علم الجبر في جبر الحال العربي

بقلم: عدنان الصباح

بعيدون نحن كل البعد عن إدارة حياتنا بالأرقام على قاعدة تسهيل الفعل واختصاره والقدرة على الانتقال سريعا من حال إلى حال, ولا يمكن في زمن الفيمتو ثانية المفسر لمفهوم السفر عبر الزمن بقياس المسائل في الفروق الواقعة بين الثانية المعروفة بصعوبة لنا ومقارنها القائم على الفرق بينها أي الثانية وبين الفيمتو ثانية كالفرق بينها وبين 32مليون سنة من الزمن فمن أين سنأتي بالقدرة على الفرار إلى الأمام عبر هذا الزمن الواسع ونحن لا زلنا نعيش الوهم في الشعر ويحق للشاعر ما لا يحق لغيره لينتقل الحق المطلق هذا للسياسي والفقيه والمالك للقوة بكل تجلياتها وفي كل تفاصيل حياتنا, ولا تعيش الرياضيات بكل تفاصيلها وأهميتها في عقولنا وهي بالتالي لا تجد طريقها إلى حياتنا وأفعالنا وما يفعل فينا وفي زمن تتعالى فيه الأصوات الفاعلة في الدعوة لاستخدام الرياضيات في كل جوانب حياة الأمم الساعية للفعل على الأرض في زمن ننزوي فيه نحن بعيدا مقلدين غيرنا حتى في الإبداعات الشفهية والفنون والآداب فلا يمكن لمن لا يملك القدرة على التجريد ومعالجة العلاقة بين الفصل والوصل للظواهر أيا كانت طبيعية أم اجتماعية أم اقتصادية أم سياسية أن ينتقل خطوة واحدة إلى الأمام فالحال يشبه إلى حد بعيد حال الأسير المقيد اليدين والقدمين مع رغبة جامحة بالطيران.

العالم الكبير عباس ابن فرناس المسلم غير العربي أولا اختتم حياته العلمية الواسعة والكبيرة بتجربة الطيران الفاشلة فما الذي حصل في الأمر فيما يخصنا انقسمنا بموقفين الأول راح يقرأ أساس الفعل الظاهر للعامة كفعل موت لا أكثر إن كان مقبولا أم لا وهل مات الرجل منتحرا وكافرا أم غير ذلك والثاني سرق الرجل نفسه من قوميته وانتحله زورا كعربي عند الضرورة في حين انطلق أصحاب الفيمتوثانية إلى السفر معه عبر الزمن للبحث عن كيفية الاستفادة من التجربة وأين كمن الخطأ وما هي العلامات التي علينا أن نحتفظ بها من خطوته وما هي العلامات التي يجب أن نحذفها وانتقلوا به إلى علم الحساب والجبر والهندسة التحليلية وفحصت المتقابلات وزيدت الحفرة اتساعا وحجما وعمقا بالحفر وارتفع كوم التراب إلى أعلى حتى وصلوا بابننا إلى الطيران باسمهم على وقع سقوط جسده الذي سقطنا نحن معه إلى حفرة الموت بينما امسكوا بحفرته لينزلوا أكثر فتتسع الهوة ويكبر التل والمعادلة أصعب بكثير من أن يدركها ملتصق بجدار الحفرة من ذاك الذي يرتفع على كوم التراب.
الفرق إذن بين متناقضين أو متشابهين من يحفر ليرتفع ومن يحفر ليهبط أو من يهبط ليرتفع أو من يرتفع ليهبط وبين من لا يرى في الأمر سوى نتيجة الهبوط مسبقا ومن يرى فيه نتيجة ارتفاع مسبقا, فالحفر هنا إما أن يكون بهدف إيجاد ارتفاع مضاعف برفع ما في الأرض إلى فوقها فنحصل على ارتفاعين وبين من يرى في النزول إلى قاع الحفرة هبوطا مضاعف حين يرتفع فوقها ما خرج منها, هذه المعادلة معقدة لحد لا يمكن التعامل معها ببساطة ما نرى ولا يمكن الانتقال إلى الأمام دون الإجابة على تساؤلاتها الرياضية فهناك ناقص وزائد لا تحتمل المتخيل بعيدا عن الأرقام والإحصائيات فمتر من التراب تحت دون أن نخرجه إلى فوق يبقينا في حالة الصفر وحين نصعد به إلى فوق الأرض لا نملك مترا فقط فوق الأرض الأصل بل سنملك مترين أعلى عن منخفض الحفرة التي صنعناها أي أننا أمام ارتفاعين متر عن ما كنا عليه ومترين عما ذهبنا إليه وبدون الاستعانة بعلم الجبر لتبسيط كل هذه الفلسفة لا يمكننا أن نجد أنفسنا قادرين على الإجابة عن السؤال مثلا ماذا فعلت ما تسمى ثورات الربيع العربي بحالنا هل أنزلتنا بالحفرة أم رفعتنا إلى قمة التل الصناعي المستحدث بأيدينا ومن أين يمكن أن نصوغ المعادلة الجبرية التي نحتاج بناء على ذلك ونقدم لأنفسنا منحنيات الفعل والمتخيلات التي لم نعرفها أو التي لا نعرفها لنصل إلى المعلوم من غير المعلوم إن لم نعط لكل مكون من مكونات المعادلة رمزا متخيلا يتيح لنا كسر السلاسل المقيدة بها عقولنا قبل أطرافنا وننتقل بالمتخيل واللا معلوم إلى حالة الملموس على الأرض.
لا يمكن لذلك أن يحدث على الأرض فعلا وما دامت العلاقة بين الأرض والسماء قائمة حقا على الوصل والفصل فان الانتقال إلى هناك دون استقدام أدوات علم الجبر لفصل ووصل المختلف والمتشابه للوصل إلى أدوات الوصل المتخيلة بين المختلفات أو حتى المتناقضات فان المكان الطبيعي لنا هو قاع الحفرة لا قمة التل.
محاولة عباس ابن فرناس الطيران قادته شخصيا إلى القبر لنجد موقفين من فعلته كلاهما لاحقاه إلى القبر... الأول ليحفر في تفكيره, والثاني ليحفر في القبر ... فوصل الأول إلى إدراك أن مهمة الحفر هنا هي مهمة للارتفاع ويصل الثاني إلى أن مهمة الحفر هنا هي استكمال لفكرة القبر فانقبر معه عند خطوته ذاتها لذاتها في ظاهرها, بينما انطلق الآخر محلقا في عنان السماء حاملا معه راية نفس الرجل الذي أعطانا القبر كما فهمناه وأعطاهم المجد كما فهموه, هم وضعوا معادلة المتخيل التي يريدون فوصلوا إليها ونحن انغمسنا في المرئي كملموس فبقينا مقيدين إليه كماضي نعرفه دون أن نقبل فكرة الأفضل كمتخيل وافتراضي نريده أن يكون وهو ما لا يعطينا القدرة على صناعة المعادلات المتخيلة إلى الأمام رفضا للواقع المقيد طلبا للأفضل واقعا وهو ما تمكنت من فعله الأمم الحية التي تقرا يوميا مكانها على سلم علم الرياضيات كمقياس عالمي لتقدم الأمم وتخلفها في الواقع أصلا.
من هنا أرى أهمية الانتقال إلى حالة ما سمي بالأصل بالربيع العربي منطلقا من تونس ليصل بها إلى ما يمكن تسميته بخطوة إلى الأمام بينما تحول لدى الآخرين إلى مقبرة ولا زالت الحفرة تتسع في معظم أرجاء الوطن العربي وبدل أن نستخدم تراب الحفرة لصناعة التل للارتفاع فوقه والانتقال إلى مستوى العالم المتحضر أكثر رحنا ننثر التراب في وجوه بعضنا لزيادة التعمية فكيف يمكننا استقدام كل مكونات علم الرياضيات في الحساب والجبر والهندسة للملمة ذرات تراب حفرتنا لعلنا نصوغ منه تلا جديدا يقودنا إلى الأعلى مرتين كما ينبغي ونصبح بدل السقوط في حفرتنا التي حفرناها بأيدينا, لنكون قد حفرنا لنضع ما بجوف الأرض فوقها لنعلوا ونطل على ما في الكون من جديد فالأصل أننا أبناء الحياة فوق الأرض وباطن الأرض لخيراتها لا لأبنائها.
المتخيل المرغوب والمطلوب لغدنا كعرب بوطن حر ديمقراطي متطور يقوم على قاعدة الحياة والحرية والكرامة للناس على الأرض يحتاج لعقول قادرة على التجريد والفحص واستعادة المعلوم من السرقة التي تغيبه في المجهول البعيد وهذا قائم على إدراك المتغيرات وتحديد المختلف والمتناقض وتقليص الهوة بشطب المتشابه فنحن مثلا نريد الوصول بحالنا العربي إلى حد مقياس مكون افتراضي يعني النجاح وليكن ( +10 ن ) وهذا بالمقياس الطبيعي يحتاج مكونات أساسها الربيع كمؤسس طبيعي لنمو الطبيعة والمنتج الطبيعي كمنتجات الشجر من الثمار ولكي يمكننا أن نصل لمنتجنا وهدفنا للثمر نحن بحاجة إلى ارض وماء وأيدي ومحراث وبذور ستنقلنا إلى درجة ( +10 ن ) أي نمو وهذا يعني أن معادلة افتراضية على النحو التالي ( 5أ + 2م +7ي + × ب ) قد تصل بنا إلى ( + 10 ن ) في حين نحن الآن في حال ( – 5 ن ) أي أننا دون المستوى الذي نريد ليس ب خمسة نقاط بل بخمسة عشره نقطة فما هي مكونات المعادلة الحالية التي جعلتنا في الحال ( – 5 ن ) لكي نكتبها أولا ومن ثم نتمكن من وضع مكونات المعادلة التي نريد ونقوم بتحديد المتشابهات وحذفها مثلا والمختلفات وجبر مسافاتها والمتناقضات وتحديد ما نحتاج وما لا نحتاج منها, ثم نضع خطة الانتقال لجبر المسافة والسفر بنا إلى ما نريد هناك عبر الزمن واختصار المسافات والوقت بأنجح ما يمكننا, هذه هي متخيلاتي لقراءة الحال بالجبر التجريدي وكل أنماط علم الرياضيات كسلم للثورة إلى الأمام يستحيل بدونها الإفلات من قيود الجامد المدفون إلى المتحرك المنطلق.

 

بقلم
عدنان الصباح