لا بد من خريطة طريق فلسطينية

بقلم: علي الصالح

لا أشاطر المستوى الرسمي الفلسطيني قلقه من فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، بالرئاسة الأمريكية. ومصدر القلق الفلسطيني تصريحات صدرت عنه خلال حملته الانتخابية بشأن القضية الفلسطينية وإسرائيل، منها إمكانية تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية دولياً، وإعلان ترامب عن عدم نيته الضغط على إسرائيل وإمكانية أن تستغل الحكومة الإسرائيلية ذلك وتفعل ما تريد.
وهذا ما بدأ يظهر عندما أخذ الحماس الكثير من الوزراء في حكومة الائتلاف اليميني المتطرف في تل أبيب، فراحوا يدعون لضم الضفة الغربية وتشريع البؤر الاستيطانية. سبب آخر للقلق وهو احتمالات زيادة الدعم الأمريكي لإسرائيل، خاصة من الناحية العسكرية. وثالثا الوعد بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.. ورابعا الخوف من دق المسمار الأخير في تابوت حل الدولتين. وخامسا القول إن الولايات المتحدة ستقف ضد كل محاولة فلسطينية أو أوروبية أو غيرها تهدف إلى فرض تسوية. وسادسا إعرابه عن محبته لإسرائيل، والقيم المشتركة التي تتبادلها الولايات المتحدة وإسرائيل كحرية التعبير وحرية العبادة وتحقيق أحلام الشعوب. وقوله "أعرف جيداً أن "إسرائيل" هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والمدافعة الوحيدة عن حقوق الإنسان".
ما صدر عن ترامب في حملته الانتخابية، تردد في حملات انتخابية سابقة وعن مرشحين جمهوريين وديمقراطيين، في إطار اللهث وراء كسب الصوت اليهودي. وما يقوله المرشحون خلال الحملات الانتخابية "لم يقله مالك في الخمر".
شيء إيجابي ربما وحيد في انتخاب ترامب، وهو أن الفلسطينيين في عهده لن يكونوا وحدهم في ميدان المواجهة.. فهناك السود الذي هاجمهم، وهناك ذوو الاحتياجات الخاصة الذين سخر منهم، وهناك النساء اللاتي لم يفلتن من لسانه وهجومه، أضف إلى ذلك المكسيكيين الذي وصفهم بالقتلة والمجرمين ومغتصبي النساء وتجار المخدرات والتهديد بترحيل أكثر من ثلاثة ملايين يقيمون بشكل غير شرعي في الأراضي الأمريكية.. هذا اولا.
وثانيا فإن سلطات الرئيس في البيت الأبيض محدودة ولا يتصرف كما يحلو له.. فهناك مؤسسة حاكمة وهي التي تضع السياسات وتدير شؤون البلاد. وثالثا ترامب كغيره من المرشحين لأول مرة "ما عارف وين الله حاطه" كما يقول المثل، ويردد كالببغاء ما يقوله مستشاروه لتعزيز حظوظه في الفوز.. ويؤكد ذلك رد المرشح الرئاسي عن الحزب الليبرالي، غاري جونسون، عندما سئل في برنامج تلفزيوني صباحي: إذا فزت بالرئاسة، فماذا ستفعل بشأن حلب؟ فرد "ما هي حلب؟". تصور مرشح لرئاسة الدولة العظمى الوحيدة، لا يعرف حلب وما يدور في حلب التي تصدرت في الآونة الأخيرة ولا تزال تتصدر نشرات الأخبار في العالم، جراء أعمال القتل والتدمير التي لم تسلم منها المستشفيات والعيادات الطبية وحتى رياض الأطفال، ويتحمل مسؤوليتها الروس والنظام في الدرجة الأولى والفصائل ثانيا.. وقس على ذلك.
ترامب لم يقل شيئا لم يقله من قبل أو يعد به أو يقدم على فعله رؤساء ومرشحون سابقون.. ولنبدأ في وعده بنقل السفارة إلى القدس الذي قال مستشاره السياسي اللبناني الاصل وليد فارس إنه قصد نقل السفارة إذا حظي القرار بالإجماع.
وكما قال السفير الإسرائيلي الأسبق في الولايات المتحدة، زلمان شوفال فإن أكثر من 20 رئيسًا ومرشحًا ومسؤولاً في مجلس الشيوخ وعدوا بنقل السفارة. إنه وعد دائم لرؤساء أمريكا أثناء الحملات الانتخابية. وقال نائب الناطق بلسان وزارة الخارجية الامريكية مارك تونر، إن كل الإدارات رفضت الاعتراف بسيادة أي دولة على القدس، ومنذ 1995 فرض الرؤساء من الحزبين الفيتو على تطبيق قرار الكونغرس المتعلق بنقل السفارة، وستوضح إدارة أوباما ذلك للإدارة الجديدة خلال الفترة الانتقالية.
ونقدم نماذج للرؤساء والمرشحين الذين قدموا مثل هذا الوعد:
هيلاري كلينتون نفسها قالت إنها ستنقل السفارة إلى القدس. وجورج بوش الابن قال "في يومي الأول في المكتب البيضاوي، سأنقل السفارة إلى القدس". وقال بيل كلينتون إنه يدرس "نقل السفارة… حتى إنّ لدينا قطعة أرض جاهزة لذلك". وفي عام 1984 قال رونالد ريغان: "ربّما أدرس نقل السفارة إلى القدس". وشرّع مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1995، قانونًا ينص على أن سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل ستُنقَل إلى القدس في موعدٍ أقصاه 31 مايو 1999.
* زيادة المساعدات لا سيما العسكرية لإسرائيل: فهل توقفت يوما هذه المساعدات.. ألم تتوصل إدارة اوباما في سبتمبر الماضي إلى أكبر التزام بالمساعدات العسكرية بقيمة 38 مليار دولار للسنوات العشر المقبلة.
تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية دولياً، وإعلان ترامب عن عدم نيته الضغط على إسرائيل: فالقضية الفلسطينية تحتل المقاعد الخلفية في الاهتمام الدولي، مع تصاعد ما يسمى بالربيع العربي وظهور تنظيم "داعش" واخواته. والدليل انه وبعد المفاوضات الفاشلة برعاية جون كيري التي انتهت في إبريل 2014 لم تتخذ أي خطوات جدية للتسوية، رغم الزيارات التخديرية التي لم تنقطع للمسؤولين الدوليين لا سيما الاوروبيين.
* الاستيطان وعملية السلام: منذ توقيع اتفاق اوسلو المشؤوم قبل أكثر من23 عاما لم يتوقف البناء الاستيطاني، بل تسارع ليصل عدد المستوطنين إلى حوالي 640 ألف مستوطن، أي حوالي ثلاثة اضعاف عددهم وقت اوسلو، موزعين على 146 مستوطنة اساسية. وثمة تسريبات عن أن طاقم ترامب يحاول الاتفاق مع اسرائيل على البناء في الكتل الاستيطانية التي يجري الحديث عن ضمها في اي اتفاق سلام.. وهذا ما قاله افيغدور ليبرمان وزير الحرب الإسرائيلي.
* إعلان وفاة حل الدولتين.. وهل في هذا القول جديد.. وهل كان هذا الحل قائما على مدى السنوات الثماني من حكم الشاب اللطيف أوباما. هذه مخاوف لم يتوقف المسؤولون الفلسطينيون والاوروبيون وحتى الامريكيون عن ترديدها في السنوات الأخيرة، دون أن يفعلوا شيئا لتغيير الوضع القائم، وتصريحات ترامب "لن تزيد الطين بلة". الخوف من أن تقف الولايات المتحدة ضد كل محاولة تهدف إلى فرض تسوية، وتبريرها أن كل الأمور يجب أن تسوى في إطار المفاوضات المباشرة… وهو الموقف ذاته لإدارة اوباما وحكومة نتنياهو. بمعنى أنه ليس هناك تغيير في الموقف.
المحبة لإسرائيل، والقيم المشتركة المتبادلة كحرية التعبير وحرية العبادة.. إلى آخر هذه الديباجة، كلام ممجوج واسطوانة مشروخة.
اوباما كشخص جيد ولكن وجوده على رأس الهرم لثماني سنوات لم يغير من الواقع شيئا، خاصة على صعيد السياسات الخارجية.. هناك مؤسسة حاكمة تضع السياسات وتديرها أيا كان الرئيس، فقد ذهب بوش الاب وجاء كلينتون، وذهب كلينتون وجاء جورج بوش الابن، وذهب جورج الابن وحل محله اوباما ويذهب اوباما ويأتي ترامب وسيذهب ترامب ويأتي غيره، والقضية تراوح مكانها. كل هذه التغييرات لم تمنع الإدارة عن استخدام حق (الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي مشروع قرار فلسطيني، ولم يجعلها تغير تصويتها في الجمعية العامة حتى ضد سياسات تتفق معها مثل الاستيطان.
لعل صدمة ترامب توقظنا وتجعلنا نتوقف عن اللهث وراء سراب ما يسمى بالعملية السياسية التي مر عليها حتى الان خمسة رؤساء وحوالي ربع قرن من الزمن، لم يفلح الصالح منهم قبل الطالح، بل لم يؤذن له بفرض حل شامل وعادل. وبدلا من أن نضيع أوقاتنا وجهودنا "علينا أن نقعد مع انفسنا" ونعمل مراجعة شاملة تعيد النظر في وضع السلطة وفي استراتيجياتنا التفاوضية ومقاومتنا وأوضاعنا الداخلية وأولوياتنا… لا بد من خريطة طريق فلسطينية واضحة المعالم يشارك في وضعها كل مكونات الطيف السياسي الفلسطيني، تخرجنا من النفق المظلم الذي تعيشه القضية وتعمل على ترتيب البيت الداخلي عبر تحقيق المصالحة وبناء المؤسسات وتعزيز صمود شعبنا على أرضه وإبقاء المقاومة بكل أشكالها مفتوحة.

علي الصالح
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"