لا شك فيه أن السياسة الأمريكية الخارجية ومنذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية أخذت تلعب دورا رئيسيا في مختلف الأحداث العالمية ، بعد أن انتقل مركز القوة الاقتصادية والعسكرية في العالم إلى الشاطئ الغربي للمحيط الاطسي حيث تربض الولايات المتحدة الأمريكية متزعمة العالم بممالكه الاقتصادية والإعلامية وبالتالي السياسية ، لذلك فلا غرابة أبدا أن تحتل الانتخابات الأمريكية مكانة هامة واهتماما بين دول العالم وشعوبه ، ولهذه الأسباب كانت ردات الفعل المختلفة والمتشائمة أحيانا من نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة والتي جاءت مخالفة للكثير من توقعات دوائر استطلاعات الرأي ومراكز الأبحاث والتحليل السياسي في كثير من مناطق العالم ، حيث كانت الصدمة الكبيرة بفوز المرشح الجمهوري المثير للجدل دونا لد ترامب ، نتيجة لأرائه العفوية والغير مألوفة أثناء حملته الانتخابية ، ولعل أهم هذه الآراء والمواقف هي التي طالت المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها ، والمهاجرين ، بالإضافة إلى توجيهه الاتهام إلى الإدارة الديمقراطية بدعم الإرهاب ومنظماته في العالم خاصة في منطقة الشرق الأوسط . لذلك وخلال الساعات الأولى لإعلان نتائج الانتخابات، تناقلت وسائل الإعلام أخبارا حول تدني أسعار النفط ، ورغبة الكثير من الأمريكيين في الهجرة من الولايات المتحدة الأمريكية لدرجة أن مواقع استقبال طلبات الهجرة في دولة كندا قد أغلقت مؤقتا لكثرة ما وردها من طلبات ، وانتشر التخوف من المقيمين المهاجرين من إجبارهم على الرحيل من الولايات المتحدة بعد أن فتحت لهم الأبواب نتيجة الصراعات الدائرة في بلدانهم .
السؤال الآن وبعد أن أصبحت مسالة تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لمدة أربع سنوات حقيقة بعد فوزه على منافسته الديمقراطية المخضرمة هيلاري كلينتون ، هل سيقوم ترامب بتنفيذ وعوده ودعواته التي أطلقها خلال حملته الانتخابية .
بداية اعتقد لا لن ينفذ هذه الدعوات بالشكل الذي يعتقده البعض فالأمر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض للأسباب التالية :
أولا: المسالة تحتاج إلى قوانين وتشريعات خاصة مغايرة للقوانين والتشريعات المعمول بها اليوم ، وهذه لا تتم إلا عبر القنوات التشريعية الأمريكية والتي على رأسها مجلس الشيوخ والكونجرس .
ثانيا : العقيدة السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية المبنية على أساس المصالح الأمريكية الواسعة في هذا العالم ، وما أنتجته من تشابك العلاقات السياسية والاقتصادية بينها وبين دول العالم .
ثالثا : عودة القطبية السياسية والعسكرية بل والاقتصادية بعد أن انطفأت قليلا في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي ، حيث عادت روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي لتعيد مكانتها كقوة عالمية ثانية يحسب لها ألف حساب كقوة عالمية لها مصالحها الحيوية ، طبعا بالإضافة إلى الصين ومجموعة الدول االاسيوية الناهضة كالهند واليابان وغيرها .
وبناء على ما سبق فإن الرئيس الأمريكي الجديد لن يأتي بجديد ، فالولايات المتحدة لم تفتح أبوابها على مصراعيها للمهاجرين ، حتى الأعداد الكبيرة من المهاجرين السوريين والذين استطاعوا الدخول للولايات المتحدة بعد بعض التسهيلات بمنحهم ناشرات دخول مؤقتة ما زالت الغالبية العظمى منهم رهن الإقامة المؤقتة ، كما أن هناك قيودا كثيرة أمام من يرغب في القدوم إلى الولايات المتحدة الأمريكية من البلاد الإسلامية ومن يستطع القدوم فهناك تعقيدات الإقامة والعمل ، لذلك نقول أن لا جديد سيأتي في هذا المجال .
أما عداء ترامب للمسلمين ودعوته لمحاربة الإرهاب ، لا جديد فقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بمحاربتها المزعومة للإرهاب في ديار المسلمين ، في العراق ، في أفغانستان ، في ليبيا ، ومساندتها وتأييدها المطلق لإسرائيل ضد الفلسطينيين ، وقد مارست الولايات المتحدة هذه السياسية في عهد الإدارات الجمهورية والديمقراطية على السواء ، فما الجديد الذي سيقوم به ترامب في هذا المجال .
الخشية الوحيدة في اعتقادي من دعوات ترامب هو التعميم لمفهوم الإرهاب ، ليشمل جميع الشعوب الإسلامية وليست الجماعات الوليدة مثل تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الاخري وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين .
هذا يتطلب تضافر الجهود الإسلامية لمواجهة هذا الخطر ، لدعم جسور الثقة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة في العهد الجديد حتى لا ينعكس سلبا على العلاقات والمصالح المشتركة بين الجانبين .
بقلم / أكرم أبو عمرو
11/11/2016