انتهت انتخابات فتح للمركزية والثوري ولم تحدث أية مفاجئات دراماتيكية في النتائج المتوقعة،وأغلب أعضاء الحرس القديم حافظوا على مواقعهم كأعضاء في اللجنة المركزية،وبغض النظر عن ما قيل بأن المؤتمر تم تفصيله على مقاسات محددة،وبأنه استثنى الكثير من قيادات فتحاوية تاريخية،يضاف لذلك فصل ما يسمى ب"المتجنحين" أنصار النائب محمد دحلان،فالمهم الان بعد هذا العرس الفتحاوي الى أين ستتجه فتح...،وهل هذا المؤتمر بنتائجه سيكون رافعة جدية وحقيقية لأوضاع فتح في مختلف الميادين والمجالات تنظيمياً،سياسياً، جماهيرياً،كفاحياً...؟؟
وهل سيقود الى تدعيم وحدة حركة فتح الداخلية باتجاهاتها ومشاربها المختلفة،في ظل ما تشهده الساحة الفتحاوية من حالة إحتقان وغليان...؟؟، أم أن هذه المؤتمر سيضع فتح على مفترق طرق ..؟؟
وهل سيسلم ما يعرف ب"المتجنحين" بالنتيجة ويخرجوا من حركة فتح اما سيستمرون بالقول نحن فتح الأساس وورثة دماء الشهداء والحافظين لنهجها وخيارها وثوابتها ويتجهون الى عقد مؤتمر مواز للتأكيد على فتحاويتهم ..؟؟، وكذلك القيادات التاريخية التي استثنيت من المؤتمر أو لم يجر تمثيلها وقامت بالعديد من التحركات التي عبرت عنها ببيانات وتصريحات صحفية...ماذا سيكون موقفها وشكل تحركها...؟؟ كلها تساؤلات مشروعة وهواجس مقلقة ليس للفتحاويين أنفسهم بل للكل الفلسطيني.
المؤتمر لم يقم بمراجعة جدية وحقيقة للمرحلة السابقة، فلم يجر طرح أي بديل عن اوسلو هذا الإتفاق الإنتقالي الذي داسته دبابات شارون في عام/2002،والمنتهي منذ 17 عاماً،بل كل ما قيل نحن لسنا مسؤولين عن عدم تنفيذه،وكذلك لم يشر لا من بعيد او قريب لمراجعة الإتفاقيات مع الإحتلال وخاصة قرار المجلس المركزي في اذار الماضي بمراجعة التنسيق الأمني والإتفاقيات السياسية والإقتصادية معه.
وكذلك تم التأكيد على استمرار التواصل مع المجتمع الإسرائيلي،هذا التواصل الذي نرى سلبياته أكثر من ايجابياته،حيث أصبح طريقاً لشرعنة التطبيع فلسطينياً وعربياً مع دولة الإحتلال ومؤسساتها المختلفة،وهو لم يشق أي مجرى ايجابي وتأثير جدي في المجتمع الإسرائيلي نحو الإعتراف بالحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني،بل على العكس البعض يبرر مواقفه وتهافته على التطبيع،بأن السلطة في قمة هرمها،هي من تقود التطبيع وتشرعنه،وما نقوم به نابع من موقف وقرارات السلطة،وكذلك نشهد حالة من التشدد والتطرف في المجتمع الإسرائيلي تصل حد التنكر حتى لوجود شعبنا، والمزيد من التنكر لحقوقه والمزيد من الاستيطان والتهويد للقدس والقمع المتصاعد وغير المسبوق،والمزيد من التمزق المجتمعي الفلسطيني وضرب وحدته وخلق وقائع تزيد من شرذمته . والنتيجة ليس هناك اي تغير او مؤشر على استنهاض يحمي الحقوق الفلسطينية . لان استرتيجية العمل هي اجترار للعشرين سنة الماضية .وقد نكون أمام أكثر من عشرين سنه قادمة من التيه والضياع وفقدان البوصلة . فماذا يعني ذلك، ولمصلحة من..؟؟،وهل هي مصلحه وطنيه عليا الالتزام بهكذا استراتيجية ؟؟؟؟.
نجاح المؤتمر يقاس بالنتائج المترتبة عليه والقدرة على مواجهة التحديات،وترجمة القرارات الى أفعال على أرض الواقع،والتحديات والإستحقاقات التي ستواجه قيادة فتح الجديدة كبيرة، داخلية وفلسطينية ،فالترابط جدلي بين الإثنين،حيث فتح تشكل الثقل الأكبر في الساحة الفلسطينية،فأية انتكاسات واوضاع سلبية وتعمق للخلافات وتبادل الإتهامات والإحتراب بين معسكرات وتكتلات فتح،سيعكس نفسه على الوضع الفلسطيني العام،حيث الحالة الفلسطينية بضعفها الحالي لن تتحمل المزيد من الشرذمة والإنقسام،بل المطلوب ما بعد المؤتمر هو جهود كبيرة ومضاعفة،حيث نشهد المزيد من "التغول" و"التوحش" من قبل الإحتلال تجاه شعبنا الفلسطيني،فحتى اللحظة لم نستطع ان ننقل شعار الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية للإمكانية الواقعية،والسلطة الفلسطينية ليس صاحبة سيادة فعلية وحقيقة حتى على مناطق (ألف) الخاضعة لسيادتها وسيطرتها،والتي لا تشكل سوى (18)% من مساحة الضفة الغربية،وذلك علينا في ظل وجود سلطة مقيدة الصلاحيات والمسؤوليات وفقدان السيادة،ان لا نغرق في التيه في توصيف المرحلة بانها ليست مرحلة تحرر وطني،وكذلك النظام السياسي الفلسطيني المأزوم بحاجة الى ان يخرج من ازمته،وبحاجة ان تجدد الشرعية لمؤسساته وعبر توافق فلسطيني يوحد لا يفرق ويزيد تقسيم المقسم،فالمجلس الوطني الذي لا يعرف مجموع اعضائه،ومن هو عضو أو غير عضو،وكذلك التشريعي المنتهية صلاحيته منذ أكثر من ست سنوات،ويتقاضى اعضاؤه ومكاتبهم رواتب بغير حق تهدر الكثير من المال العام،بحاجة الى تجديد شرعيتها وضخ دماء شابة في عروقها المتيبسة،وان تشكل مرجعيات حقيقية وجدية،وليس مجرد ديكورات ومؤسسات لحين الطلب،ويجب ان تكون ذات صلاحيات،والتمثيل فيها يجب ان يبتعد عن المحاصصة و"الكوتات".
وكذلك لا يمكن لنا أن ننتصر أو نحول مشروع الإحتلال الى مشروع خاسر،في ظل حالة من الشرذمة والإنقسام، فلا بد من إستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الإنقسام،وعلى أساس برنامج سياسي موحد واستراتيجية موحدة يتوافق عليها الكل الفلسطيني،بكل مكوناته ومركباته السياسية وطنية وإسلامية،دون ان يقول احد او ان يتمترس خلف شعار بأن برنامج أي حكومة وحدة وطنية ،يجب ان يكون برنامجه،فهذا يعقد ولا يساهم في الحل والتوافق.
الصراع مستمر مع الإحتلال،بل ويزداد حدة وتصاعداً على كل الصعد،والنضال السياسي والقانوني والدبلوماسي،هي أشكال نضالية وساحة من ساحات الصراع مع المحتل،ولكن ما يحدد بشكل رئيسي نتيجة هذا الصراع،هو العمل على تغير متدرج لميزان القوى مع المحتل،من خلال الإشتباك الشعبي والجماهيري المتواصل معه على أرض فلسطين،مع استمرار فضحه وتعريته وزيادة عزلته ومقاطعته دولياً،وجلب قادته وجنوده ومستوطنيه الى المحاكم الدولية كمجرمي حرب،وليس ان نستخدم المؤسسات الدولية وانضمامنا اليها كادوات ضغط من اجل تحسين شروط العودة للتفاوض مع المحتل.
معركة المؤتمر والإنتخابات وتجديد الشرعيات في فتح انتهت،والان المعركة الكبرى ستكون حول ترجمة القرارات الى أفعال ومواجهة التحديات وانتشال النظام السياسي الفلسطيني المأزوم من ازمته،وتجديد الشرعيات الفلسطينية الأخرى على أسس ديمقراطية وكفاحية،ورسم خطط وبرامج ووضع خيارات ورسم سيناريوهات بديلة للحالة القائمة،وتوحد على اساس برنامج سياسي يتمسك بالثوابت والحقوق المشروعة وبأشكال النضال المختلفة لتحقيقها.
بقلم/ راسم عبيدات