لفت نظري دعوة ورشة عمل مررها زملاء، تناقش موضوعاً هاماً تحت عنوان: «حرية الأكاديمي حقوق وواجبات»، ورغم الارتباط الشخصي بمحاضرات في جامعات غزة، فإن أهمية الموضوع كانت دافعاً للمشاركة والحضور قدر الإمكان، والانسحاب بعد وقت. غير أن منتدى الأكاديميين المنظم للورشة أتاح عبر صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي ما فاتني من مداخلات وكذلك التوصيات التي خرجت بها الورشة.
المشاركة في هذه الورشة تأتي من كونها تناقش موضوعاً بالغ الأهمية، وتتناول سياقاً من الحرية لفئة محددة، بقدر ما تحتاج الحرية فإنها تتسم بالأمانة والموضوعية، ومن المسئوليات الوطنية الملقاة على هذه الطبقة من المجتمع- بعد أن بذلت جهداً لا بأس به على تطوير ذاتها علمياً- أن تكون حاضرة بحجم المرحلة واستحقاقاتها.
يشغل بال الأكاديميين جملة من الحقوق التي تتعلق في عناوينها الرئيسية بحق التفكير والبحث والنشر، وكذلك ما يتعلق بتفاصيل إدارية ومالية مع المؤسسات الأكاديمية، وأيضاً استقلال الجامعات. وتحتاج هذه المطالب إلى جهود كبيرة ونقاشات جادة مع أصحاب التشريع والقرار، وتحت مظلة نقابية جديرة بهذا الدور، وقادرة على حمل المسئولية في سياق اكتساب الحق في الحرية للأكاديمي، وان كان هناك تعقيدات في المشهد الفلسطيني.
الخصوصية الفلسطينية تحددها مفاعيل تأثير، أولها الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته، وثانيها الانقسام الداخلي وإفرازاته. هذه الخصوصية تستدعي من الأكاديمي الفلسطيني أن يكون مقاوماً للاحتلال بمنهجيته وأبحاثه ونشره للوعي بين طلابه، وأن يزرع مفاهيم وقيم الوحدة والمواطنة بينهم أولاً، وأن يكون انتماؤه السياسي لفلسطين ثانياً. وكذلك أن نشهد جهداً لمجموع الأكاديميين يسهم في إنهاء الانقسام الداخلي.
تفعيل الدور النقابي للأكاديميين يعمل على تجاوز إشكاليات عالقة لا سبيل لحلها إلا عبر توافق المجموع الأكاديمي بما يكفل تجاوز الأزمات الحالية، أو يسهم في الحيلولة دون تدهور الواقع إلى ما هو أسوأ. ما خرج به اللقاء من توصيات تدعو المؤسسات الدولية والمحلية والتشريعية للقيام بدورها تجاه مسألة الحرية الأكاديمية في فلسطين مهم، لكن هذه المطالبات يجب أن تأتي في سياق خطة مدروسة لتعزيز الحرية الأكاديمية، وحرص من الطبقة الأكاديمية على تحمل مسئولياتها المجتمعية.
من المهم أن نسمع حديثا عن واجبات الأكاديمي فلا يجوز أن يكون الأستاذ الجامعي حامل بضاعة بدلا من إنتاجها، ولا ناقل علم بدلاً من إبداعه، وقد بات الأكاديمي الفلسطيني مصدراً
لأفكار الهجرة والخروج من الواقع، في هروب من الأزمة! بدلا من التفاعل معها ومواجهتها بشكل وطني حتى وان تعقدت تفاصيلها.
إن أهم الجذور التاريخية لأزمة الحرية الأكاديمية هي التراجع الثقافي العام، والتأخر النسبي في إدراك أهمية الدور المنوط بالأكاديمي في أضلاعه الثلاثة سواء الكوادر الأكاديمية أو الطلاب أو إدارات الجامعات، واعتقد أن تحقيق هذه الحرية الأكاديمية يتطلب نضالاً فردياً وجماعياً بالسلوك والمبادرة بدلا من المطالبة والشجب، فترك انطباعات ايجابية من باب المداولات والنقاشات مع الطلاب وإرساء مفاهيم التعددية في الآراء والحوارات داخل القاعات التدريسية مهم ومطلوب؛ لأنه يشكل نواة مجتمع ديمقراطي.
نحن بحاجة في مؤسساتنا الأكاديمية إلى تعزيز مبدأ المبادرة، ودعم الكوادر الوطنية في الخروج نحو مشهد جديد لهذه المؤسسات وفق حاجات الوطن، وبعيداً عن الرغبات التجارية والمادية وان كانت أصبحت جزءاً مهماً من المشهد، فيجب وضع حدٍ لها دون تغولها على المعاني الحقيقية لغايات الجامعة والمؤسسة الأكاديمية. على الأكاديمي الفلسطيني أن يناضل من أجل حريته، وأن يسعى نحو بيئة نقية؛ لأن تحقيق الحرية الأكاديمية داخل أسوار الجامعة سيضمن الوصول إلى حرية مجتمعية خارج جامعاتنا الوطنية.
بقلم/ د.أحمد الشقاقي
صحفي وأكاديمي إعلامي