الجَرَسْ والخَرَسْ

بقلم: طلال الشريف

في مسرحية "الجَرَسْ والخَرَسْ" يتبين مدى الاستهتار بصوت قرع الجرس من الأصحاء واستمرار الطرش ليس لدى الصم البكم فقط بل الأخطر هو هذا التماهي والتعود على الطرش من السميعة والبرامين في مدرسة الصم والبكم.

ناظر المدرسة يرفض التقاعد وترك موقعه بكل الطرق ويتآمر على كل من هو قادم للنظارة الجديدة للمدرسة مع بداية كل عام دراسي جديد.

في العام الماضي طرد أمين السر بعد أن شك في علاقته بالمدرس الكفء القوي المرشح لنظارة المدرسة وعاقب مدير المشاريع الأكفأ لأنه تصور أنه قد شرب القهوة مع من يحظى بفرصة التعيين للنظارة.

الخرسان والطرشان في المدرسة أصبحوا محترفين في معرفة دَقَة الجرس دون سماعها عندما يرون بواب المدرسة الأبكم الأصم ينظر لساعته ويقترب من حبل الجرس ليسحبه إلى الأسفل عدة مرات والسميعة الآخرون في المدرسة لا يعيرون صوت الجرس اهتماما.

في نهاية العام الشهير مات الناظر التاريخي للمدرسة دون معرفة أسباب الموت المفاجئ وقرر الأستاذ الحاكي السامع الوحيد في الفصل أن يأخذ تلاميذه الصم البكم في رحلة استكشاف لجبل الجليد الذي قيل أنه قد تسبب بوفاة الناظر التاريخي ولكن من أين أتى هذا الجليد المزعوم فهم في بلد ليس به جليد ومناخهم متوسطي ويبعد عن سيبيريا آلاف الكيلومترات.

ذهب الاستاذ وتلامذته يجمعون الأدلة ويتحرون كل المشبوهين عن انهيار الجبل الجليدي الذي قتل ناظرهم السابق ومكثوا طويلا يتأملون ويحللون كل شاردة وواردة وعلم الناظر الحالي برحلتهم قبل الإنطلاق حين استأذنوا منه وسارت الأحداث والبُكم والصُم فرحين برحلتهم الاستكشافية فهم مثل الأصحاء يعرفون أن الحياة عبارة عن اكتشاف واستكشاف والناظر لا يعير ذلك اهتماما.

كان الاستاذ وتلامذته في واد والناظر في واد آخر، هم منشغلون في رحلتهم لا يعرفون على وجه الدقة كيف انهار الجبل الجليدي الافتراضي وكان الناظر منهمكا في موضوع بعيد عما يسعون إليه ، كان هو منشغلا في استعراض كل الطرق والحيل لعدم تمكين الناظر الجديد وهو الذي كان صديقه قبل أن تتهيأ الظروف ليصبح على وشك النظارة الجديدة.

وقبل بداية التحضير لاحتفالات العام الجديد وصل الناظر المتمترس في المدرسة لفكرة شبه مضمونة لمنع الناظرالمرشح الجديد فقام بفصله من المدرسة قبل مدة واستمر يحاربه خارج المدرسة لأنه الأكفأ وقبل الاحتفال بالعام الجديد بأيام شعر الناظر أن المسؤولين عن التعليم يرددون اسم المدرس الكفء وهم من يستطيعون تعيينه مكانه حيث انتهت صلاحياته وقد يستدعون هذا المدرس الكفء للوظيفة من جديد.

قرر الناظر أن يكشر عن أنيابه بعد أن ضاق الخناق عليه لترك النظارة وبدأ يهذي ويخبط يمنة وشمالا لا يعرف ماذا يفعل وسار في الشوارع هائما يتهم التلامذة والمدرسين بعدم الولاء عمال على بطال ويقطع عن المدرسة الماء والكهرباء والدواء.

قبل الاحتفال بالعام الدراسي الجديد بأيام قليلة والاستاذ الحاكي والسامع الوحيد وتلامذته يُحضِرون متاعهم للعودة من رحلة استكشاف جبل الجليد وبينما كانوا يقطعون الشارع للجهة الأخرى جاءت سيارة مسرعة لتدهس الاستاذ وبعضا من تلامذته فتوفي الاستاذ الشاهد الوحبد وذهب الناظر الهاذي للإحتفال ليقول ما يشاء ولا أحد من الخُرْس يستطيع الكلام فالحاكي السامع قد مات والآن يستطيع الناظر توزيع الاتهامات كيفما يريد .. حلم مزعج صحاني من نومي.

بقلم/ د. طلال الشريف