ضروريات تطوير الخطاب الفلسطيني الرسمي !

بقلم: زهير الشاعر

يبدو أن نمطية الخطاب الفلسطيني الرسمي لا زالت تراوح مكانها ومغلقة على نفسها في سياق خياراتها المحدودة التي باتت مستهلكة ولا تتناسب مع واقع الحال والمتغيرات التي تجتاح العالم .
فمثلا وجدنا أن الموقف الفلسطيني الرسمي من إنتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قلقاً وضعيفاً، حيث صرح الناطق الرسمي بإسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة الذي يتمتع بهدوء جميل ولسان مهذب، وذلك بتصريح مكرر ومستهلك حينما تحدث بلغة مشروطة قائلاً " إن الجانب الفلسطيني سيتعامل مع أي رئيس ينتخبه الشعب الأمريكي، على قاعدة تحقيق السلام في الشرق الأوسط، القائم على أساس حلّ الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين"، مضيفاً "بأنه على الإدارة الأمريكية أن تدرك بأن تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، يأتي من خلال حل القضية الفلسطينية حلأ عادلا وفق الشرعية الدولية، الأمر الذي سيؤدي إلى القضاء على الفوضى والتطرف في العالم".
كلام جميل للغاية ولكن يبدو أن الجانب الرسمي الفلسطيني لا زال لم يدرك ضروريات تطوير الخطاب الرسمي لإختراق المواقف من خلال إستخدام مفردات اللغة التي تتناسب مع المناسبات السياسية، حتى لو كانت على مضض ومن باب المجاملة لخلق جسور قوية بهدف ضمان فتح بوابات لم تعد مفتوحة بالشكل الكافي، خاصة في ظل التحديات ووضوح مواقف الرئيس الأمريكي المنتخب ونائبه بخصوص سياساته الخارجية التي يبدو بأنها ستكون بمجملها منحازة بشكل كبير إلى دولة إسرئيل!، وعوضاً عن ذلك لا زال الجانب الفلسطيني الرسمي أسيراً للخطاب التقليدي المكرر، والذي بات مستهلكاً ومعروفاً قبل الإدلاء به، مما جعله يفقد بريقه وقوة تأثيره!.
من هنا ، لابد من الإشارة إلى أنه مما لا شك فيه أن تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ونائبه مايك بنس خلال الحملة الإنتخابية بخصوص العلاقات مع إسرائيل كانت أكثر وضوحاً من غيرها، خاصة فيما يتعلق بنية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس أو فيما يتعلق بيهودية الدولة، وقد يكون ذلك هو السبب الذي أدى إلى حالة من الإرباك في مواقف القيادة الفلسطينية التي باتت تعاني ضعفاً وصراعاً داخلياً وفشلاً في تحقيق إختراقات على الساحة الدولية ، كما أنها تعاني قلقاً من ما سيحمله المستقبل في ظل التحديات المحلية والإقليمية والدولية وخاصة فيما يتعلق بعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
من المعلوم أن الخطاب الذي يُستَخدم في الحملات الإنتخابية ليس ملزماً، ولكنه غالباً ما يعبر عن حجم الحاجة التبادلية وقوة العلاقة بين أي طرفين، وبالتالي ما يتحكم بذلك هو مصالح مشروعة ليس لها علاقة بالعواطف والأمنيات ، كفلتها أسس العلاقات الدولية لتتحكم بمواقف الحكومات حسب الظروف المتاحة لتحقيقها.
من هنا لا أظن أن الواقع الفلسطيني والتحديات الناجمة عنه مريح للغاية حتى يتم تنفيذ وعودات بدون توافق بين جميع الأطراف الدولية بما يخدم الناحية الأمنية وعملية السلام بين الشعوب في المنطقة، لذلك كان يتوجب على الجانب الفلسطيني أن يخرج نفسه من ضوابط الخطاب التقليدي ليكون أكثر إنفتاحاً على تحديات الواقع الجديد الذي يحتاج إلى حكمة وإلى أدوات جديدة قادرة على حوار أيدولوجية الحكم الأمريكي الجديد ومحاججتها في إطار الحفاظ على الحقوق والثوابت الفلسطينية وضرورة إرسائها، وذلك من خلال بناء جسور من المصالح المتبادلة معها ، بغض النظر عن أي مصالح أخري بين إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب التي سيتم تشكيلها وبين الأطراف المعنية الأخرى وحكمها وقوتها كونها واقع لا يمكن تغييره ، ولكن بالإمكان التأسيس للتواجد المؤثر في سياق المعادلة التي تتحكم فيها!.
فلو تطرقنا أيضاً إلى تصريحات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تيسير خالد حول فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي قال فيها بأن الرئيس الأمريكي المنتخب سيكون على الأرجح أوضح في سياسته الخارجية، ومواقفه من قضايا المنطقة، حيث أن مواقفه المعلنة من الحروب سواء في العراق او سوريا او غيرها كانت واضحة في معارضتها، أما بشأن تصريحات دونالد ترامب التي شجع فيها على الاستيطان وباركه ، فقال أنها لن تغير في واقع الامر شيئاً على الارض حيث أن السياسة الأمريكية الخارجية في هذا المجال محكومة بمنظومة تدابير وسياسات تديرها مؤسسات دولة وليس مزاج وفكر فرد.
من هنا أرى أنه بالإمكان بناء العلاقة مع الإدارة الجديدة والعمل عىل تطويرها على أساس هذا المفهوم ، لذلك الأجدر بالموقف الفلسطيني الرسمي أن يرتب أوراقه جيداً ولا يتعاطى مع المواقف المستجدة في سياق ردات الفعل العاطفية القلقة أو العنتريات المشروطة، بل من خلال المواقف الهادئة والمدروسة جيداً والمبنية على أسس مهنية وعلمية بهدف المحاكاة المنطقية والحوار البناء وخلق العلاقات المؤثرة داخل الإدارة الأمريكية الجديدة صاحبة الفكر اليميني الواضح والذي لا يعرف المرواغة، وذلك من خلال رجال الأعمال والأكاديمين من أبناء الجاليات العربية والإسلامية الذين تربطهم علاقات جيدة بأعضاء الحزب الجمهوري، وبالتالي التأثير في سياساته بما يخدم فكرة التلاقي على المصالح المشتركة أولاً كون أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستأخذ وقت لترتيب أوراقها وأولوياتها وتحديد سياساتها، هذا إذا أخذنا بعين الإعتبار أن الجانب الفلسطيني إستطاع أن يلم شأنه وينهي العمل على إرساء وحدة صفه ولم ينشغل في صراعات داخلية ثانوية تضعف من موقفه وتهز مكانته.
مع ذلك ، لا يمكن إغفال حقيقة أن هناك شغف لدى البعض في الجانب الفلسطيني على المضي قدماً في تحقيق مكاسب شخصية في ظل الحالة الإنقسامية الموجودة، بغض النظر عن حجم التحديات القائمة والمخاطر التي تحيط بالقضية الفلسطينية، أنستهم ضروريات المصلحة الوطنية العامة وما يتطلبه ذلك من الحاجة لتطوير الخطاب الرسمي العام بما يتناسب مع المناسبة والموقف!، وبالتالي أصبحوا متناسين بأنهم هم الذين وفروا بذلك المناخ لأي إدارة أمريكية أو غيرها لتتبنى مواقف لا تأخذ طموحات الجانب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة بالإهتمام المنشود والذي يتلائم معها أو حتى بعين الإعتبار.
لذلك في تقديري أن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ونائبه مايك بنس أمام الجاليات اليهودية خلال الحملة الإنتخابية والتي خاطبا فيها إسرائيل هو إنعكاس لمنطق المصالح المشروعة والطبيعية بين الدول في سياق اللعبة السياسية الدولية، لا تعيبهم ولا تنتقص من شأن سياساتهم بشئ بغض النظر عن إن كانوا يدركون بأن ما تحدثوا به هو ممكن التحقيق عملياً أم لا في ظل التحديات القائمة في المنطقة!، بل تعيب المتخاذلين والمنغلقين على أنفسهم والذين يخشون المشاركة والتجديد والإنفتاح أو يخشون مواجهة الحقيقة لأنهم لربما مجرد أدوات لا تمتلك رفاهية الإختيار في تطوير الخطاب وتبني ضرورياته!.
في النهاية ما أردت قوله هو أنه بدلاً من البدء بالحديث مع الإدارة الأمريكية الجديدة بوضع شروط باتت معروفة للجميع ومحفوظة عن ظهر قلب ، فإنه من المفيد البدء بالعمل على تحديث الألية السياسية والدبلوماسية التي يتوجب إتخاذها مع توجهات هذه الإدارة والعمل على خلق حالة من الثقة وشرح تعقيدات الواقع ومتطلبات فكفكتها!، خاصة في ظل أن التاريخ يشهد على أن كثير من الحكومات اليمينية التي إنحازت في خطابها وأفعالها إلى إسرئيل كدولة إحتلال بشكل مطلق في السابق وتجاهلت الحقوق الفلسطينية المشروعة لم تفلح بتوفير السلام المطلوب في المنطقة، لا بل فشلت بالبقاء في الحكم أيضاً! ، وبالتالي إن العمل على إستثمار الكلمات الأولى التي أدلى بها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب والتي تتعلق بتوجهاته إلى دعم إرساء العدالة في العالم وعدم خلق أجواء من التصادم سيكون هو العمل الأساسي المثمر والبناء من أجل خلق علاقات صداقة مع إدارته بغض النظر عن علاقات بلاده المشروعة مع الأخرين، تخدم المصالح المشتركة التي يحتاجها الجميع وتدفع هذه الإدارة بالعمل الجاد من أجل دعم السلام القائم على العدالة وضمان حرية الشعوب وإستعادة حقها بالعيش المشترك بأمن وأمان وسلام !.

م . زهير الشاعر