الأخلاق ...عنوان الشعوب

بقلم: حنا عيسى

من الملفت للنظر على مدار التاريخ بان المجتمعات بكافة  تكويناتها  تفرز الصالح والطالح . ولكن الأكثرية هي من ذوي الأخلاق الحميدة التي تربت ونهضت ونمت ووصلت إلى رقي يفتخر به .. نزولاً عند قول الشاعر معروف الرصافي  :

بالعلم و الأخلاق تزدهر البلاد      فانه لرقي كل مدينة مرقاة

والعجيب في  أيامنا هذه بعد أن وصلت  البشرية لرقي متقدم اخذ الإنسان يصارع أخيه الإنسان على قاعدة الحقد والكراهية بدلاً من المحبة والتسامح التي علمتنا إياها الكتب السماوية الثلاث بالإضافة إلى  التربية الثقافية التي تبلورت كفكر في عصر البشرية السمحاء  ..ويخرج  علينا من يدعي بأنه على حق في نقد الآخرين دون الارتكاز على  حقائق صحيحة ليبرهن بأنه جاهل في نقل المعلومة نزولاً عند  قول الحكيم :يزول الحق بين ثلاث شهوات :الجاه ,المال ,واللذة "وبالتالي الحرية الحقيقية لأبناء الوجود هي التخلص من القيود على قاعدة احترام الأخر والاعتراف به بدلاً من لغة "التمادي في الألفاظ والكلمات النابية" التي لا يحب أن يستمع احد لها "غير اؤلئك الذين تربوا على الفتنة والوشاية في مستنقعات متخلفة دون الالتفات إلى الشعور الإنساني من زاوية  الأخلاق الحميدة ..نزولا عند قول الشاعر:

هي الأخلاق تنبت كالبنات إذا سقيت بماء المكرمات

 "ناهيك عن اللذين تشبعوا بقول المصطلحات غير اللغوية وغير المنطقية في معالجة الأمور سوى إشاعة الفتنة, وفي ذلك يقول الحكيم

 "الإشاعة فتنة و الفتنة اشد من القتل ".

إن من يدعي المعرفة ويعمل عكس ذلك هو إنسان غير  متسامح ولا يستحق أن يكون إنسانا وخاصة اؤلئك الذين يتسارعون في اتهام الآخرين دون وجه حق في سراديب العتمة, متجاهلين بأنهم يرتكبون إثم يحاسب عليه كل إنسان في لحظة الحساب .أن الحياة الاجتماعية تتطلب عدم الغدر والوشاية  واهانة كرامة الإنسان ..لان الإنسان أفضل مخلوقات الله ..وعليه, على أصحاب الأقلام الناشفة بالمعنى والمضمون الكف عن استعمالها في حلقات مفرغة  لا تنطوي على احد من خلال استعمالها بأصابعهم الخبيثة للهجوم على كرامة الإنسان الأخر, ويظهر ذلك جليا في أيادي هؤلاء الفارغين المتشائمين من وجود أنفسهم  لينهالوا على الإنسان المستقيم بتعابير بعيدة كل البعد عن حقيقة الوجود الإنساني ..ويقال عن هؤلاء "لصوص  الظل "كالصديق المزيف الذي يمشي ورائي عندما أكون في الشمس ويختفي عندما أكون في الظل".

أن الطبيعة الإنسانية  تفرض على البشر إن يكونوا أقوياء لمواجهة الأشرار, الذين يحاولون بشتى الوسائل والطرق خيانة الضمير الإنساني ..وهنا أتحدث بالعناوين الكبيرة عن  معانٍ عظيمة تحققت من خلال النشاط البشري الهادف والمسؤول .. حيث سئل حكيم "صف لنا التقوى؟

قال :إذا رأيت أرضا بها شوك كبير ..ماذا تفعل ؟

قال السائل :نتوقى ونأخذ الحيطة والحذر .

قال الحكيم :فافعلوا في الدنيا هكذا ..فإنها هي التقوى !

وعلى ضوء ذلك, خلق الإنسان حرا ومتحررا ..حرا براية ومتحررا من رأي غيره ..مع العلم بان الحرية الحقيقة لأبناء الوجود هي التخلص من القيود..لأنهم يقولون لي إذا رأيت عبدا نائما فلا تنبهه عسى أن  يحلم في حريته ,أما انأ فأقول لهم إذا رأيت عبدا نائما نبهته وحدثته عن حريته .

لذا اخطر ما يواجهه الإنسان هو أن يفتح عقلا مغلقا..لان الإنسان المتعصب لرأيه إذا فتح فمه كذب وإذا فتح عينه لا يرى..نزولا عند القول القائل

"أن امتلاك القدرة على التعبير عن الرأي و التمتع بميزة احترام الأخر والاعتراف بحقه في الوجود وتفهم العوامل التي تكمن وراء التنوع في الرأي والاختلاف فيه واحدة من الأكثر القيم الإنسانية والصقها بمتطلبات التطور الفكري والحضاري ".

من هنا الرأي الآخر دليل عافية ونضوج في المجتمع ومصدر اغناء وفائدة والمجتمع يبنى بسواعد وأراء  وإسهامات جميع أبناءه الصالحين.

وأقول في نهاية مقالي للذين يتصيدون في الماء العكر دون وجه حق لا من قريب ولا من بعيد  "أسوا الناس حالا من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق به احد لسوء فعله" لأنه لا يمكن للحوار البناء أن يتم بين المتحاورين إلا من خلال مشاعر المحبة  و التسامح . .نزولا عند قول الشاعر المتنبي :

ومن ذا الذي يقضي حقوقك كلها       ومن ذا الذي يرخى سوى من تسامح

بقلم/ د. حنا عيسى