العرب ... بين المؤتمر السابع والمهام السبع

بقلم: عدنان الصباح

يبدو أن مستشاري صناع القرار في مصر والأردن غائبون عن مصالح بلادهم ومصلحة القضية الفلسطينية فمن يوصي بفتح جبهة جديدة في الصراع الفلسطيني الفلسطيني لننشغل بها, إنما يقود المنطقة برمتها إلى حرائق لا احد يدري إلى أين ستنتهي ولمجرد إصرار فتح برئاسة الرئيس عباس على مواجهة الرباعية العربية وعدم الانصياع لنصائحها وذلك اضعف الإيمان يعني أن على صناع القرار هناك لا يجدون من يفتح عيونهم بشكل أدق وأوسع على مصالح بلادهم فيما يخص العمق القومي والأمني للبلدين مصر والأردن تحديدا في فلسطين وتحديدا لمصر في قطاع غزة وللأردن في الضفة الغربية فحتى لو شاءوا في مصر والأردن إدارة الظهر لكل القضية الفلسطينية فان فلسطين لن تستطيع أن تدير الظهر لهم أبدا.

مصر تتأثر سلبا وإيجابا بكل حركة في غزة والصراعات مع حماس والتقاطعات بالصراعات في سيناء أكان للتهم المصرية أساس أم لم يكن فان الحقيقة الوحيدة التي يعرفها مستشاري صناع القرار في مصر أن غزة يمكنها أن تكون برميل بارود بنفس القدر الذي يمكنها فيه أن تكون كذلك نازع فتيل هذا البرميل والأمر مرتبط بطبيعة العلاقة وشكلها بين مصر وغزة ولا يمكن لمصر التي تغلق بوابات قطاع غزة ولو من باب قومي نستعيد فيه ما قاله الرئيس المخلوع مبارك من انه لن يفتح معبر رفح لان ذلك يعني تكريس انسلاخ غزة عن الضفة والأمر استراتيجيا صحيح لكن المطلوب ليس فقط المنع المباشر للانسلاخ الفلسطيني الفلسطيني بين غزة والضفة عبر الإصرار على مواصلة احتجاز سكان غزة بل بإيجاد البدائل التي تؤسس لذلك وبدل أن تنشغل مصر بمصالحة فلسطينية فلسطينية راحت باتجاه مصالحة جديدة فتحاوية فتحاوية وهو ما يعني وضع الانقسام الوطني في ثلاجة الموتى فلسطينيا وإبقاء حال التوتر بين مصر وفلسطين على أشده وسيبقي برميل البارود بعيدا عن اليد الباردة لصاحب القرار في قطاع غزة والذي هو جموع الشعب المتضرر من حالة الحصار الخانقة وانسداد الأفق فمصر مصالحها تجلس في غرف صناع القرار في قطاع غزة ومصلحتها الحقيقية في نزع فتيل برميل البارود الذي لا يعرف احد أين يختفي جسمه في سيناء أو غيرها ولا يعني ما أقوله هنا بالضرورة أن حماس صاحبة البرميل بل أن حالة الخنق التي يعيشها سكان القطاع ستجعل كل الاحتمالات مفتوحة حتى دون إرادة أصحاب القرار في حماس ونحن نرى التفريخ اليومي للحركات المتشددة في كل مكان ولا يجوز أن نضع رؤوسنا بالرمل مكتفين باتهام هذا أو ذاك بأنه يقف وراء هذه المنظمة أو تلك بل أن ندرك أن ألهذا أو ألذاك ما كان له أن ينجح بإيجاد فصائل متشددة لولا وجود الأسباب التي تؤدي إلى هذا التشدد.
مصر التي تعاني من نشاط المتشددين في سيناء وتتهم غزة بأنها من تقدم لهم كل أنواع الدعم تواصل إغلاق معبر رفح وترى في ذلك عملا قوميا ووطنيا يحافظ على لحمة الوطن الفلسطيني المهشم أصلا بفعل الاحتلال وغياب الإرادة العربية المنشغلة بصراعاتها الداخلية فليست اليمن عمق الأمن القومي العربي لمصر قبل فلسطين ولا سوريا للأردن قبل فلسطين ولا ليبيا للسعودية قبل فلسطين فالاهتمام المصري بوحدة فلسطين ليس بالضرورة لمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته بل هو مصلحة مصرية حقيقية واستتباب الأمن السياسي والاقتصادي والأهلي ووحدة فلسطين وشعبها هي أساس الرخاء المصري واستتباب الأمن هناك.
إسرائيل تسعى جادة لتعميق الانقسام الفلسطيني وهي قبل غيرها معنية بخلق انقسامات فلسطينية جديدة تساهم في انشغال الجميع بها بشكل أو بآخر مما جعل الخلافات العادية داخل فتح بقدرة قادر قضية الرباعية العربية وأزاح إلى الخلف كليا الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة لا بين فتح وحماس واللتان أي الفصيلان المذكوران يعتبران المكونان الرئيسيان للحالة الوطنية الفلسطينية وانقسام غزة بقيادة حماس وتأزيم العلاقات الداخلية في فتح سيجعلان من حالة غزة انقساما دائما وفي نفس الوقت ستجد مصر نفسها منشغلة بحماية أمنها لا من إسرائيل كما يظهر على السطح هذه الأيام بل من غزة لا من حماس بالضرورة.
صانع القرار في مصر كما في الأردن كما في السعودية ودولة الإمارات وغيرها عليه أن يدرك أن أي توتر للأوضاع الفلسطينية الداخلية سينتقل تلقائيا إلى بلادهم بهذا الشكل أو ذاك وان الخطر الحقيقي القادم على الجيران العرب من أزمة الانشقاقات الفلسطينية الفلسطينية إن لم يسارعوا في نزع فتيل الانقسام الأساس فكل الفصائل تظهر بها خلافات وتنقسم وتلد أحزاب وفصائل جديدة وهذه ظاهرة في كل أنحاء العالم لكن ظاهرة انقسام الوطن المقسم أصلا إلى جزأين جديدين محاصرين وضعيفين بكل الكبت والقهر والقمع الذي يعيشه شطري ما تبقى من وطن مسروق هو مصدر القلق العربي المصري الأردني أولا وقبل كل شيء.
على مستشاري صناع القرار في مصر أن يعيدوا البوصلة إلى اتجاهها الصحيح وان يهمسوا في أذان من ينبغي الهمس لهم أن الأزمة فلسطينية فلسطينية بامتياز وليست فتحاوية فتحاوية وان محاربة مؤتمر فتح أكان صائبا انعقاده أم لا فهو فقط سيجعل هناك عدوا جديدا لمصر والأردن لا أكثر ولا اقل والأمور ستطال أيضا السعودية والإمارات وكل المنطقة ففلسطين موجودة في كل بيت عربي بشكل عام وفي بيوت الأردنيين والمصريين قبل غيرهم شئنا أم أبينا.
الأمر ذاته ينسحب على القرار الأردني المعلن برفض انعقاد المؤتمر وما يشاع عن منعها أعضاء المؤتمر الذين يقيمون في الأردن ويحملون جنسيته من حضوره مما قد يؤجج الصراع مع الأردن لدى البعض على الساحة الفلسطينية ويفتح الطريق على مصراعيها لخلق تجاذب أردني فلسطيني على الساحة الفلسطينية وتدرك الأردن جيدا مدى ارتباط الضفة الغربية بضفتها الشرقية وهي لا زالت تحمل اسمها الذي حملته بعد الوحدة حتى الاحتلال عام 1967م.
منع أعضاء المؤتمر المقيمين في الأردن من حضور المؤتمر إن صح الخبر لن يلغي المؤتمر وان كان سيوفر بل سيجعل من أولئك الممنوعين غاضبين من القرار الأردني وانعقاد المؤتمر سيوفر الفرصة لتكريس انقسام فتحاوي فتحاوي سيبقى لزمن طويل مدار بحث من الجميع ومساعي لرأب الصدع مما يعني غياب تام لحكاية الانقسام بين الضفة وغزة وما رافق المؤتمر من استثناءات وفصل بعض أعضاء الهيئات القيادية وما قد يحدث خلال انتخاب الهيئات القيادية الجديدة من خروج البعض وعدم قدرة البعض على الوصول مما يوفر الفرصة لكل الغاضبين والمحرومين من الوصول على التكاتف معا.
تجربة الأردن في طرد قيادات حماس من المواطنين الأردنيين خارج الأردن لم يوفر أمنا زائدا للأردن بل اوجد مصدرا جديدا للقلق وكذا خروج أعضاء مؤتمر فتح وعودتهم للأردن سيجعل منهم مواطنين أردنيين حريصين على مواطنتهم وقد لا يتوفر ذلك بقرار منعهم من المشاركة وان لم يصرخوا علنا باحتجاجهم.
وحدة الفلسطينيين مصلحة أردنية عليا وكل فوضى تصيب الضفة الغربية تطال العمق الأردني بكل الأشكال ولذا فان تكريس الانقسامات الفلسطينية الفلسطينية الذي سيفضي بالفلسطينيين إلى التصادم بشكل أو بآخر سيكون مصلحة إسرائيلية عليا وإضرار مباشر بالمصالح العليا القومية والأمنية الأردنية.
الأردن التي تتحمل مسئوليات هامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي مقدمتها مسئولية القدس ومقدساتها والتي حرصت في اتفاقية وادي عربة على الإبقاء على مكانه خاصة للقدس في تلك الاتفاقية تحاول إسرائيل وحلفائها إشغالها بقضايا وهمية بعيدة كل البعد عن المصالح الأردنية فالانشغال بانعقاد أو عدم انعقاد مؤتمر فتح في الوقت الذي يجري فيه تغيير في قيادة البيت الأبيض ووقت عالمي ضائع تستغله إسرائيل في تنشيط الإجراءات التهويدية للقدس وكل الوطن المحتل كان على الأردن أن توجه بوصلتها أكثر نحو القدس وأكثر نحو حركة الاستيطان في الأغوار الحدودية مع الأردن وان تدفع الجميع لترك من يختلف هنا وهناك على هذا المنصب أو هذا الإطار أو ذاك وتنشغل بمهمتها الأساس التي أخذتها أصلا على عاتقها وعبر تاريخها وهي حماية القدس التي تعتبر عنوانا مهما للدور الهاشمي عربيا وإسلاميا.
لتنشغل مصر بوحدة غزة مع الضفة وإنهاء الحصار والتجويع والتشريد عن القطاع وأهله ولتنشغل الأردن بما أخذته على عاتقها من تفعيل كل أشكال المواجهة مع اسرائبل في القدس وهو دور كفلته لها الإرادة الفلسطينية أولا والاتفاقيات الموقعه مع إسرائيل ثانيا وإذا كان هناك من يهمس بأذن صاحب القرار في الأردن بان مؤتمر فتح هو بوابة عروبة القدس فهو أفاق وكاذب فعروبة القدس وعروبة فلسطين ووحدة شعب وارض فلسطين هي بوابة فتح لاستعادة دورها في الكفاح لا في التجاذب التنظيمي الذي سيكون مدمرا إن تواصل حال الصراع والاستبعاد والإبعاد والتجاذب والتنافر الداخلي مضيفا انقساما جديدا وخلافا جديدا يلغي الاهتمام بالانقسام الأخطر والخلاف الأخطر.
هناك أولويات في مهام العرب وفي مقدمتهم مصر والأردن تجاه فلسطين وهي جميعها مغيبة الآن كليا ومنها:
1- مقاومة الاحتلال والعمل على إنهائه بكل السبل المتاحة والتي قد تتاح.
2- إلغاء حالة الحصار وتسهيل تنقل الفلسطينيين وعدم وضع العراقيل أمامهم مما يجعل من العرب أعداء لا من الاحتلال الذي يجد من يسوق له هذه الأيام
3- إعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية لكي يصبح انشغال الفلسطينيين فقط في مقاومة الاحتلال ويبعد كليا خطر الاحتلال عن حدود العرب وفي المقدمة الأردن ومصر وسوريا ولبنان
4- مقاومة الاستيطان ومنع انتشاره وفضح مؤامرات المحتلين ومنعهم من استغلال انتقال السلطة في الولايات المتحدة الراغبة باستفادة إسرائيل أصلا من ذلك.
5- وقف حالة التشرذم الفلسطينية الفلسطينية وفضحها واعتبارها أساس الموقف العربي الموحد لصالح وحدة كل الشعب وقواه
6- حماية القدس من التهويد ومحاربة السعي الاحتلالي المحموم لابتلاعها.
7- تسهيل حياة الفلسطينيين في كل أرجاء الوطن وتشجيعهم على التواصل مع عروبتهم بدل إغلاق الأبواب العربية أمامهم بأي حجة كانت بما في ذلك الحجج الأمنية التي تبدو واهية في بعض الأحيان.
ترى من سيضمن خروج المؤتمر بقرارات تضمن وحدة فتح والوطن ما دام العرب قبل غيرهم يتدخلون بشأن فصيل فلسطيني داخلي وقد يستقوي البعض بهم ضد البعض ونحن نعلم جيدا أن المتربصين بفتح وحماس وسائر القوى وفلسطين أولا وآخرا, في واشنطن وتل أبيب ينتظرون انفجار المؤتمر بهدف تفجير ألأوضاع في الضفة الغربية بما يضمن تكريس انقسام غزة وتحقيق حلم المحتلين بإقامة وطن للفلسطينيين في غزة فقط بينما تنهش الضفة الغربية بعضها مما سيلحق الأذى بالأردن أولا قبل غيرها وبمصر ثانيا فضياع فلسطين هو ضياع العرب.
هل يدرك كل من فخامة الرئيس المصري وخادم الحرمين الشريفين وجلالة الملك الأردني وسمو شيخ دولة الإمارات أن التدخل بشان فصيل فلسطيني سيعني استقواء للبعض على البعض وان الأمر لن يمر ببساطة كشأن حزبي داخلي وان المؤامرة على فتح بوابة للمؤامرة عليهم كل ما يرجوه شعب فلسطين منهم أن يعيدوا حساباتهم لصالح وحدة شعب وارض فلسطين أولا وقبل أي شيء فلا معنى لوحدة فصيل إن ضاع الوطن أصلا, لعل ذلك يكون بشائر خير على بلادهم قبل فلسطين الجريحة والمنهوبة أصلا فما يحتاجه الاحتلال هو دمار ما تبقى من ارض العرب لتصبح فلسطين بلا سند ولا أهل نهبا له وحده وليذهب كل العرب وبلادهم وأنظمتهم إلى الجحيم.

 

بقلم
عدنان الصباح