قبل نهاية هذا العام، يحتفل العالم أجمع مع سبق الاصرار، عبر القنوات والفضائيات وصفحات التواصل الاجتماعي وغيرها من والوسائل، على انقاض صور جثث أشلاء ممزقة ومتفحمة ، وأطلال مدمرة ، والطفولة المشردة ، والنساء المهجرة، في الشوارع وفي الازقات وفي كل مكان، ومقاطع فيدوهات تحمل أفظع وأبشع المشاهد من الاطفال والشيوخ والنساء ، صراخ وأنين ومناشدات وتكبيرات لأهلنا في مدينة حلب الجريحة تستغيث "لاحبيب ولا مجيب"!! ، مدينة كاملة تباد أمام أعين ومسمع العالم الاسلامي قبل الغربي ولا حياة لمن تنادي ، في مشهد يعصر القلب حسرة وأسى.
انها تأملات المشاهد العربي الاسلامي معاً "المخزي" ، عبر الشاشات تستلذ بفيلم وثائقي مرعب ،أمة فقدت كرامتها ، وسقطت معها كل المعاني تبكي حال حلب من غزو الروس والمليشيات المتكالبة معها ايران التي تريد الهيمنة على سوريا مثلما تكالبت سابقاً على العراق واسقطت صدام ومعها العراق المجيد واحرقت ودمرت وعاثت في الارض فساداً ، من الشمال الى الجنوب ولا زال التكالب .
سقطت المدينة وسقط العالم اخلاقياً وسقطت معها انشودة الغرب "حقوق الانسان" التي اوهمتنا بها عبر العصور ، غارقين بالنوم العميق "مزقت الوحدة العربية "،هذا هو المعنى الادق ان صح التعبير .
هل باستطاعة الحياة في حلب أن تبعث من جديد بعد الموت؟ ؟ هل باستطاعة التراث أن يعاد ترميمه ؟ هل لمدينة حولت إلى حطام و باطون مذاب أن تقوم من جديد؟
اتخيل مدينة حلب الجميلة الساحرة القديمة ،التي بنيت من حجارة قوية صلبة ،والاسوار العتيقة والابواب والحمامات.
أتخيل حلب القديمة التي بنيت من الأسواق و الأبنية المشادة بالاساليب الموروثة، والمهن التقليدية المتعاقبة التي وصلت الينا كلها عبر الأزمان في تسلسل غير منقطع حفظ في ذاكرتنا لمحات من حياة الاجداد المعششة في بيوت و أحياء عمرها مئات السنين.
هل قُضِي في سوريا على التاريخ الحي للمدن القديمة بفعل القوة الهمجية المكثفة لآليات الحرب بشتى انواعها و التي استخدمت بإحكام و جنون من قبل قتلة الإنسان و الحضارة؟ هل سيختفي هذا التاريخ؟ .
يتملكني نوع من التعب الفكري، أو سمها إن شئت تعب روحي، وكأنني اشعر بصرحي الشخصي يتداعى اذ أ غرق في مستنقع الدمار والخراب الذي حل بحلب الجريحة.
نفذت الكلمات ووقف لسان حالي ،أمام حضارة عريقة في دركات الذكريات، أبكي مجداً عريقاً يتحول لحطام وتحت أقدام المجوس ،وكأن شيئاً لم يكن. تساقطت أحجار المآذن التي كانت تعلو منها صيحات الله أكبر الله أكبر ؛ وسقط معها الضمير أخر حصون الإنسانية وقلاعها المنيعة ، وسقط القانون الدولي، و معه محكمة ﻻهي لجرائم الحرب ، وسقطت الأمم المتحدة ، وانعقد لسانها إﻻ من بيان هزيل يدعو السكان المدنيين إلى مغادرة بيوتهم، وصمت معها الإعلام الدولي والعربي معاً عن جرائم النظام السوري وحلفائه وأذنابة.
غادة طقاطقة