بسم الله الرحمن الرحيم
من القاهرة هذه المرة أكتب ، وقد جئتها زائراً من فلسطين المحتلة قبل عدة أشهر لمتابعة علاجي الذي أواظب عليه بانتظام منذ عشر سنوات ، وقد فجعت وحزنت كما كل الفلسطينيين والمصريين والعرب والمسلمين بالجريمة البشعة التي استهدفت مصلين أقباط مسيحيين بتفجير كنيستهم البطرسية أثناء صلاتهم يوم الأحد الماضي 12ربيع الأول 1438ه ــــ 11 كانون أول / ديسمبر 2016 ، بالتزامن مع احتفالات المسلمين بعيد المولد النبوي الشريف لسيد الخلق والأنبياء أجمعين الرسول الأعظم محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، جاءت المجزرة الوحشية البشعة التي ارتكبها وحوش لاعلاقة لهم بدينٍ أو انسانية أوعرف وقيم ضد الكنيسة البطرسية في حي العباسية التاريخي في قلب القاهرة بمصر لتذكرنا بالمجزرة النازية البشعة التي ذبحت فيها عصابات التكفير والإرهاب والوحشية واحد وعشرين عاملاً مصرياً مسيحياً في ليبيا ، كان ذنبهم الوحيد أنهم مسيحيون ، وتجاوز مستوى الاجرام والتوحش بالفاشية والنازية الجديدة كل حدود الوصف والتوقع ولم نشهد لها مثيلاً حيث أبعد الوحوش رؤوس الضحايا عن جثثها و بعثروها حتى لايتم التعرف على أي جثة تعود لهذا الرأس؟؟!! ، كل هذه الجرائم البشعة الوحشية تتم في الوقت التي لايختلف فيه أحد على أن القدس الشريف والمسجد الآقصى المبارك وكل مايتعلق بالحضارة الإسلامية وممتلكات وتوابع الوقف الاسلامي والتاريخي ، وأضرحة العديد من الأنبياء والعارفين بالله وأولياء الله الصالحين ، ومقابر الصحابة والفاتحين وقادة لاسلام والفتوحات محتلة ومغتصبة ومدنسة من الكيان الصهيوني منذ أكثر من ستين عام ، ويسابق الإحتلال الصهيوني ليكمل عملية تهودي القدس الشريف والمسجد الاقصى المبارك ، وتحويل قبلة المسلمين الأولى ومسرى الحبيب المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وثالث الحرمين الشريفين ، إلى كنيس يهودي تلمودي صهيوني !!!
ومن الوضح أن هؤلاء المجرمين الوحوش أرادو توجيه ضربة مؤلمة وموجعة لمصر الكنانة والعروبة التي بدأت مؤخراً تعلن عن مواقفها وخطواتها الواضحة إلى جانب النظام السوري ، وضد الإرهاب والمؤامرة التي تستهدف تقسيم سوريا ، خاصة بعد زيارة مدير المخابرات السوري اللوء علي المملوك الى القاهره ومكوثه فيها ستة أيام . ومقابل هذا التوحش والإرهب الأعمى الذي لادين ولا ملة وجنسية له ، عندما استهدف زعيم الإرهاب والتوحش الصهيوني رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو والكنيست الصهيوني الآذان في القدس والمسجد الاقصى لمبارك ، فقد أعلن أشقاءنا وأخوتنا وأحبتنا المسيحيون في فلسطين انهم سيؤذنون ويكبرون من كنائسهم في القدس وفلسطين المحتلة عام 1948 ، وهذا ماحدث بالفعل فقد رفع ، ومازال يرفع صوت الآذان من داخل كنائس القدس والناصرة وحيفا وكل كنائس فلسطين المحتلة .
حسبنا الله ونعم الوكيل على كل المجرمين والمتوحشين والمتآمرين على أمتنا وشعوبنا العربية والاسلامية ، هؤلاء الوحوش الذين يبيحون لأنفسهم سفك دماء المسلمين والمسيحيين والأبرياء والمستأمنين والآمنين في بلاد العرب والمسلمين ، ويستهدفون دونما تفريق المساجد والكنائس وبيوت العبادة وأضرحة ومقامات ومقابر المسلمين والمسيحيين ، ويسفكون الدماء البريئة في مصر وتركيا وسوريا والعراق واليمن والصومال وليبيا ونيجيريا والباكستان وغيرها من البلاد العربية والاسلامية ، ويزعم هؤلاء المتوحشون المجرمون ـــــــ كذباً وزورً وبهتاناً وافتراءً ــــ أنهم يسفكون هذه الدماء البريئة باسم الله ورسوله وباسم الاسلام !!، بينما الله والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) والاسلام أبرياء منهم ، فالاسلام دين الإنسانية والرحمة والمحبة والشفقة والطيبة، ورسولنا الكريم (صلى الله عليه واله وسلم ) هو نبي الرحمة والعطف والانسانية والسماحة والوسطية والاعتدال ، وهو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من علمنا صون حقوق وأعراض وخصوصيات وممتلكات المسلمين والمسيحين والأهل والجيران والناس أجمعين ، وقد وصفه الله جل وعلا خير وصفٍ ، حينما قال سبحانه وتعالى : ( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ) ، أي المسلمين وغير المسلمين ، والبشر وغير البشر ، وقد أوصى الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الإمام على بن أبي طالب ( عليه السلام ) عند تكليفه إياه بفتح حصن خيبر الحصين ، إثر نقض اليهود لعهودهم ومحاربتهم لله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وللإسلام والمسلمين، وتآمرهم مع المشركين وأعداء الإسلام ضد الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وضد المسلمين والدولة الإسلامية في المدينة المنورة وخارجها : ( لا تقتل راهباً ، ولا تقتل النساء ولا الأطفال ، ولا تقتل فلاح يزرع ولا تقطع الشجر ... ) .
وهناك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ونهج الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين ( رضوان لله عليهم أجمعين ) ، مالايمكن حصره حول حرمة المساس بدماء المسلمين والنصارى وأموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم ، وكذلك دماء وأموال وممتلكات وأعراض كل من توطن وسكن وإستأمن والحياة والعمل والسياحة في ديار المسلمين ، واعتبر الاسلام أن أكبر الكبائر هي ( جريمة القتل العمد ) ، وسواء أكان القتل للمسلم ديناً أومواطنةً ، فالقتل محرم ، وعقوبته رادعة للقاتل في الدنيا والآخرة ، وأكد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أن : ( هدم الكعبة أهون عند الله سفك / أوقتل أمرؤ مسلم ) .
وكل من سكن وأقام وعمل واستجار ديار الاسلام ، أوجاء زائراً وسائحاً وحاجاً مستأمناً ، حتى لو كان غير مسلم الديانة، فهو مسلم بالمواطنة ، ولم يسمح الاسلام بالمطلق بالمساس بحقوق الديانة والعبادة والحياة والعمل لغير المسلمين ، ورفض أبداً إكراه غير المسلمين على الدخول إلى الإسلام ، ومنحهم حرية الإعتقاد والعبادة ، وحرية اختيار الدين والديانة ، بل وتكفَّلَ بحمايتهم وحماية معابدهم وكنائسهم وقساوستهم ، والإسلام العظيم دين العدل والاعتدال والسلم والمسالمة والمحبة والتقوى ومكارم الأخلاق، والإسلام لم يأمر إلا بقتال المعتدي والمحارب والمجرم والمغتصب لديار المسلمين ومقدساتهم وحقوقهم والمنتهك لحرماتهم وأعراضهم ، مثلما هو الحال في وجوب قتال ومقاومة اليهود الصهاينة المجرمين المغتصبين لفلسطين المحتلة والقدس الشريف والمسجد الاقصى المبارك .
ولا يزعم أحد من البشر وشيوخ الفتاوي التكفيرية وأدعياء العلم الشرعي أنه حجةً على الإسلام والمسلمين !! ، إنما الإسلام الرحيم العطوف هوالحجة على الجميع ، وكل من يزعم أنه يقتل الأبرياء المظلومين باسم الإسلام ، فلاعلاقة له بالاسلام ، وهؤلاء المجرمون ومشايخهم إنما يتحدثون عن دينٍ آخر لانعرفه ، ولايعرفه علماء وفقهاء الإسلام ، والإسلام والمسلمون أبرياء من هذا التوحش النازي البشع ، وكل هذه الجرائم وعمليات القتل البشعة الفظيعة والسلوك الهمجي ، وكل من يشارك في هذه الجرائم، إنما يشارك ـــــ بوعيٍ أوبدون وعي ــــــ في مخطط إجرامي جهنمي شيطاني عالمي يستهدف بالدرجة الأولى تشويه صورة الإسلام والمسلمين في أعين وأذهان جميع الناس ، ودفع المسلمين أنفسهم لهجر الإسلام وتركه ، وكذلك إثارة النعرات والفتن المذهبية والطائفية وتمزيق الأمة ، خدمةً لأعداء الأمة وأعداء الإسلام ، ولقد جعل الاسلام العظيم للنفس الإنسانية مكانةً محترمة، ومدح القرآن الكريم إحياء النفس وذم قتلها ، فقال تعالى : (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) ، [سورة المائدة ـ الآية 32] .
وان قتل النفس الإنسانية جريمة كبرى لا يرضاها الله تعالى، ولا يرضاها رسوله الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم) ، وجاء في القرآن الكريم : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [سورة المائدة ـ الآية 2] .
وقال الله تعالى : (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ، [سورة المائدة ـ الآية 33].
وقال تعالى : (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) ، [سورة النساء ـ الآية 93] .
وقال تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) ، [سورة الفرقان ـ الآية 68] .
وقال تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) ، [سورة الاسراء ـ الآية 33] .
وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، [سورة النحل ـ الآية 90] .
وورد في الحديث النبوي الشريف ، عن أبي سعيد وأبي هريرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار) رواه الترمذي.
وعن عبدالله ابن عمرو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائجة الجنة) رواه البخاري والنسائي، (من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً) ، (من قتل نفساً معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها).
وعن أبي سعيد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: (يخرج عنق من النار يتكلم يقول وكلت اليوم بثلاثة بكل جبار وبمن جعل مع الله الهاً اخر وبمن قتل نفساً بغير نفس فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم) . رواه أحمد والبزار والطبراني.
ولذلك فانني ــــــ كما كل المسلمين ـــــــ أدين مخطط وعمليات الاجرام والتوحش باستهداف الأبرياء في مصر العزيزة ، وأدين قتل اخوتنا المسيحيين وتفجير كنيستهم البطرسية ، وكذلك أدين استهداف الجيش المصري والشرطة وكل مايمس بمصر العروبة والكنانة ، وأيضاً أدين التفجيرات الإرهابية في اسطنبول والتي استهداف الأبرياء في تركيا ، وأدين ما تتعرض له الشقيقة سوريا واليمن العزيز والصومال وليبيا والعراق من حرب ابادة منهجية لشعوبها وتمزيق لجغرافيتها وتغيير لبنيتها الديمغرافية ، وكل محاولات تقسيمها وتفتيتها لتنفيذ مخطط التقسيم الإستعماري الجديد ( سايكس بيكو 2) ، وأيضاً أدين التفجير الإرهابي في نيجيريا وكل ما تتعرض له أمتنا وشعوبنا ودولنا الاسلامية والعربية من مؤامرات ومخططات تخريبية وفتن متنقلة وسفك لدماء الأبرياء ....
وكل ما تشهده منطقتنا العربية والاسلامية هي نتاج مؤامرات أعداء الأمة وأعداء فلسطين، الذين خططوا ودفعوا المسلمين لذبح بعضهم البعض ، فأثاروا النعرات المذهبية والطائفية ، وصنعوا لنا الفتن الكبرى المتنقلة من بلدٍ إلى أخرى ، لكي نغيب ونبتعد عن التماس مع الخطر والتحدي الأكبر لفلسطين ومصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا وكل الأمة؛ التحدي والمشروع الصهيوني الذي لايريد فقط أن يستمر في احتلاله لفلسطين المباركة ، إنما تدمير كافة مكونات الأمة الاسلامية والعربية ، ومنع نهضتها ووحدتها وتمسكها ، وستنزاف خيراتها ، وتمدده في كيانه السرطاني ، ليحقق حلمه الإستيطاني التلمودي بإقامة ( دولة اسرئيل الكبرى من النيل إلى الفرات !!) ، أي إزالة الدول العربية الكبرى والهامة وقلب الأمة : مصر وشمال السودان وفلسطين وسوريا ولبنان والأردن والعراق والأجزاء الشمالية من المملكة العربية السعودية حتى شواطئ الخليج ، والتي هي ــــ كما أخبرنا القرآن الكريم ، والنبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الأرض المباركة التي وردت في عشرات الآيات لقرآنية الكريمة ، ومئات الأحاديث النبوية الشريفة ، وهي أرض المحشر والمنشر ــــــ ، فهل يدرك المجرمون المتوحشون أنهم أدوات في يد المشروع الإستعماري الصهيوني التدميري التخريبي ، من أجل إقامة ( دولة اسرائيل الكبرى ) ، وأن كل من يمولهم هم عملاء وصبية وسماسرة سلاح المشروع الصهيوني التلمودي ؟؟!...
رحم الله جميع الضحايا الأبرياء المظلومين مسلمين ومسيحيين في مصر الكنانة ، وفي سوريا وتركيا والعراق والصومال وليبيا ونيجيريا والصومال واليمن، ولعن الله القتلة المجرمين ، وأتقدم من ذوي ضحايا هذه التفحيرات الآثمة بأحر التعازي والمواساة ، سائلاً الله تعالى لهم الرحمة والمغفرة ، وأدعوالله تعالى للجرحى أن يعجل لهم الشفاء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.محمدأبوسمره ــــ فلسطين المحتلة
مفكرومؤرخ ــــ رئيس الحركة الإسلامية الوطنية في فلسطين ، ومركز القدس للدراسات والاعلام والنشر.
البريدالاليكتروني [email protected]