وما فقد سكان غزة فروسيتهم

بقلم: فايز أبو شمالة

الجريمة البشعة التي زعزعت أركان التسامح في قطاع غزة قبل يومين، حين أقدم أحدهم على إطلاق النار بشكل متعمد مع سبق الإصرار، فقتل اثنين أخوة، وأصاب أخاهم الثالث بجراح خطيرة، بحجة الأخذ بالثأر، هذه الجريمة خارجة عن عادات الشعب الفلسطيني، الذي اقتنع بقدرة الشرطة الفلسطينية على ضبط الأوضاع، ووثق بالقانون طريقاً لإحقاق الحق.

لقد أدان المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة بمختلف مستوياته الثقافية والفكرية والاجتماعية، وفي مختلف مدنه وقراه ومخيماته، أدان الجريمة الغبية التي اقشعرت لها الأبدان، لأن الأخذ بالثأر لم يعد سلاح العصر الوحيد لردع الجريمة، أو للانتقام من القاتل، فالتطور الحضاري والمدني في القرن الواحد والعشرين فرض على الناس جميعهم اللجوء إلى السلطة المركزية، ممثلة بالحكومة، لتقوم بدورها في حماية الضعيف من تجبر القوي أولاً، وتقوم بدورها في تكسير رأس القوي ليحترم حقوق الضعيف ثانياً، وهذا الأمر معمول به من سنوات طويلة في كل دول الجوار، حتى في أقاصي البادية، وقبل وجود حكومات مركزية، فقد أوجد العربي القديم قوانينه في القصاص من القاتل، والتي أوصت بعدم الإسراف في القتل، وعدم الاعتداء على الأبرياء، تلك القوانين التي انسجمت مع تعاليم الدين الإسلامي، حتى صارت جزءاً من الأخلاق العربية العامة، ومكوناً أساسياً للكرامة والشهامة، وهي الفروسية التي يعتد بها العربي في المحافل والمناسبات.

ومن أفضال الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة في مثل هذه الحالات، هو سرعة التحرك، وجرأة الفعل، وسرعة الحسم الميداني مهما كلف الأمر، فتقوم الحكومة باعتقال كل مشبوه في الجريمة، وتحرص على فرض هيبتها حفاظاً على السلمي الأهلي، ولكن هذا الإجراء السريع النافع لا يكفي وحدة لمحاربة الجريمة، وردع المجرمين، طالما لم يترافق مع التطبيق الفعلي للأحكام الصادرة بحق القتلة، ولاسيما أولئك الذين قال القانون بحقهم كلمته، ويشكل وجودهم في السجون مصدر قلق لأهالي الضحايا؛ الذين ينتظرون لحظة القصاص بفارغ الصبر.

إن تعاطف الجماهير في قطاع غزة مع المظلوم لا يصوغ له الحق في الانتقام، ولا يخوله لأن يأخذ القانون بيده، ليقوم بالتربص للطرف الآخر، والاعتداء عليه، فطالما أدان المجتمع الجريمة، وطالما قامت الشرطة بواجبها، فإن الواجب يقضي بأن يعمد العقلاء إلى كظم الغيظ، وضبط النفس، وعدم الانجرار وراء ردود الفعل الغاضبة، وكلنا ثقة بأن العدالة ستأخذ مجراها.

د. فايز أبو شمالة