المشكلة أو الإختلاف يمكن مواجهته بالحوار، والاقتراب المباشر من أجزاء تلك المشكلة، في محاولة متقدمة إيجاد الحلول لها، ومهما كان الحل معقدا في بداياته، فإنه يعود بالنفع على أصحابه، ولن ينتصر مجتمع في أي معركة طالما قواه على خلاف، ويقوم الأعداء دائما على شحن وتأليب وتأجيج المتخاصمين، وكلما أصبح فضاء الحوار واللقاء قريبا كلما كانت فرص النجاح أكثر وهذا النجاح عنوانه الاحترام المتبادل والاعتراف بالخطأ، والقبول بالآخر، والانفتاح على الحلول والبدائل، والمراجعة النقدية الايجابية، والتناغم والتكامل في المصالح العامة.
الدفاع عن الفكرة، لا يجيدها الا المثقف الواعي، بينما الشخص الهش والمشوش سرعان ما يغرق في بيئة النقد السلبي، والخروج عن المألوف، بل حتى ربما يخرج تماما من حدود الفكرة الى هامش البيئة، بحيث يصبح المكون الثقافي لديه عبارة عن عملية "تفريغ" تفتقر الى المعلومات الدقيقة، بل الأسوأ حين يتحول هذا النقد الى طاقة سلبية ورؤية منهزمة، فتغيب منه الاستفادة.
الشخصية الأمريكية منفتحة، ومشاعرهم واضحة بخلاف الانجليز المتحفظين، بهذا يمكننا فهم طبيعة أهم دولتين تسببتا في نكبتنا الأولى، فالرجل المتحفظ والغامق مارس دور قذر بأن أعطى ارض ليست له، لمن لا يستحق، بل أنه تمادى في ذلك، حتى جاء الأمريكي المنفتح بأن إعترف مباشرة بالدولة المحتلة، دون مراعاة حتى لقواعد وأسس الثورة الأمريكية التي حررته من الدماء والعبودية، بالتالي فإن الإنفتاح الأمريكي يخص الجانب الاجتماعي في المجتمع الأمريكي نفسه، ويمارس نقيضه خارج الأرض الأمريكية، بحيث يتحول الى محتل وقاتل ومتنكر لحقوق البشر، بل ممارسا لأسوأ دور بإنحيازه للقاتل وللمحتل، ووقوفه ضد حقوق الضحية التي كان له الدور الكبير في مصادرة حقوقها ووجودها وشرعية مطالبها، وهذا البريطاني الذي مارس الاستعمار، وعمل على تمهيد الأرض التي احتلها ليبيعها لعصابات مختلفة الألوان لا علاقة بها بالأرض الطيبة، عليه اليوم أن يخرج من تحفظه المجتمعي ويعتذر لشعب فلسطين، وبل عليه ان يقدم التعويض الكامل ضد كل ما أصاب مجتمعنا، وهذا حق مشروع وأخلاقي.
نحتاج كشعب فلسطيني الى المثقف القاريء المتعمق في جذور القضية، القادر على الاتصال والتواصل والإقناع، وفي نفس الوقت يمارس دوره في الحوار البنَّاء، وإختراق الجمود ليحوله الى الممكن المحسوس، وكما نحتاج الى أن يكون للمثقف دوره المتقدم في معركتنا المستمرة من أجل نيل الحرية وإزالة الاحتلال وقيام دولتنا المستقلة وعاصمتنا القدس الشريف.
بقلم/ د. مازن صافي