إسرائيل تتمدد....والعرب يتراجعون

بقلم: راسم عبيدات

لن تفيدنا كعرب لغة الإنشاء واللغو الفارغ عن ان دولة الإحتلال الصهيوني تشهد حصاراً وتراجعاً على المستوى العالمي،فالمؤشرات والمعطيات والدلائل هي غير ذلك،فقد نجحت إسرائيل في ظل حالة الإنحطاط والإنهيار العربي غير المسبوقتين،والحرف المتعمد من قبل بعض الدول العربية لأسس الصراع وعنوانه من صراع عربي- " إسرائيلي" الى صراع عربي- إيراني في تحقيق إنجازات غير مسبوقة على صعيد اختراق العالمين العربي والإسلامي والقارتين الأسيوية والأفريقية وحتى مؤسسات الأمم المتحدة،حيث نجحت من خلال مرشحها العنصري المتطرف "داني دنون" من تولي رئاسة لجنة مهمة في الأمم المتحدة، لجنة مكافحة الإرهاب،دولة غارقة في ممارسة الإرهاب من رأسها حتى اخمص قدميها تتولى لجنة مكافحة الإرهاب والتشريع لها،وبدعم ومساندة من العديد من الدول العربية والإسلامية،إنه تطور غير مسبوق على صعيد الصراع العربي- الإسرائيلي.
إسرائيل ليس فقط تقيم علاقات دبلوماسية واقتصادية وتجارية وأمنية وعسكرية مع العديد من الدول العربية والإسلامية،بل هذه العلاقات خرجت الى العلن وكما قال نتنياهو" نريد أن تكون تلك العلاقات علنية وعلى رؤوس الأشهاد،وبالفعل نشهد تنسيق وتعاون عربي- إسرائيلي وصل حد المناورات العسكرية المشتركة،وإسرائيل في اختراقها للقارة الأفريقية نجحت ليس فقط في اعادت علاقاتها المقطوعة مع العديد من الدول الأفريقية،بل عملت على تطوير وتدعيم علاقاتها الأمنية والعسكرية والإقتصادية معها،ونجحت في تهديد الأمن القومي العربي،فهي لعبت دوراً بارزا في دعم المتمردين في جنوب السودان،ولتسفر جهودها ودعمها العسكري لهم عن تقسيم السودان،وإقامة ما يسمى بدولة جنوب السودان،ولتنجح لاحقاً في تطويع النظام السوداني نفسه نحو التطبيع مع دولة الاحتلال ،ومطالبة أمريكا ودول أوروبا الغربية بدعم السودان اقتصادياً ومالياً والعمل على شطب اسم رئيسه البشير المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية بتهم الإبادة الجماعية والتطهير العراقي،لإنتقاله من معسكر ايران – سوريا- حزب الله الى المعسكر القطري- السعودي – التركي،وكذلك هددت الأمن القومي المصري من خلال تحريضها النظام الاثيوبي على إقامة سدود على منابع نهر النيل،لكي يخلق ذلك ازمة مائية كبيرة في مصر تهدد الكثير من مشاريعها الاقتصادية وامنها القومي .
اليوم إسرائيل تعلن بشكل واضح بأنها تشاطر وتشارك الدول العربية "السنية" مواقفها ومستعدة للتعاون معها لمواجهة "العدو" المشترك ايران وداعش،وهذا واضح من خلال تطابق المواقف من ما يحدث في سوريا،وبشكل صارخ وفاضح بعد نجاح الجيش السوري في استعادة حلب لحضن الوطن،وكذلك التحريض الكبير الذي مارسته إسرائيل والعديد من البلدان العربية،مشيخات الخليج العربي على أمريكيا لرفض توقيع الاتفاق معها بشأن برنامجها النووي،والعمل على ضربها عسكرياً وفشل إسرائيل في ذلك لم يثنيها عن مواصلة تهديدها لإيران،حيث تشعر بأنها تزاحمها على نفوذها ومكانتها الإقليمية في المنطقة،وتشكل خطر وجودي عليها من خلال دعمها للنظام السوري ولقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية،ولذلك نجد انها تمارس كل أشكال التحريض على النظام الإيراني،وتحث الإدارة الأمريكية الجديدة على التنصل من الاتفاق مع ايران حول برنامجها النووي،ولعل الزيارة التي قام بها قبل يوميين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الى جمهوريتي كازاخستان وأذريبيجان،ليس فقط هدفها تدعيم العلاقات الاقتصادية والعسكرية والأمنية المتنامية مع تلك الجمهوريتين المتاخمتين لحدود ايران،حيث ان اذريبيجان تشتري من إسرائيل أسلحة بما قيمته خمس مليارات من الدولارات،ناهيك عن اذريبيجان توفر ما قيمته 50% من احتياجات إسرائيل النفطية وكازاخستان توفر 20 % منها.
إسرائيل ترى بأن الأوضاع الفلسطينية والعربية والدولية مريحة لها من حيث رفضها لتقديم أي تنازلات جدية من أجل السلام،او قبولها لعقد أي مؤتمر دولي للسلام كمؤتمر باريس،يفرض عليها التزامات دولية وتقديم تنازلات فيما يتعلق بالإستيطان والإنسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة،وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل حدود الرابع من حزيران،وصحيح هي تواجه مشاكل مع دول الإتحاد الأوروبي على وجه التحديد،في قضية "التغول" و"التوحش" الإستيطاني،لكن هذا لا يعرقل او يمنع تطور وتقدم علاقات إسرائيل العربية والإسلامية،ونتنياهو كشف في زيارته الأخيرة لكازاخستان أنه طلب تأييد رئيسها نزار باييف لتولي إسرائيل عضوية مجلس الأمن الدولي في العام 2019.
إسرائيل قوضت وفرغت مبادرة السلام العربية من جوهرها،واستمرت على رفضها ،والعرب عملوا على ترحيلها وتعديلها من قمة عربية الى أخرى لكي توافق عليها إسرائيل،وإسرائيل قالت بشكل واضح بان ما هو جوهري في مبادرة السلام العربية ،هو التطبيع مع إسرائيل ،وها هي تصل الى ما تريده علاقاتها خرجت من الإطار السري الى العلني مع العديد من الدول العربية،وتراجع الإهتمام بالقضية الفلسطينية على حساب الهم القطري والمشاكل الداخلية العربية،ولم تعد إسرائيل العدو المركزي لها،ونتنياهو في زيارته لاذريبيجان وكازاخستان أراد أيضاً ان يوجه رسالة لطهران،بأن استمرار طهران بتهديد إسرائيل والتحريض عليها،سيلقى رداً اسرائيلياً من خلال إقامة قواعد عسكرية إسرائيلية في اذريبيجان ،تكون جاهزة لتوجيه ضربات عسكرية لطهران،وكذلك هو يريد أن يخرج إسرائيل من عزلتها ويحدث انقلاباً في شبكة علاقاتها العربية والإسلامية والدولية،وهو يقول بأن هناك تطور إيجابي ومتصاعد في هذا المجال،ولذلك هو يريد نزع الثقافة العدائية التي تربى عليها العرب والمسلمون ضد دولة الإحتلال،ويطمح الى أن تصبح إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة في ظل شروط وظروف غير طبيعية،أي تطبيع العلاقات مع العرب والمسلمين مع استمرار احتلالها لفلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى،وإسرائيل تحقق نجاحات كبيرة على هذا الصعيد في ظل حالة عربية مهترئة،حيث نشهد عدم توافق عربي على دعم المشروع الفلسطيني المنوي تقديمه لمجلس الأمن الدولي حول عدم شرعية الإستيطان،ووقفه في الضفة الغربية والقدس المحتلة،وهم يرهنون موقفهم وحركتهم ،بسبب فقدانهم الإرادة والقرار المستقل للإدارة الأمريكية،لغة وعقدة "الإرتجاف" السياسي المستديمة في التعامل مع الإدارة الأمريكية مسيطرة عليهم،ولذلك إسرائيل ستحقق المزيد من النجاحات والتمدد والتوسع على كافة الصعد عربياً وإقليمياً ودولياً،والعرب سيبقون أمة ينظر اليها على انها لا حول ولا قوة لها،مسيطر عليها فاقدة لإرادتها وقرارها المستقل،بل وأبعد من ذلك مكب نفايات لكل الجماعات الإرهابية التي تنوي بلدانها التخلص منها.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
15/12/2016
[email protected]