يبدو للوهلة الأولى بأن الأمور المتعلقة بالمؤتمر السابع لحركة فتح المزمع عقده في التاسع والعشرين من الشهر الحالي بأنها تتفاعل بقوة في إتجاه عقده في موعده المقرر، ففي الضفة الفلسطينية ، هناك خلايا نحل متنافرة تعمل ليل نهار على تسويق فكرتها ورجالاتها، تستنفذ جل وقتها بالحديث الجانبي مع شهيق وزفير الأرجيلة، وذلك لإستعراض الإمكانيات القيادية من جهة والأمل الذي يرافقه قلق عميق من إمكانية الحصول على مكان في هذا المؤتمر من جهة أخرى!، وكنت أشرت في مقالة سابقة بأن المؤتمر لن يعقد في موعده!، والكثيرين سألوني، على ماذا إعتمدتُ فيما ذهبت إليه؟، وفي الأيام القليلة الماضية لم يصمت السؤال عن توقعي هذا بخصوص إن كان المؤتمر السابع سيعقد في وقته أم لا؟، ولا زالت إجابتي واضحة كما هي بأنه لن يعقد!.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن بعض الأخوة من أقاليم فتح الداخل وهم أصدقاء أعزاء، حادثوني ولسان حالهم كان غير لسان حالهم الذي يخاطب العامة من خلال كتاباتهم على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث أنهم باتوا قلقين من المستقبل القريب ومن مؤشرات حالة الصراع المقرونة به، والكل أصبح يبحث عن الطريق البديل إن وصلت الأمور إلى نطقة اللاعودة من السوء، لا بل ذهب البعض بعيداً ليعبر صراحةً عن إستعداداته للقفز من المركب الذي باتوا مقتنعين أنه غارق وأن المسألة لم تعد سوى وقت قصير!، كتعبير واضح منهم على عدم ثقتهم ويقينهم أو على الأقل عدم معرفتهم الجازمة بإمكانية عقد المؤتمر أم لا وما سيترتب على ذلك!.
لم يسمع مني أحد جواب يشفي غليله سوى أنني تحديت قناعاتهم جميعاً بدون تفاصيل!، بأن المؤتمر السابع لن يعقد في الموعد الذي حدد له بغض النظر عن الإستمرار بملئ إستمارات العضوية للمرشحين المنوي إعتمادهم لحضوره وإشاعة ما هو مضمونه بأن الدعوات قد خرجت بالفعل لأقاليم الخارج وهذا يجافي الحقيقة!، وبالتأكيد لي أسبابي التي أنطلق منها في تحليلي هذا وقناعاتي التي توصلت إليها وأعلنتها في وقت سابق وأؤكد عليها اليوم في مقالتي هذه!.
لكن مما لا شك فيه أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس إستطاع بذكاءٍ أن يشغل الساحة الفلسطينية ويلهبها بعيداً عنه، وذلك من خلال تحديد موعدٍ لإنعقاد هذا المؤتمر ، تم إختياره بعناية ودراسة فائقة ليكون مرناً عند التراجع عنه! ، لأنه يدرك أهميته للمتعطشين أن يصبحوا قادة لكي يطفئ نار رغباتهم الصاغرة أمام الإعجاب بالنفس وحب الذات!، وبالتالي سحب فتيل التوتر الذي كاد أن يشعل الساحة الفلسطينية ضد منظومته ، وشغل الجميع في التنافس فيما بينهم حتى لو كان ذلك مؤقتاً، وأكمل هو مسيرته بإرتياح نسبي بدون ضغوطات داخلية هائلة كانت تهدد منظومته إن فقد السيطرة عليها على الأقل في هذا الوقت الحساس الذي يُعتَبر ميت سياسياً بالنسبة له ويفتقر لميزة رفاهية المراوغة من خلال تسويق فكرة إمكانية تحقيق أي إختراقات سياسية أو حتى تحريك المياه الراكدة في ملف التفاوض حول عملية السلام.
لذلك كان لابد له من أن يخرج كارت الجوكر الذي شغل الساحات الفلسطينية جميعها بدون إستثناء وهو تحديد موعد لإنعقاد المؤتمر السابع !، حيث بدأت هذه الساحات سواء في قطاع غزة أو الضفة أو الشتات تشتعل حول الأسماء التي ستنال حظها من المشاركة في هذا المؤتمر المزعوم، وذلك من خلال البحث عن نيل الفرصة لتعبئة إستمارات العضوية فيه حتى يومنا هذا الذي يسبق إنعقاده بأسبوعين فقط!، وكأننا أمام مسرحية بناء قرية فنية تعتمد الكوميديا نهجها ومنتجها خاصة في ظل حالة الغموض التي تحيط بكولسات القائمين على تنظيمه ، وحرصهم على بث الشائعات حول الأسماء التي ستشارك في هذا المؤتمر والتي تم إقصائها أو إستبعادها!.
لذلك كشفت هذه الأمور، الهشاشة التي وصلت إليها الحركة التحررية الوطنية فتح من خلال إستكانة كادرها وإستسلامه لرغباته الطامحة، وعدم قدرته على التفكير في حالة الهوان التي وصل إليها!. مما جعله في حالة تخبط أفقدته القدرة على إلتزامه في مكانه بل سارع بالتنقل بين هذا وذاك ليضمن حجز المكان الجديد كل على حسب ما يراه هواه ومصالحه الذاتية ، بعيداً عن إيمانه أو قيمه الحركية التي يدعي بأنه يؤمن بها!، فلم يعد خصم الأمس كما كان سابقاً خصماً لذوذاً وإرتكب كل الموبقات الوطنية، ولم تعد مكانة قائد اليوم كما كانت بالأمس بأنه مغواراً ومحافظاً على الثوابت وصامداً وصماماً للأمان وكثير من الصفات التي كان يطلقها المتلونين كالحرابي على طرفي الخصومة حسب هواهم وما يتناسب مع مصالحهم! ،
فكان هناك خروجاً في مدينة نابلس ومخيماتها لمسلحين عبروا عن رفضهم لإنعقاد هذا المؤتمر الذي وصفوه بالإقصائي ويهدد وحدة حركة فتح في حال تم إقصائهم منه!، وكان هناك بالمقابل ممن يتحدث في غزة عن حالة اللعب على الحبال من المتسلقين للحاق بهذا المؤتمر وقد تم وصفهم بسماسرة الأصوات، أما في رام الله فحدث ولا حرج، فبكائيات وحردان وتشكيك في تاريخ هذا وذاك من جهة وتهديد ووعيد من جهة أخرى، حيث بدأت المقاهي والصالونات السياسية تعج بالنميمة حول من يُعتَقد بأ،ه سينال نصيبه بعضوية هذا المؤتمر وعبئ إستمارة عضوية وأخرين تم إستبعادهم وهم يرون بأنفسهم أحق من غيرهم، فإنشغلوا في بعضهم وتحقق الهدف من ذلك ليؤسس لضغائن مستقبلية لا يعلم مخاطرها إلا الله!.
الطريف أن أحدهم ممن عفى عليه الزمن وفي طريقه للمغادرة، أشاع بأن لديه عشرين بطاقة دعوة بدون أسماء، يستطيع أن يتيح لمن يختارهم من الأحباب والأصحاب لحضور المؤتمر كأعضاء مسجلين فيه ولربما بسيرة نضالية تفوق أعمارهم! ، فإنهالت عليه الإتصالات من المتسلقين والطامعين بنيل شرف العضوية في هذا المؤتمر بعد أن بات منسياً في الأونة الأخيرة عندما سُجلت في حقه سقطات وطنية غير عابرة!، وعندما علمت اللجنة المركزية بذلك وبخته وطلبت منه أن يكف عن هذه التصرفات الصبيانية!، وقالوا له فضحتنا!، إن كنا نحن لا نملك ضمانات ولا ندري بعد إن كان سيعقد هذا المؤتمر في موعده أما لا ؟!، فكيف لك أن تشيع ذلك؟!.
كما كثرت نشاطات البعض الذين يريدون أن يلفتوا الأنظار إلى سيرتهم الكفاحية والنضالية المزعومة ، وبأنهم لا زالوا موجودين وغير بعيدين عن المشهد السياسي والحركي!، بعد فترة من الإستجمام الطويلة التي قضوها في مكاتبهم الفخمة ورفاهيتهم العالية التكلفة، في وقت تعاليهم على أوجاع وألام أبناء شعبهم المكلومين!، وذلك ظناً منهم بأنهم لا زالوا يستحقون تبوء عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح!، كما أن البعض الأخر الذي لم يكن يحلم يوماً بأن يذكر إسمه في قوائم هذه الحركة على مستوى كادرها ، أصبح اليوم يختال ويعبر عن رفضه الحديث عن إمكانية ترشحه لمجلسها الثوري بل هو يتطلع لأن يكون عضواً في لجنتها المركزية!!، طبعاً في هذه الحالة نستطيع القول لا عجب في ذلك لأن لله في خلقه شؤون!.
أما أخر ، فيقول أن هناك ألف وأربع مائة أخ وأخت سيحضرون هذا المؤتمر ، هم من خيرة أبناء حركة فتح وهم من خاضوا مراحل نضالية مميزة كل بطريقته سواء في السجون أو الجامعات أو العمل الفدائي في الخارج والداخل، وهم رجال أشداء ذوي تجربة طويلة ولهم خبرة نضالية غير مسبوقة!، ويتمتعون بالحكمة خاصة في الإدلاء بأصواتهم الحرة في ظل رفاهية حرية الإختيار التي سيتمتعون بها كون أن هذا المؤتمر هو سيد نفسه! ، متناسياً بذلك أن الحرية في هذا المضمار مفقودة!، وأن الكثير من الأسماء التي يتم تداولها ليسوا بأشداء ولا هم بمناضلين أكفاء بل هم تابعين صامتين جاءوا كعدد مطلوب فقط لا غير!، لا بل ذكرني ذلك بأن هناك من هؤلاء الأشداء الوهميين من كتب سيرته النضالية عندما إلتحق بفتح في غفلة من الزمن في السنوات الأخيرة وهو لا يعرف قيمها ولا حتى جوهر الإنتماء إليها إلا بالفطرة حباً في كوفية الراحل عرفات كغيره الكثيرين من ابناء الشعب الفلسطيني ، وقدم نفسه بأنه كان من ابناء هذه الحركة العملاقة المخلصين منذ ما يزيد عن الثلاثين عاماً، وقد شارك في حرب بيروت، وكان من صائدي الدبابات والطائرات خلال حصارها، وعندما سألنا عن عدد هذه الدبابات والطائرات البلاستيك التي إصطادها هؤلاء المخبولين ، رد علينا من يهتم بسيرهم النضالية الوهمية المحبوكة والتي على أساسها جعلهم أعضاء أقاليم، هذه أسرار حركية لا يجوز الحديث فيها!.
أما في الساحات الخارجية فكانت ردات الفعل قاسية ، ما بين مؤتمرات تدين عقد هذا المؤتمر المزمع عقده في رام الله وبين خطابات حماسية وسط زخات رصاص المسلحين في سياق ثقافة موروثة لم تعد مقبولة، ولكنها لا زالت تهدد النسيج الإجتماعي ومكوناته الثقافية والوطنية!، وبين التهديد والوعيد بأن هذا المؤتمر غير شرعي ولا قيمة لنتائجه!، فإنشغل الجميع في بعضهم، وتناسوا هموماً وتحديات ومخاطر تحيق بهم جميعاً ، وبقي الرئيس هادئاً مسافراً ملتزماً في برنامجه في الظاهر ، ولكنه بالتأكيد قلقاً من عما ستؤول إليه الأمور في حال إنفلاتها، ولكن يبدو بأنه يعرف ما يفعل ويعرف كيف يستفزهم ويشغل بالهم ونجح في ذلك!.
أخيراً ، مع تأكيدي مرة أخرى بأن المؤتمر السابع لحركة فتح لن يعقد في موعده المقرر ، ولدي مبرراتي في ذلك!، أتمنى أن يدرك الجميع بأن المؤتمر السابع وإن كان هاماً جداً في إفراز جيل جديد من القيادة الفلسطينية ، إلا أن أصحاب القرار من الجيل القديم من المتحكمين بضوابط الأمور، يعلمون بأن محاذير إنعقاده بدون توافق داخل حركة فتح نفسها، هي غاية في الخطورة وستزيد من تحدياته!، حيث أن صاحب القرار الفلسطيني ليس اللاعب الوحيد في ملعب هذا الموضوع خاصة فيما يتعلق بضمان إنعقاده!، بل هناك عوامل إقليمية ودولية لها تأثيرها لا يمكن إغفالها أو تجاهلها!، وبالتالي كما كان مخرج تأجيل الإنتخابات البلدية التي كان من المفترض عقدها مؤخراً سلساً، سيكون هناك مخارج أخرى لتأجيل هذا المؤتمر أكثر سلاسة!، ولكن لا يعني ذلك بأن اللاعب المحترف الأساسي في هذا الموضوع وهو الرئيس محمود عباس الذي أنقذ منظومته ببراعة من الإنهيار ومواجهة الشارع الفلسطيني ، لن يبقى قوياً في المرواغة وإستنفاذ الوقت لأجل طويل ، بالرغم من أنه ضمن بذلك بقاء منظومته بدون عناء على الأقل لعدة شهور قادمة، وإن كانت قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة ، حتى تتضح رؤية السياسة الدولية الجديدة مع إستلام الإدارة الأمريكية الجديدة مهامها!، ولكنها في غاية الأهمية بالنسبة لإستمراره في برنامجه البرتوكولي وعلى رأس منظومته، وخاصة فيما يتعلق بإتضاح الصورة بخصوص إمكانية عقد مؤتمر باريس الدولي للسلام أم لا، وهو الذي يراهن عليه ويعتبره الأمل الوحيد المتوفر والمتبقي أمامه بالرغم من ضعف فرصة إمكانية إنعقاده، وذلك كي يستطيع أن يحقق إختراقاً سياسياً يبني عليه للإستمرار في المرحلة القادمة من عدمه!.
لذلك إن تساءلنا إن كان ذلك ممكناً أم لا؟!، في تقديري أن شهر فبراير 2017 سيشهد الجواب على ذلك!، وسيحدد طبيعة المرحلة القادمة وتحدياتها ومتطلبات العمل فيها، ولكن بالتأكيد سيدرك الجميع بأن الرئيس عباس كان بارعاً في إشغال الساحة الفلسطينية في فكرة إنعقاد المؤتمر السابع وتفاصيله طوال افرتة السنوات الماضية كلما تعرضت منظومته لضغوطات داخلية تهدد بقائها وذلك لضمان إخراجها من مخاطر التحديات التي واجهتها!.
بقلم/ م. زهير الشاعر