والتأكيد على أهمية تشكيل لجنة فنية لتوثيق الأخطاء الطبية وبلورة قانون لحماية المؤسسات الصحية، ارتأينا في مجلة آفاق الفلسطينية تسليط الضوء على قضايا الخطأ الطبي والإهمال الطبي من منظور قانوني واجتماعي لنظر لان الموضوع يؤرق المجتمع الفلسطيني وتسليط الضوء على هذا الموضوع ضرورة ملحه لأهميته بحيث بات يتطلب تحديث القوانين والتشريعات بحيث بات يتطلب التامين على الأخطاء الطبية في المستشفيات الحكومية والخاصة وضرورة تشكيل لجنه فنيه لتوثيق الأخطاء الطبية وفق تقرير للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن «ديوان المظالم»، والذي أثار جدلا واسعا بين ممثلي القطاع الطبي والنقابات من جهة، والمرضى والمحامين من جهة أخرى.
لقد ضحايا الخطأ الطبي والإهمال الطبي من القضايا التي تشغل الرأي العام الفلسطيني ، حيث كثرت ضحايا الخطأ والإهمال الطبي مما يتطلب تسليط الضوء على هذه القضية الملحة
فمهنة الطب مهنة نبيلة وساميه ولا غنى عنها أبدا نظرا لتنوع الأمراض ،وتعقدها وحاجة الإنسان الماسة للطبيب عند الإصابة بالمرض,وقبل أن تكون العلاقة بين المريض والطبيب علاقة قانونية هي بالدرجة الأولى علاقة إنسانية , والأخطاء الطبية واردة الحدوث شأن سائر المهن فمن يعمل يخطئ ,والرسول (ص) قال (كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون) وتوجد حكمة مشهورة أنه يجب على الرجل الحكيم أن يعتبر أن الصحة هي أعظم ما حصل عليه الإنسان من نعم وهي تاج يملكه الأصحاء لكن لا يراه سوى المرضى .
الأخطاء الطبية حقيقة واقعية علينا مواجهتها لأنه لا فائدة من اتخاذ موقف النعامة تجاهها .
: تعريف الخطأ الطبي
يقصد به انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف وما يقتضيه من يقظة وحذر لدرجة يهمل فيها الطبيب مريضه مما يسبب إلحاق الضرر بالمريض.
يعتبر القضاء والفقه القانوني في معظم الدول أن التزام الطبيب تجاه مريضه هو التزام ببذل العناية أي يتوجب على الطبيب أن يبذل قصارى جهوده الصادقة المتفقة مع أصول الطب والقواعد الطبية المتبعة.
يحصل الخطأ الطبي عادة جراء تقصير أو إهمال من قبل الطبيب المداوي أو الجراح أو طبيب التخدير أو باقيال تخصصات.
ويسأل الطبيب عن خطئه أيا كان جسامته عندما يرتكب تقصير في سلوكه الطبي لا يتفق مع طبيب يقظ وجد في نفس الظروف الخاصة التي أحاطت بالطبيب المسئول مع مراعاة ذات التخصص.
: أشكال الأخطاء الطبية وأسبابها
أولا : أهم الأخطاء الطبية الشائعة
الخطأ في تشخيص المرض
الخطأ في العلاج- Treatment Error : صحيح أن الطبيب حر في اختيار طريقة العلاج لكن ذلك مقيد بعدم تعريض المريض للخطر أو التجربة .
أخطاء التخديرAnesthesia Error : وتقع خلال تنفيذ العمليات الجراحية ويسأل عنها طبيب التخدير.كالخطأ في تقدير كمية البنج أو طريقة التخدير.
أخطاء الجراحSurgery Error-:وهي النوع الشائع كما في حالة نسيان أداة جراحية مشرط , مقص, شاش,أو إهمال تنظيف الجرح وخياطته بشكل جيد أو استئصال عضو صالح عوضا عن العضو التالف .....
و- أخطاء التعقيم Sterilization Error-: وتعاني منها أغلبية المشافي والعيادات وتقع جراء استعمال أدوات جراحية غير معقمة من الطبيب أو الجراح أو عدم تعقيم غرف العمليات جيدا, وتقع أحيانا في عيادات أطباء الأسنان.
: أسباب الأخطاء الطبية :
لا يمكن حصرها ولعل أهمها:
الإهمال الفاضحGross Negligence وضعف الكفاءة لدى بعض الأطباء .
عدم الانتباه والحذر .
عدم الالتزام بالقوانين والأنظمة الصحية .
إهمالا لتعقيم.
جشع بعض الأطباء وسعيهم وراء لزيادة دخلهم من خلال عيادتهم الخاصة على حساب صحة مرضاهم في المشافي العامة.
التقصير والإهمال الفاضح الذي يتصف به بعض أفراد الكادر التمريض في المشافي العامة
إحصاءات في العالم :
في بريطانيا تعد الأخطاء الطبية السبب الثالث للوفاة بعد السرطان و السكتات القلبية , في أمريكا هي السبب الثامن للموت , في روسيا يذهب ضحيتها سنويا حوالي 50 ألف شخص بينما ضحايا حوادث السير أقل من 35 ألف شخص ,
تناولت شريعة حمو رابي بالمواد 281و219 عقوبة الطبيب المخطأ من قطع اليد إلى العبودية.
عند الإغريق حدد الأطباء واجبات الطبيب وكان لديهم أشهر الأطباء مثل ابقراط الذي وضع قسم الأطباء,و جالينوس ومن حكم سقراط في الطب( ثمة شيء واحد حسن هو المعرفة وشيء رديء هو الجهل).
في العصور الوسطى :
كان الطب حكر للنبلاء أما باقي الشعب فكانوا حقل تجارب للسحرة بينما كان الطب يشع ازدهارا لدى العرب المسلمين فكان الرازي وابن النفيس وابن سينا صاحب كتاب القانون في الطب الذي مازال مرجع هام في جامعات باريس الراقية
وعند المسلمين :
جاء في القرآن الكريم :
(ليس عليكم جناح فيما أخطأتم ولكن ما تعمدت قلوبكم ) الأحزاب (أية 5)
وجاء في الحديث النبوي عن الرسول (ص):
(من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن )
وتوجد قواعد فقهية مشهورة مثل ( الضرر يزال ولا ضرر ولا ضرار ), و( المباشر ضامن وإن لم يتعهد )و (الضرورات تبيح المحظورات ).
حاليا :
كل دول العالم لا تسمح بمزاولة مهنة الطب إلا من قبل الأطباء الحاصلين على الإجازة في الطب
تعريف المسؤولية القانونية وأنواعها
المسؤولية-liability هي حالة الشخص الذي ارتكب أمر يستوجب المؤاخذة .
أقسامها:
أدبية (أخلاقية )
قانونية (جزائية أو مدنية أو كلاهما )
الفصل الثاني : المسؤولية الجزائية
تبنى المشرع الفلسطيني كغيره من التشريعات المعمول بها مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني)
ممارسة الطبيب لأعمال الطب هو فعل مباح بشرط التزام الطبيب بقواعد الطب و التقيد بشروط محددة وهي :
أن يكون الطبيب مرخصا له قانونا مزاولة المهنة .
هدف التطبيب العلاج وليس التجريب.
انطباق العمل الطبي على أصول الفن الطبي
الحصول عل إذن المريض أو وليه في حالة الإغماء أو الضرورة الماسة .
علما أنه لا يؤخذ إذن المريض في حالة الأوبئة والأمراض السارية مثل الكوليرا ,السل ,الأنفلونزا (الطيور , الخنازير ...) أو في حالة وجود خطر على حياة المريض أو ضرورة التدخل الجراحي لإنقاذه ولا يوجد أحد من ذويه ..
ويلاحق الطبيب المخالف بدعوى الحق العام ,ويستطيع المضرور أو وليه الادعاء شخصيا أو تقديم شكوى وبذلك تحرك النيابة العامة دعوى الحق العام وتدعي على الطبيب المسئول عن الخطأ الطبي ,و
-انقضاء دعوى الحق العام :
ويكون من خلال العفو العام أو الحكم بالإدانة أو البراءة أو التقادم وهو عشر سنوات في الجناية وثلاثة سنوات بالجنحة وسنة واحدة بالمخالفات من تاريخ وقوع الفعل ألجرمي .
* دعوى الحق الشخصي :
إذا أقام المضرور دعوى التعويضCompensation تبعا للدعوى العامة فإنه يطبق قانون أصول المحاكمات الجزائية وتفصل المحكمة بالعقوبة والالتزامات المدنية معا .
-لا تأثير للعفو العام على الحقوق الشخصية للمضرور فتظل دعوى الحق الشخصي من اختصاص المحكمة الواضعة يدها على دعوى الحق العام.
** سقوط حق المضرور باللجوء للقضاء الجزائي في عدة حالات:
1-العفو الخاص
2-وفاة الطبيب المسئول
3-تنازل المريض عن شكواه بحق الطبيب (الصفح)
اختيار المضرور الطريق المدني لطلب التعويض.
ويتحدد التعويض حسب جسامة الضرر اللاحق بالمريض ويعتبر الفعل الضار واقعة مادية وبذلك يستطيع المريض المتضرر من خطأ الطبيب إثبات الضرر بالشهادة والقرائن والخبرة الطبية والتقارير الطبية .
أركان الخطأ الطبي :
الخطأ الطبي لاعتباره فعل جرمي لابد من قيام الركن المادي والركن المعنوي معا.
أولا: الركن المادي وهو مكون من ثلاثة عناصر هي 1-الخطأ(التعدي)
2- الضرر
3-الرابطة السببية بين الخطأ والضرر
الشرح:
الخطأ: ويتمثل بسلوك إيجابي أو سلبي (امتناع عن تأدية واجب قانوني مثل عدم إيقاف الطبيب النزف مما سبب وفاة المريض ).وقد عرفت محكمة النقض السورية الخطأ بأنه (انحراف في السلوك والتقصير ببذل العناية بصورة تؤدي إلى الإضرار بالغير) قرار 107 تا 26 121962 المحامون 1962 العدد الرابع .ويتم إثبات خطأ الطبيب بإثبات إهماله وعدم يقظته أو جهله لأصول الطب.
الضرر : ويجب أن يكون محقق ومباشر
الرابطة السببية بين الخطأ والضرر ( النتيجة الجرمية ): أي أن الضرر اللاحق بالمريض نجم عن خطأ الطبيب ويستطيع بالمقابل الطبيب درء المسؤولية الجزائية بنفي رابطة السببية بإثبات خطأ المريض كإهماله تعليمات الطبيب أو وقوع الخطأ من قبل الغير أو إثبات حصول الضرر بفعل سبب أجنبي .
-علما أنه لامقاصة في الأخطاء في القانون الجزائي لكن خطأ المضرور يسهم في تخفيف العقوبة والتعويض المفروضة بحق الطبيب المهمل .
تقدير توافر الرابطة السببية:
يعود تقدير ذلك لمحكمة الموضوع التي تستطيع الاستعانة بالخبرة الطبية . في حال رأت المحكمة عدم توافر السببية ينجم عن ذلك عدم مسؤولية الطبيب جزائيا .
: الركن المعنوي:
ويتطلب توافر الأهلية الجزائية والإرادة الحرة لحظة ارتكاب الفعل ألجرمي من قبل الطبيب. وهنا نميز بين القصد والخطأ:
في القصد( العلم والإرادة متجهين للفعل والنتيجة)
أما في الخطأ (الفاعل عالم بالفعل وموجها إرادته إليه لكنه غير عالم بالنتيجة مع انه من واجبه أو باستطاعته العلم بها ولأكنه لم يتخذ الاحتياطات الكافية لتجنب حدوث تلك النتيجة ).
أخيرا : كيف يتم مقاضاة الطبيب المخطأ وما هي المحكمة الجزائية المختصة مكانيا في محاكمته :
التقاضي : يتقدم المضرور بإدعاء شخصي إلى النيابة العامة التي بدورها تحيله إلى فرع نقابة الأطباء لإجراء التحقيق المسلكي التي تقدم تقريرها إلى النيابة العامة وبناء على التقرير تحرك دعوى الحق العام .
وهنا لا بد من الإشارة إلى التطبيق العملي حيث يتم توقيف الطبيب بحجة حمايته من ردة فغل ذوي المريض (المضرور وخاصة في حالات الوفاة بسبب الإهمال )وقد تظهر فيما بعد براءة ذلك الطبيب فيما بعد أو عدم مسؤوليته مما يلحق ضرر كبير بسمعة ذلك الطبيب ولعل الحل الوحيد لذلك يكون بالسماح للطبيب بتقديم كفالة نقدية عالية تضمن حضوره حتى يتم الشروع بمحاكمته .
المحكمة المختصة : تخضع للتسلسل التالي محكمة مكان ارتكاب الجرم ثم محكمة موطن المدعى عليه ثم محكمة مكان إلقاء القبض على المتهم وتكون النيابة العامة هي الخصم الأصلي في دعوى الحق العام .
المسؤولية المدنية- Civil Liability
أنواع المسؤولية المدنية :
النوع الأول :المسؤولية العقدية ( كما هي حال مسؤولية الطبيب في فرنسا ومصر وبريطانيا )حيث يعتبر الفقه القانوني هناك أن العلاقة بين الطبيب والمريض تستند لعقد تحقق من خلال فتح الطبيب عيادته وتعليق لوحة باسمه( الإيجاب )ودخول المريض العيادة ( قبول). وتترتب المسؤولية العقدية عندما لا يتم تنفيذ العقد وفق الوجه والشروط المتفق عليها.
أما النوع الثاني: وهي المسؤولية التقصيرية وتقوم استنادا إلى مسؤولية الطبيب عن عمله غير المشروع الذي ألحق الضرر بالمريض
يعتبر العمل غير المشروع أحد أهم المصادر الغير إرادية للالتزام ويطلق عليها بالواقعة المادية التي يستطيع المضرور ( المريض أو ذويه )إثباتها بكافة الطرق.
يحق للمريض نقل دعوى التعويض عن الخطأ المرتكب من الطبيب المقامة أمام القضاء المدني يحق له نقلها إلى القضاء الجزائي بشرط لم يصدر بعد حكم بالدعوى المدنية .ويسقط حق المريض المضرور من رفع دعوى التعويض أمام القضاء المدني في حالة اختار سلوك الطريق الجزائي تبعا لدعوى الحق العام .
وتقام هذه الدعوى في المحكمة التي يوجد بدائرتها موطن المدعى إليه .
نقاط هامة للغاية :
التزام الطبيب تجاه مريضه هو التزام ببذل عناية وليس تحقيق نتيجة ويلاحق الطبيب عندما يخرج الطبيب في مسلكه الطبي Medicine Conduct عن سلوك طبيب أخر بذات التخصص وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسئول(معيار الطبيب المعتاد ).
التقادم :
تتقادم الدعوى عن العمل غير المشروع بمرور 3 سنوات على ارتكاب العمل الضار وعلم المضرور بفاعله أو 15 سنة على ارتكابه, علما أن سقوط الدعوى المدنية لا يمكن أن يكون سابق لسقوط الدعوى الجزائية .
الإثبات :
يقع على عاتق المضرور ( المريض) إثبات خطأ الطبيب (إهماله أو تقصيره). وتلجئ عادة المحكمة إلى الاستعانة بالخبرة الطبية من قبل أطباء من نقابة الأطباء وعليه إن تضمن تقرير الخبرة الطبية حصول خطأ طبي تقرر المحكمة لزوم محاكمة الطبيب وإلا تقرر حفظ الأوراق وإعلان البراءة .
وبفعل الاخطاء الطبيه في فلسطين فقد
أثار تقرير للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن «ديوان المظالم»، حول الأخطاء الطبية في فلسطين، جدلا واسعا بين ممثلي القطاع الطبي والنقابات من جهة، والمرضى والمحامين من جهة أخرى.
جاء ذلك خلال ورشة عمل للتعليق على تقرير أصدرته الهيئة حول الأخطاء الطبية بعنوان:»نحو حماية قانونية متوازنة لأطراف الأخطاء الطبية»، عقدت بمقر الهيئة بمدينة رام الله، مساء امس.
وأوصى التقرير بوضع نظام قانوني متوازن للأخطاء الطبية، باعتبارها ظاهرة عالمية وليست محلية فحسب، غير أن طرق التعامل معها تختلف من دولة إلى أخرى على كافة المستويات الإدارية والقضائية والتشريعية.
ولفت التقرير إلى أنه لا يوجد في النظام القانوني الفلسطيني أية أحكام تشريعية خاصة بموضوع الأخطاء الطبية، وإنما ينطبق عليها الأحكام القانونية الإدارية والمدنية والجزائية العامة التي تنطبق بالعادة على مخالفة الأسس المهنية المتبعة من أصحاب المهن المختلفة، والتي يمكن أن تندرج في إطار التقصير أو الإهمال.
كما تحدث التقرير عن أنه لا يوجد في النظام القانوني الفلسطيني أية أحكام قانونية تلزم أصحاب المهن الصحية أو المؤسسات الصحية بالتأمين ضد الأخطاء أو الحوادث الصحية التي قد تقع منهم.
ولفت التقرير إلى أنه ليس هناك تصنيف لدى مجلس القضاء الأعلى الفلسطيني للأحكام القضائية والدعاوى الموجودة لديه، يمكن من خلاله معرفة كامل الأحكام القضائية والدعاوى الخاصة بموضوع الأخطاء الطبية المحكوم فيها أو المنظورة، وليس هناك أحكام قضائية صادرة عن محكمة النقض الفلسطينية تتضمن مبادئ قضائية مميزة في موضوع الأخطاء الطبية، ويكون من شأنها أن تدفع بالمشرع الفلسطيني إلى تبني تشريعات خاصة في هذا الشأن.
على المستوى الإداري، خلص التقرير إلى أنه ليس هناك أرقام إحصائية دقيقة عن حجم الأخطاء الطبية التي تقع في قطاع الصحة الفلسطيني الخاص أو العام، وإنما توجد بعض الأرقام المتناثرة هنا وهناك (لدى الهيئة أو لدى وزارة الصحة أو نقابة الأطباء أو النيابة العامة أو القضاء)، والتي يمكن من خلالها الاستدلال على وجود عدد، ليس بالقليل، من قضايا الأخطاء الطبية التي وقعت في المؤسسات الصحية العامة والخاصة.
وقال التقرير إنه ليس هناك معلومات واضحة عن توزيع قضايا الأخطاء الطبية بين القطاعين الصحي الخاص والعام، فمن مجمل الشكاوى التي اطلعت عليها الهيئة من واقع الشكاوى المقدمة لها بشأن الأخطاء الطبية والقضايا التي تنظرها النيابة العامة أو غيرها من المعلومات في ذات الشأن، يلاحظ انها توزعت بين كافة القطاعات الصحية الحكومية والأهلية والخاصة على السواء، ولا يوجد أي قطاع صحي في فلسطين يخلو من الأخطاء الطبية.
وتطرق التقرير إلى عدم وجود نظام متكامل لتوثيق قضايا الأخطاء الطبية، ودراستها، وأنه ليس هناك تقبل حقيقي للتعامل مع قضايا الأخطاء الطبية، وفي أغلب الحالات التي أعترف فيها بوقوع خطأ طبي، لم يتجاوز الإجراء المتخذ بحق من ثبت وقوع الخطأ منه اتخاذ إجراءات تأديبية فحسب.
وقال التقرير إن هناك مشكلة حقيقية في التحقيقات الإدارية التي تجري من لجان التحقيق الطبية الفلسطينية، حيث أنها قليلا ما تدين أحدًا بوقوع خطأ طبي، وإذا تطلب ذلك، ليس بشكل مباشر، وإنما من خلال جملة الإجراءات التي توصي باتخاذها في المؤسسة الصحية المشكو منها.
ولفت التقرير إلى أنه لا يوجد لدى نقابة الأطباء أو لدى وزارة الصحة لجان طبية فنية دائمة للتحقيق في الحوادث الطبية التي تقع في المؤسسات الصحية العامة أو الخاصة، وإنما يتم تشكيل لجان للتحقيق في الحادثة الطبية لدى وقوعها فقط.
وأوصى التقرير بالعمل على تطوير معالجة متوازنة بين الأطراف المختلفة في قضايا الأخطاء الطبية، ومراعاة التكلفة المالية اللازمة لإنفاذ توصيات هذه الدراسة، فإنه لا بد من القيام بمجموعة من الإجراءات التشريعية والقضائية والإدارية بشكل متدرج، في حين يتم العمل على التطبيق العاجل لبعضها.
وأكد التقرير أن هناك حاجة ماسة للشروع الفوري في عملية توثيق الأخطاء الطبية في فلسطين، كمقدمة ضرورية لمعالجة مشكلة الأخطاء الطبية من قبل الجهات الرسمية وغير الرسمية كافة، وأنه من الضروري الشروع الفوري في تشكيل لجنة فنية عليا دائمة.
وقال التقرير إنه يجب التركيز على أن المسؤولية عن الخطأ الطبي ليست مسؤولية فردية، بقدر ما هي مسؤولية مشتركة بين الأفراد والمؤسسات والنظام الطبي والعلاجي معا، حيث أن الخطأ لا يصيب المريض إلا بعد مروره بعدة خطوات وبعدد من الأشخاص والأدوات والإجراءات، تضافرت في مجملها على تكوينه.
وشدد التقرير على ضرورة تشجيع الأطباء وكافة العاملين في القطاع الصحي للإبلاغ الطوعي عن الأخطاء الطبية، وتعزيز دورهم في هذا الشأن، من خلال البحث في وضع طريقة مناسبة وفعالة تساعدهم في الإبلاغ، ضرورة أن يقوم مجلس القضاء الأعلى بتصنيف القضايا التي ينظرها وما يصدر عنه من أحكام على أساس حقوقي وموضوعي.
وتحدث التقرير عن ضرورة بلورة قانون يلزم المؤسسات الصحية بالتأمين ضد المسؤولية المدنية عن الأخطاء الطبية، بحيث يكون قانونا متوازنا من شأنه حماية المؤسسات الصحية والعاملين فيها من الأخطاء الطبية، وفي ذات الوقت حماية حقوق المرضى في هذا المجال.
وكان افتتح الورشة المفوض العام لديوان المظالم أحمد حرب، بحضور وزير الصحة هاني عابدين، بالتأكيد على أن ازدياد الشكاوى المقدمة للهيئة حول الأخطاء الطبية أدى إلى توجه لإعداد هذا التقرير.
وأكد عابدين، أن الوزارة تسعى للقضاء على الأخطاء الطبية ولكن النواقص التي تعاني منها الوزارة وضعف البنية التحتية ونقص الكوادر يحول دون ذلك.
وطالب عابدين باستحداث قانون يحدد العلاقة بين المريض والطبيب من جهة وبين الطبيب ومؤسسته الطبية من جهة أخرى، وأنه يجب أن يكون هناك أيضا تأمين على الطبيب والمرافق الصحية.
وأكد المفوض في ديوان المظالم ممدوح العكر، أن المسألة ليست هجوما على الأطباء بل مراعاة لحقوق الطبيب والمؤسسة الصحية مع وصول المواطن لحقوقه في الطرف المقابل، والتقرير يؤكد أن الخطأ الطبي لا يمكن منعه.
وأشار القاضي محمود أبو جاموس، رئيس محكمة بداية وصلح رام الله، إلى أنه يجب النظر للأخطاء الطبية من جوانب عديدة، أهمها أن الخطأ الطبي خطأ بشري وارد، ولكن يجب عدم التعامل معه على أنه قضاء وقدر بل يجب التحقيق والتحري فيه.
وطالب أبو جاموس بالعمل على خلق إجراءات وقائية للحد من الأخطاء الطبية كما ونوعا صيانة لحقوق الموطن، وضرورة إلزام الأطباء والمؤسسات الصحية ببوليصات تأمين ضد الأخطاء الطبية.
وبحسب قانون العقوبات المعمول به في الأراضي الفلسطينية يترتب على الطبيب الذي ثبت وقوع إهمال منه، ثلاثة أنواع من المسؤولية: مسؤولية تأديبية تفرضها الجهة التي يتبعها الطبيب مهنيا أو وظيفيا، كنقابة الأطباء أو وزارة الصحة، ومسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية تفرضهما المحكمة بناء على طلب النيابة العامة، أو مطالبة المتضرر أو ورثته.
ويقصد بالمسؤولية الجنائية حالة الشخص الذي ارتكب فعلا سبب ضررا للغير، ما يستوجب مساءلة القانون له بعقوبة جزائية. فقد يهمل الطبيب ويخل بالتزاماته المهنية، فينتج عن عمله هذا إضرار بالغير، ما يستوجب مساءلته جنائيا.
وتتنوع حالات الإهمال الطبي في إساءة معاملة المرضى، وإعطاء كمية مرتفعة من المخدر لا تتلاءم مع سن أو وزن المريض، وإعطاء وحدات دم ملوثة، وترك مواد في بطن المريض، وعدم دقة التشخيص, كما اختلفت النتائج التي خّلفها الإهمال، فبعضها نتج عنه ضرر بسيط بالمريض، لكن بعضها الآخر أدى إلى الوفاة.
وتشير مراكز حقوق الإنسان إلى أنها تلقّت خلال السنوات الأخيرة الماضية عشرات الشكاوى حول موضوع الأخطاء الطبية، وإهمال الجهات المختصة بالتعامل معها بجدية وحزم، رغم النتائج الوخيمة التي نتجت عن بعض هذه الحالات كالإعاقة أو حتى الوفاة.
ويبقى الباب مشرعا أمام المزيد من الضحايا ما لم تقدم شكوى بحق الأطباء المخطئين، أو تصك قوانين تحد من تلك القضية.
بقلم/ علي ابوحبله