظ على المقاومة ولم يدين أعمالها ولم يفرغها من محتواها، فكان أبو عمار يعلم أن المقاومة هي الساعد القوي للشعب الفلسطيني وهي الإرادة التي ستفرض الحقوق الفلسطينية على أي من المفاوضات السياسية، واكتشف أبو عمار أن طريق السلام خدعة بعد ان نفذ صبره ودفع حياته ثمنا لصدقه مع نفسه ومع العالم والكل تخلوا عنه اثناء محنته.
بعد أثنى عشر عاماً على رحيل الزعيم ياسر عرفات تيتم الشعب الفلسطيني وازداد يتما نتيجة حال الفلسطينيين الذي يرثى له بعد الانقسام بين شطري الوطن ضفة وغزة واختلاف الرؤي والبرامج، ليبقى حالنا يصعب على أنفسنا ونكابر على حساب ضياع مشروعنا الكبير أمام الصغائر والمصالح الحزبية الضيقة التي عززت من طوال فترة الانقسام الى عشر سنوات أي بعد وفاة الرئيس أبو عمار بسنتين، وحالنا على الصعيد الداخلي يزداد تعقيداً، وأصبحنا نتصارع داخليا على شرعنه سلطة الحكم الذاتي التي انتهت منذ سنوات ونحن نتمسك به دون صياغة رؤية جديدة لنظام سياسي فلسطيني قادر على مواجهة التحديات، كما أين موقع القضية الفلسطينية عالميا وعربيا ومحليا في ظل تراجع الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية، وانحصار فرص الشعب الفلسطيني في تحصيل حقوقه، ولم تعد فلسطين محط أنظار كافة المثقفين والمفكرين حول العالم نتيجة عوامل متعددة ومتغيرات وتحولات دوليه وإقليمية ساهمت في وضع القضية الفلسطينية جانبا وظهور وتسليط الضوء على قضايا جديدة تلهي العالم، في المقابل اسرائيل تزداد عنصرية وعدوانية وتوسيع في الاستيطان والاعدامات اليومية للفلسطينيين والعالم يتفرج دون التحرك ساكنا حتى لإدانة اسرائيل.
علينا الاعتراف اليوم بكل جرأة وشجاعة أن رحيل أبو عمار خط الدفاع الأول ترك فراغا كبيرا لم نستطيع حتى اليوم ملئه، رغم محاوله ملأه بمؤسسات السلطة، وترك لنا إرثا كبيرا يتطلب أن نسير على نهجه قولاً وعملاً، وتفويت الفرصة على المتربصين بوحدتنا الوطنية وانهاء الانقسام، والتمسك بثوابتنا ومقدساتنا وحقنا في دولة مستقلة كاملة السيادة على كامل أرضنا الفلسطينية، وأن تبقي دوما صورة القائد ياسر عرفات في قلوبنا وعقولنا، والوقوف بقوة وصلابة دفاعاً عن حقوقه المشروعة وعن شرف الأمة وكرامتها، فالعالم اليوم لا يحترم الضعيف ولكنه يهاب القوي، العالم معنا عندما نظهر قوتنا بوحدتنا، لدينا الكثير من أوراق القوة فلنستعملها، والمتغيرات على الصعيد العالمي تفتح آفاقاً واسعة أمام القيادة الفلسطينية لتصحيح مسارها وليس الاعتماد على الوسيط الامريكي لأنه ليس عادلاً بل منحازاً بالمطلق إلى إسرائيل، لذا يجب على القيادة إعادة النظر في حساباتها السياسية والانفتاح إلى الرأي العالمي لتكتشف مدى التأييد والتضامن الذي تحظى به قضية فلسطين ونضالات شعبها.
د. رمزي النجار