تشرفتُ بدعوة من وزارة الداخلية في قطاع غزة لاصطحابنا في جولة ميدانية على مديريات الوزارة ضمن أكثر من عشرين كاتباً ومحللاً سياسياً وأكاديمياً. اطلعنا من خلالها على جهود وطنية جبارة، نحتت في الصخر لتصنع لأبناء شعبها في غزة أمناً وأماناً وطمأنينة وخدمة تليق بشعبنا. زرنا في جولتنا: كلية الرباط الجامعية (كلية الشرطة سابقاً)، والمديرية العامة للشرطة، وجهاز الأمن الداخلي، والمديرية العامة لمراكز الإصلاح والتأهيل، وإدارة الداخلية – الشق المدني، وجهاز الدفاع المدني الفلسطيني، وانتهت الجولة بلقاء مفتوح مع وكيل وزارة الداخلية. وخلصتُ إلى ما يلي:
قادة وضباط وموظفي وزارة الداخلية هم نخبة من الوطنيين الحريصين على رفعة وطنهم، ويعملون بكل جهد غير منتظرين ثناء ولا حتى أجراً؛ فجميعهم لم يتقاضى نصف راتبه منذ ثلاث سنوات، لكنهم صنعوا في بضع سنين ما لم تصنعه دول راسخة في أضعاف المدة.
أفواج قائمة وأخرى تخرجت من متدربي كلية الشرطة؛ مبدعون، مجتهدون، منتمون، متقنون، هم فلذات أكباد غزة بمختلف مشاربها السياسية والاجتماعية. قدموا عروضاً ميدانية غاية في الروعة والإتقان والدقة تعكس كفاءة التدريب، ومستقبلاً باهراً للأمن في غزة.
قيادة شرطة وطنية متواضعة ذات حس وطني عالي، تشعر بالمسئولية، تصنع المستحيل بأقل الإمكانيات المادية والبشرية.
أمن داخلي يعمل في الظل بعيداً عن الأعين، يتوقع سخط الناس، ولا يثنيه ذلك عن التفاني في خدمة مجتمعه في محاربة التجسس والمخدرات ومنع التخريب. إنهم جنود مجهولون، نحسب أن الله يعلمهم ويجزيهم خير الجزاء.
ومن أبدع ما رأينا: مراكز الإصلاح والتأهيل للمسجونين الجنائيين؛ فمن مهاجع مريحة ونظيفة ومرتبة، إلى دورات تدريبية مهنية، إلى تحفيظ للقرآن الكريم وتعليم لأحكام التلاوة، إلى رحلات ترفيهية، وليالي سمر، وحفلات ترفيهية للنزلاء وأهاليهم، إلى أنشطة رياضية متنوعة، ودورات صحية وتثقيفية، ومشاريع إنتاجية، إلى بيت الخلوة الذي لا مثيل له في احترام آدمية السجين. لمسنا من النزلاء أنفسهم رضاهم الواضح عن هذه الخدمات.
وفي الشق المدني تعرفنا على انجاز مهام ومعاملات بمئات الألوف، على أيدي بضعة مئات من الموظفين، وطموح لتحقيق أقصى راحة ويُسْر للمواطنين في إنجاز معاملاتهم، وتعرفنا عن قرب على معضلة السياسة المقيتة التي تحرِم أهالي القطاع من الحصول على جوازاتهم من غزة رغم كل التسهيلات التي وفرتها الداخلية في غزة.
وبالقدر الذي أثار إعجابنا بعظيم دور وجهود رجالات الدفاع المدني بسبب انتمائهم للوطن، وإنسانيتهم غير المحدودة، بالقدر الذي تألمنا فيه لحجم الإهمال والتهميش والصعوبات التي تعترض طريقهم ضمن سياسة خنق غزة. فسيارات الإطفاء المتهالكة والقديمة لا تزيد على 23 سيارة بينما هناك حاجة عاجلة لتوفير عشر سيارات إضافية تمنع دولة العدو والأخ والصديق السماح بإدخالها لجهاز الدفاع المدني وتسمح للضفة المحتلة بالحصول على 35 سيارة إطفاء!، وهم يبدعون بينما لا تتجاوز ميزانيتهم خُمس ما هو مطلوب.
لقد أصغت قيادة وزارة الداخلية باهتمام شديد ودقيق لملاحظات كل الزائرين، وتعهد وكيل الوزارة بالأخذ بما يجب الأخذ به فوراً، ولمسنا رضى الزائرين من كل التيارات؛ حتى قال أحدهم: جئت وفي نيتي كتابة دفتر من الانتقادات، لكنني أقول الآن: الله يعطيكم العافية.
فإلى قادة وضباط وموظفي وزارة الداخلية نقول: حسبكم الله، هو يجزيكم على أفعالكم، اصنعوا مجداً للوطن ولا تنتظروا الثناء من أحد، سددوا وقاربوا، والتزموا الواجب، وارتقوا نحو الأفضل دوماً، فإن الله لا يُضيع أجر مَن أحسنَ عملاً. ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ (التوبة 105)
#وزارة_الداخلية
د.عصام عدوان
6/12/2016م