صرح الرئيس التركي أردوغان يوم 20 نوفمبر الجاري بأن الانضمام للاتحاد الاوروبي ليس خيار تركيا الوحيد وأن بلاده مهتمة بالانضمام لمجموعة شنغهاي للتعاون ، هذا التصريح أثار كثيرا من الجدل ما إن كان الأمر مجرد لعب على التوازنات الدولية وورقة ضغط على الأوروبيين ليتعاملوا جديا مع الطلب التركي المعلق منذ سنوات للانضمام للاتحاد الأوروبي،أم إرادة حقيقية بالانضمام لمنظمة شنغهاي كبديل للاتحاد الأوروبي؟. وفي حقيقة الأمر فإن هذا التحول في الموقف التركي غير منفصل عن التحولات السيواستراتيجية الدولية التي وسمت النظام الدولي ما بعد سقوط المعسكر الاشتراكي وتحديدا منذ العقد الأول من القرن العشرين .
ومن أهم هذه التحولات : الانتقال من الثنائية القطبية إلى نظام دولي سائب لم تتقعد أقطابه بعد حتى وإن كانت واشنطن وموسكو أهم الفاعلين فيه،تراجع الأيديولوجيا كمحدد للعلاقات الدولية بحيث لم يعد مجالا للحديث عن معسكر اشتراكي ومعسكر رأسمالي،تفكك أحلاف وقيام أخرى،تفكيك دول وقيام أخرى ومخططات لإعادة تقسيم بعض الدول،صيرورة المصالح الاقتصادية والهواجس الأمنية على سلم اهتمامات الدول،وتراجع دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في التحكم بسيرورة السياسات الدولية وحل النزاعات الدولية ، وأخيرا الفوضى التي تضرب العالم العربي تحت مسمى الربيع العربي .
قبل أن نبحث في أهداف تركيا من التوجه للانضمام لمنظمة شنغهاي ومدى جدية هذا الطلب لا بأس بأن نُقرب القارئ بهذه المنظمة التي تغرى اردوغان للانضمام لها بديلا عن الاتحاد الاوروبي . تأسست المنظمة رسميا عام 2001 وتضمّ الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزباكستان، وهناك محادثات لانضمام باكستان والهند وإيران ، وتشكل مجموع هذه الدول نصف عدد سكان العالم، وقد تشكل أقوى تكتل اقتصادي عالمي ، مع إمكانية تحولها لتكتل عسكري مواز لحلف الناتو ، مع أن دول المنظمة ينفون الصفة العسكرية عن المنظمة حيث إن أهدافها المعلنة في وثيقة تأسيسها هي : مكافحة الإرهاب ،مواجهة التطرف والحركات الانفصالية ، والتصدي لتجارة الأسلحة والمخدرات .
انطلاقا مما سبق نعتقد أن تركيا وبالرغم من عمق علاقاتها التاريخية الاقتصادية والعسكرية مع أوروبا وبسبب الجغرافيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي ،فإنها جادة بالانضمام لمنظمة شنغهاي للاعتبارات التالية :-
استمرار المماطلة الأوروبية في قبول عضوية تركيا الأمر الذي يشكل إهانة قومية لتركيا . وقد اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة صحيفة يوم 13 نوفمبر الجاري المفوضية الأوروبية "بأنها تريد دفع أنقرة إلى التخلي عن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي "وتحدث عن خيار إجراء استفتاء شعبي لحسم هذه القضية ، وجاء هذا التصريح قبل أيام من قرر البرلمان الاوروبي يوم أمس 24 نوفمبر تجميد محادثات انضمام تركيا للاتحاد ، وفي نفس اليوم قررت النمسا حظر تصدير السلاح لتركيا .
تراجع الحاجة الاستراتيجية العسكرية المتبادلة للطرفين والمترتبة على الحرب الباردة ووجود الخطر الشيوعي للاتحاد السوفيتي .
تزايد التوتر بين تركيا والأوروبيين في الفترة الأخيرة بسبب الموقف من الأكراد والتدخل التركي في سوريا ومشكلة اللاجئين ، بالإضافة إلى ملف انتهاك حقوق الانسان في تركيا خصوصا بعد محاولة الانقلاب الفاشل ، مع توتر علاقتها مع واشنطن لنفس الأسباب مع اتهام انقرة لواشنطن بدعم وحماية المعارض فتح الله غولن المتهم بوقوفه وراء عملية الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو الماضي .
ترى تركيا أن الانضمام للاتحاد الأوروبي لم يعد مغريا بعد خروج بريطانيا منه ومطالبات في دول أخرى بالانسحاب من الإتحاد ، فهذا الأخير مشروع في طريق الأفول وينتمي للماضي بينما منظمة شنغهاي منظمة ناشئة وواعدة وتنتمي للمستقبل .
انكماش الاقتصاد التركي وعدم قدرة اقتصاد دول اوروبا على فتح آفاق أمامه بعد الأزمات المالية التي تشهدها عدة دول أوروبية .
حاجة تركيا لغاز روسيا حيث تعتمد تركيا على روسيا في أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي المستخدم في التدفئة وتوليد الكهرباء.وحاجة هذه الأخيرة لتركيا لاستكمال مشروع "السيل التركي"، وهو مشروع لمد خط أنابيب من روسيا إلى تركيا ومنها لأوروبا لدعم صادرات الغاز الروسي ، هذا بالإضافة إلى أن قطاع السياحة في تركيا يعتمد كثيرا على السياح من الاتحاد الروسي .
تزايد حجم التبادل التجاري في السنوات الاخيرة ما بين تركيا والصين الدولة الأساس في مجموعة شنغهاي ، وقال “أردوغان” في كلمة له أمام منتدى الأعمال التركي الصيني , الذي عقد يوم 30 يوليو في العاصمة بيكين، بأن الصين هي الشريك التجاري الأول لتركيا في الشرق الأقصى، والثالث عالميا بعد ألمانيا وروسيا، مشيرا إلى ارتفاع حجم التجارة بين البلدين من حوالي ملياري دولار عام 2002، إلى 28 مليار دولار عام 2014.
فتح عدة جبهات عسكرية في سوريا والعراق بالإضافة إلى تحديات الوضع الأمني الداخلي ، جعل تركيا بحاجة إلى مزيد من العتاد العسكري والدعم اللوجستي والحلفاء السياسيين،وهو ما لم تجده عند الاوروبيين وتبحث عنه عند دول منظمة شنغهاي وخصوصا روسيا والصين .
اشغال أو تورط تركيا في السنوات الأخيرة بمشاكل المنطقة جعلها تشعر بأنها أكثر ارتباطا بالمجموعة الآسيوية من ارتباطها بأوروبا، وخصوصا أن هذا الارتباط يجعلها تنخرط في اقتصاد دولي تزيد ميزانيته عن 800 تريليون دولار .
حتى في حالة انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي فلن يتم التعامل معها بندية بل ستبدو دولة تابعة وجسم غريب ، أما انضمامها لمنظمة شنغهاي فيجعلها جزء من فضاء تنتمي له ، وفي موقع مساو للدول الأخرى وخصوصا أنه يربطها بأغلب دول المنظمة قواسم مشتركة ثقافية ودينية،وتشابهه في الأنظمة السياسية . وقد قال رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو الذي كان يوقّع طلب الشراكة في الحوار مع شنغهاي قبل 3 سنوات: "هذا يوم تاريخي بالنسبة لنا الآن،وبهذا الاختيار تعلن تركيا أنّ مصيرنا مثل مصير بلدان منظمة شنغهاي للتعاون ".
مع أن الأمر ما زال في مرحلة الطلب والإرادة بالرغم من ترحيب الناطق باسم الخارجية الصينية بالطلب التركي ، إلا أنه في حالة انضمام تركيا لحلف شنغهاي وما سيترتب على ذلك من تبني استراتيجياته وتوجهاته حول عديد من قضايا العالم ،سيفرض على تركيا استحقاقات وتحديات عليها أن تكون مستعدة لها .
أ-د/ إبراهيم أبراش