طلب مني رفيقي المسئول بالحزب ( الحزب الشيوعي الفلسطيني سابقا – حزب الشعب الفلسطيني حاليا ) يومها ان استعد لاستلام البيان رقم 1 للقيادة الوطنية الموحدة لايصاله من نابلس الى مناطق مشاريق نابلس ومناطق جنين وطولكرم وقلقيلية .. نقله الينا الرفيق ابو فتحي ( خليل ابو جيش ) الذي كان دوما يتسلم اصعب المهمات السرية ( نقل الجهاز ) واستلمه الرفيق الحديدي العظيم جمال فريتخ وكان معي الرفيق محمود بدح ( ابو بشار ) رفيق المهمات الصعبة .. كانت الدنيا مطر ومطر غزير غير عادي .. تاخر وصول البيان حتى الساعة العاشرة ليلا .. واخيرا وبعد قلق وطول انتظار وصل/ وكانت حصتي كمية كبيرة قمت بوضعها بصندوق كرتون، وحملتها وسرت بها بالشوارع الموحشة الى ان وصلت الى سيارتي ( فيات 132 موديل 1978 ) وكنت قد اوقفتها في دخلة الاتحاد العام للنقابات سابقا مقر حزب الشعب حاليا بالقرب من سينما العاصي ..
وانطلقت نحو الشرق باتجاه بلدة بيت فوريك اولى المحطات حسب الخطة التي رسمتها بعقلي.. وحين اقتربت من مخيم بلاطة كان جيش الاحتلال يقوم بعملية اقتحام كبيرة للمخيم ، ومئات الجنود ينزلون من باصات للجيش ويقتحمون ازقة المخيم .. ترددت قليلا ثم قررت مواصلة المرور بجراة من مدخل مخيم بلاطة .. كان المطر شديد جدا لدرجة ان السيول اغرقت الشوارع بالكامل الامر الذي جعلني لا اعرف حدود الشارع وحين وصلت الى مسلخ البلدية فوجئت بان احد مناهل تصريف المياه كان بلا غطاء الامر الذي ادى الى سقوط العجل الامامي بالحفرة ولكن ولسرعتي الفائقة تجاوزت الحفرة وكانت النتيجة ان دواسة البنزين لم تعد تعمل فتوقفت السيارة نهائيا .. وهنا احسست بالخطر اذا ان جنود الاحتلال لم يكونوا بعيدين خلفي الا بضع عشرات الامتار .. واول خطوة قمت بها انزلت كرتونة البيان من السيارة ووضعتها بجانب جدار المسلخ من الداخل ، لانني توقعت ان يشك جنود الاحتلال بوقوفي بمثل هذه الساعة من الليل وتحت المطر .. مر عليّ احد المعارف ( صاحب مصنع الجولدن سويتس للبسكوت ) بسيارته وانا اقف تحت المطر والمياه تغمر رجلي ( اكثر من 20 سنتمتر ) .. وحين عرف مشكلتي اشار لي كي اذهب لمصنع الجولدن سويتس المجاور لاطلب العون من ميكانيكي المصنع ..
توجهت للمصنع وقبل الوصول اليه مرت سيارة ( كابينة فولكسفاجن ) بجانبي ، وعلى بعد 20 مترا وقفت وصرخ احد ركابها ( مختار .. مختار ) وهو الااسم السري لي في تلك الايام .. عندها شعرت بارتياح شديد اذ ان هناك بالتاكيد واحد من رفاقي يركب بالسيارة .. رجعت السيارة الى ان وصلت لعندي وكان بها اثنان من رفاقي من بلدة بيت فوريك واحد منهم هو ابن صاحب البيت الذي كنت قاصدا اليه لتسليمه حصة بيت فوريك من بيان القيادة الموحدة .. عندها شعرت بالامان التام .. سالوني ماذا افعل بهذا الوقت وبهذا المكان، فاخبرتهم ان سيارتي قد تعطلت فاخذوني معهم اليها، وكان احدهم ذو خبرة بميكانيك السيارات فطمانني ان
العطل بسيط وهو انقطاع زنبرك دعسة البنزين بسبب الصدمة، وان ذلك يمكن اصلاحه لكن حين نصل الى بيت فوريك .. عاودت جلب كرتونة البيانات وركبت بسيارة الفولكسفاجن وقام الميكانيكي بربط دعسة البنزين من عند الموتور بحبل واستعاض عن الدعسة بشد الحبل، وسرنا الى ان وصلنا بيت فوريك ، وهناك نزلت ببيت رفيقنا ابو نضال الذي اعد لي العشاء وحاول تاخيري كي ابات عنده لان الوقت حينها قد تاخر جدا فالساعة بلغت الواحدة بعد منتصف الليل .. لكني قررت العودة للمخيم مهما كان الوقت متاخرا، وامام اصراري سمح لي بالمغادرة بعد ان اخذ حصة بيت فوريك من البيان وقد ارسل معي احد ابنائه وابن اخيه ..
ووصلنا المخيم قبل الفجر بساعة وبتنا بمنزلي الى ان طلعت الشمس وغادر الرفيقان المخيم الى نابلس، وانا فورا اصطحبت معي اختي الرفيقة غربية لترافقني وتخفي البيانات بحقيبتها وملابسها .. توجهت الى جنين ومنها الى بلدة الطيبة لاسلم حصة جنين من البيانات لرفيق يسكن هناك ولم اقضي في الطيبة الا وقت شرب القهوة، وعاودت السفر الى طولكرم ووصلت الى بيت رفيق كبير بالسن مناضل عظيم وسلمته البيانات واستاذنته لمواصلة تنفيذ مهمتي ، واتجهت لقلقيلية عبر طريق طولكرم الطيبة الطيرة داخل الخط الاخضر ( كان حينها مازال مفتوحا ) ووصلت الى بيت رفيقنا المسئول واستقبلتنا زوجته الى ان حضر هو وسلمته حصة قلقيلية .. وغادرت قلقيلية ولكن بشعور مختلف اذ انني حينها كنت اقل قلقا وتوترا رغم الارهاق الشديد ، واذكر انني قلت لاختي ضاحكا ( الان ليوقفنا جيش الاحتلال لا شيئ نخاف عليه ) .. وعدت لمخيمنا وكان النهار قد انتهى .. وكان علي ان استعد لمهمة اخرى ..
بقلم : خالد منصور
مخيم الفارعة – 8/12/2016