قرارات وثيقة مؤتمر عشائر الخليل...العبرة في التنفيذ

بقلم: راسم عبيدات

ما ورد في وثيقة مؤتمر عشائر الخليل الذي عقد يوم الإثنين الماضي 21/11/2016بحضور لمحافظ الخليل ورجالات الإصلاح والعشائر ورجال الدين ونخب وطنية وسياسة واعتبارية،خرجت عنه مجموعة من القرارات الهامة،والتي تصلح كوثيقة يجب وبالضرورة تعميمها على بقية أرجاء الوطن،حيث حوت الكثير من القرارات والبنود التي تحمل بعداً متطوراً ومتقدماً ليس على صعيد القرار،بل على صعيد المساءلة والمحاسبة والمعالجة،والتغير الجذري في الدعوة الى معالجة الإشكالات المجتمعية وحالة الفلتان والفوضى وسلطة المليشيات والمافيات بأشكالها المختلفة التي أصبحت سائدة في مجتمعنا الفلسطيني،بحيث باتت تهدد بشكل جدي وحدة المجتمع الوطنية والمجتمعية،حيث عمليات القتل والعنف المستشري والتعدي ليس فقط على سيادة القانون وحقوق الناس وممتلكاتهم وكراماتهم واعراضهم،بل نشهد ظاهرة فرض الخاوات والأتاوات على الناس وأصحاب المحال التجارية وأصحاب المصالح الاقتصادية وغيرها،وأبعد من ذلك بأن تلك العصابات والمافيات أصبحت تجد لها حواضن وحماية من قوى نافذة عشائرياً أو امنياً..الخ.
كذلك دعت الوثيقة في تطور لافت الى محاربة ظاهرة التكسب والإنتفاع من قبل بعض من يمارسون دور رجال الإصلاح والعشائر،فهؤلاء في سبيل مصالحهم ومنافعهم والمتاجرة في هذا الجانب وإتخاذه كمهنة وباب إسترزاق،فهم يعمقون من الخلافات والشعور بالظلم،ويهددون السلم الأهلي والمجتمعي من "خلال قلبهم للباطل حق والحق باطل".
على صعيد القرارات وما ورد في الوثيقة من بنود،لا يمكن لأي فلسطيني عاقل ان يرفض ما ورد فيها،فهي تصلح كوثيقة أو دستور ينظم ويضع النقاط على الحروف فيما يخص العلاقات المجتمعية وما يحدث من مشاكل وخلافات عشائرية وقبلية،وكيفية التصدي لها وحصارها ومعالجتها، ففي بندها العاشر قالت بأن "المجتمعين دعو وأكدوا على ضرورة التصدي لكافة انواع الفوضى والفلتان ومحاربة كافة ظواهر العنف ورفع الغطاء والحماية العشائرية عن الخارجين عن القانون والنظام،والنقطة الأهم هنا،والتي من شأنها أن تمنع تفاقم الإشكالات والخلافات العشائرية أو الطائفية،هي رفع الغطاء والحماية العشائرية وحتى المجتمعية عن الخارجين عن القانون والنظام والأعراف والعادات والتقاليد،وهنا نقطة الإختبار الجوهري والمعيار لنجاح مثل هذه الوثيقة،من خلال الترجمة العملية على أرض الواقع،أما أن تستمر العشائر والحمائل بتوفير الغطاء والحماية والحضانة،لمن يقوم به أحد او مجموعة من أفرادها بأعمال خارجة عن القانون او النظام،تحت حجج وذرائع حفظ وحدة العائلة او الحمولة،او العشيرة،فإن هذا سيبقى الوثيقة في إطارها النظري والشعاري،ليس أكثر، فهناك العديد من المؤتمرات والوثائق التي جرى عقدها وصياغتها،ولكن نتائجها لم تتعدى المكان الذي عقدت فيه،وبقيت بنود ها حبراً على ورق.
والتطور الأهم في هذه الوثيقة،هي تناولها عمليات القتل للنساء والفتيات على خلفية ما يعرف ب" شرف العائلة"،والتي كثيراً ما جرى ويجري إرتكابها على خلفيات لها علاقة بالتغطية على من قاموا بالفعل والجريمة ضد الفتاة او السيدة،وغالباً ما يكونوا في الدائرة المحيطة او المقربة من هذا الفتاة أو السيدة،حيث المجتمع بطبيعته الذكورية يلقي باللوم والفعل على الفتاة والسيدة وليس على الشاب والرجل،وكذلك فالكثير من الجرائم التي ترتكب عدا عن كونها خروجاً عن القانون والشرع والعادات والتقاليد،فإن أغلبها جرى على خلفية شكوك وإشاعات مغرضة،أو لغرض طمس أدلة وحقائق بحق الجاني،او حرمان للمجني عليها من حقوق وميراث.
والقضية الهامة الأخرى في هذه الوثيقة،هي إلغاء ما يعرف وما يسمى ب"فورة الدم" والتي تشرع وتبيح لعائلة المجني عليه/ها ممارسة كل أشكال العربدة والبلطجة من حرق وتخريب وتدمير وسلب ونهب لممتلكات الجاني وعائلته،والتي من شأنها صب الزيت على النار وتطور المشكلة الى مشاكل واحتراب عشائري وقبلي شامل،يوقع المزيد من الضحايا،والوثيقة أحسنت صنعاً عندما دعت الى تحميل عائلة المجني عليه لكل الخسائر والأضرار المادية والجسدية والمعنوية الناتجة عن أفعالها،واعتبارها مسؤولة عشائرياً وقانونياً ومالياً عن كل ما نتج وعليها التنفيذ.
في ظل التطور الحضري وتعقد الحياة الإجتماعية ،وتصويباً لمفاهيم الجلاء او الترحيل لعائلة الجاني،فهذا الفهم الذي سائد في أيام المرحلة الرعوية والزراعية،وعيش الكثير من السكان في خيام وبيوت من الشعر،كانت تجري عمليات الترحيل او الجلاء،دون مترتبات مكلفه مالياً،أو تركها للكثير من المشاكل والندوب والجروح والثارات الاجتماعية العميقة،رغم عدم صوابية وصحة هذا المبدأ بالمطلق،ففيه هدم وتدمير لأسس حياة اجتماعية واقتصادية لعائلات بأكملها لا ذنب لها فيما جرى من قريب او بعد،وبالتالي فالوثيقة صوبت هذا الخطأ والمفهوم بالترحيل أو الإبعاد للجاني فقط،وبأن يكون يسكن في مكان ملاصق لعائلة المجني عليها، وهي كذلك الغت ما يسمى بتسعه النوم نهائيا التي تعتبر منافيه للشرع والقانون والعادات والتقاليد وقيم شعبنا (تسعة النوم وتسمى بعير النوم، وهي تدفع مقابل إبقاء جزء من عائلة القاتل في بيتها دون ترحيل).
وأيضاً اكدت على ضرورة رسم استراتيجية متكاملة ما بين رجال الإصلاح والعشائر وما بين الأجهزة الأمنية،وطالبتها بالضرب بيد من حديد على يد كل العابثين بالسلاح والأمن وأرواح الناس،ومن يمارسون اعمال الإبتزاز والتهديد والخطف والإستقواء على الناس.
إن هذه الوثيقة الهامة جداً بحاجة الى تكاتف وتعاون الجميع سلطة وأجهزة وقوى وأحزاب ورجال إصلاح وعشائر ورموز وطنية وسياسية ودينية وتربوية واكاديمية واعتبارية وعشائرية ومؤسسات مجتمعية ،لكي تصبح هذه الوثيقة كما ورد فيها سياجاً وطنياً اجتماعياً حامياً للنسيج المجتمعي من التفكك والإنهيار،فهذه النقطة الجوهرية تكثف مجمل ما ورد في هذه الوثيقة،التي اعتبرها على درجة عالية من الأهمية،كونها تأتي في ظل ما يتعرض له مجتمعنا الفلسطيني من حالة من التفكك والإنهيار القيمي والأخلاقي والمجتمعي والتحلق العشائري والقبلي،وما نشهده من انهيارات كبيرة في منظومة القيم والأخلاق والأعراف والسلوك والأفعال التي تطال مجمل الحياة المجتمعية،حيث نشهد عمليات احتراب عشائري وقبلي شبه يومية يسقط فيها مواطنين ابرياء، يصاحبها عمليات حرق وتدمير وتعدي على الحرمات وتجاوز لكل الخطوط الحمراء وانتهاك ليس فقط لسيادة القانون الضعيفة،بل لكل الأعراف والتقاليد العشائرية والقبلية.


بقلم :- راسم عبيدات

القدس المحتلة – فلسطين
24/11/2016
0524533879
[email protected]