حلب ... مبادلة الدم بالغاز

بقلم: عدنان الصباح

تاريخيا حلم الغرب وعلى رأسه أمريكا بالتحرر من سيطرة روسيا على مصادر الغاز الرئيسية في العالم ولكونها الدولة الأولى في العالم في احتياطي الغاز حيث تملك وحدها ما مقداره حوالي 50 تريليون متر مكعب من الغاز أي حوالي ثلث احتياطي العالم من الغاز الطبيعي بينما تملك إيران 26 تريليون متر مكعب منه وتأتي قطر بعد ذلك التي تملك 25 تريليون متر مكعب وهذا ما يفسر حرص الدول الثلاث هذه على لعب دور رئيسي في المعارك والصراعات الدائرة في المنطقة, وقد خططت أوروبا وأمريكا لإيجاد بدائل للسيطرة الروسية على الغاز لما يحمله ذلك من مخاطر غير متوقعه على اقتصادها عبر فكرة إقامة خط أنابيب نابوكو للغاز التركمنستاني والأذربيجاني إلا أن وجود روسيا على الطريق وتدخلها الدائم بل وشرائها لكامل الغاز الأذربيجاني وكون تركمانستان دولة مغلقة على العالم جعل من فكرة نابوكو فكرة غير قابلة للحياة والنجاح وبدأت مخاوف الغرب ومعها قطر والسعودية كمصدرين للغاز تتعالى في ظل تنامي قدرة روسيا على ذلك وكذا تنامي المصالح الإيرانية بهذا الشأن بحيث وجدت أمريكا وأوروبا ومعهم تركيا بقطر والسعودية كراس حربة لهما بالبحث عن البدائل كون المصالح بهذا الشأن مشتركة.
في تموز من العام 2009 وقعت تركيا مع أذربيجان بالشراكة مع بريتيش بتروليوم البريطانية على اتفاقية إنشاء خط "تاناب" التي تسمح بنقل الغاز الأذري إلى تركيا ومنها إلى مخازن النمسا وهو ما اعتبر مشروعا منافسا للمشروع الروسي المسيطر على تجارة الغاز في العالم ولم ينسى العالم بعد معارك إقليم "ناغورنو كاراباخ" كبوابة لتركيا وروسيا إلى أذربيجان وأرمينيا وجورجيا, في الصورة إذن تظهر أمريكا وأوروبا يسعون إلى خنق روسيا بالغاز البديل وهو لا بد له أن يكون عبر تركيا ويستحيل أن يستقيم الأمر جيدا إذا ظلت البوابة الخلفية لتركيا الواصلة إلى البحر المتوسط وشواطئ أوروبا هي سوريا كممر آمن للغاز الإيراني وهو ما لا ترغب به كل من قطر والسعودية اللتان يريان في حلب بوابة لنقل غازهما إلى أوروبا عبر تركيا والمشاركة بمشروع تاناب لنقل الغاز إلى أوروبا فهو اقصر واقل كلفة وبالتالي فان السيطرة على سوريا وكف يد إيران عنها أو حتى السيطرة على حلب كبوابة لهما لنقل الغاز إلى تركيا هو الذي فتح شهية قطر والسعودية بدعم أمريكي أوروبي قطري دون أن ننسى أن خط تاناب هو مشروع بريطاني تركي قطري في الأساس.
الصورة على ما سبق هي التي رسخت الحلف الروسي السوري الإيراني لحماية مصالح روسيا وإيران في خطوط الغاز التي تسعى أوروبا وأمريكا لحرمانهم من أسواق أوروبا في الغاز عبر الحلف المتنامي بين قطر والسعودية وتركيا بإدارة ودعم غربي وهو ما تنبهت له كل من إيران وروسيا مبكرا وطوال الحرب ظلت إسرائيل مراقبة بصورة أو بأخرى مخفية تدخلها الحقيقي حتى لا تحرج من تقدم لهم دعمها فهي حريصة على وصول الغاز الأذري إليها وقد سبق لإسرائيل أن عرضت على أذربيجان بناء خط لنقل الغاز الأذري إليها في العام 2008 على لسان بنيامين بن اليعازر وزير البنى التحتية الإسرائيلي آنذاك خلال مشاركته في المعرض الدولي " النفط والغاز في بحر قزوين 2008 " في باكو عاصمة أذربيجان وأشار خلال ذلك إلى انه يسعى لتوقيع اتفاقية تزويد لإسرائيل من الغاز الأذري عبر تركيا, لكن التطورات بعد ذلك عدلت كل خارطة التحالفات في المنطقة باكتشاف حقول كبيرة للغاز في فلسطين والتي تحتلها إسرائيل ودخول روسيا على الخط بعقود استثمار كبيرة لغاز الاحتلال الإسرائيلي لنصبح بذلك أمام شراكة روسية إسرائيلية أمريكية في الغاز الذي تسرقه إسرائيل المحتلة لفلسطين.
اكتشاف الغاز من قبل الاحتلال الإسرائيلي على شواطئ المتوسط ومشاركة مصر بهذا الغاز كشريكة في نفس الشواطيء واحتمالية وجوده أيضا في سوريا ودخول روسيا على الخط كمستثمر للغاز الإسرائيلي ووجود أمريكي أصلا كشريك في حقول الغاز الإسرائيلي والمصري ومصالح أمريكا وشركاتها في الغاز القطري والسعودي ورغبة تركيا العميقة بان تبقى البوابة الوحيدة لأوروبا على الغاز كمصدر الطاقة الرئيس لها في عصر حماية البيئة جعل التحالفات تتغير كليا ودفع روسيا للعودة بقوة هذه المرة إلى سوريا ليس لحماية غازها الوطني فقط ومنع الغز الأذري من إغلاق الطرق عليها بل ولحماية مصالح شركاتها في الغاز الإسرائيلي والإيراني, هذه الحالة أظهرت الصورة أكثر تعقيدا فقد صمتت مدافع تركيا وأمريكا وإسرائيل وقطر فجأة ضد التدخل الروسي هناك وظهر على السطح مشهد عجيب ... روسيا وحدها تحارب حلفاء الآخرين الذين أداروا ظهورهم لأولئك الذين يحاربون على طريق الجنة دون أن يدروا أن من أطعمهم للنار لا يرى في أنابيب الغاز طريقا للجنة بل طريقا لخزائن أوروبا من المال وأن الحور العين يمكن لأثرياء العالم شرائهن بالمال دون الموت في سبيل الله زورا لمصالح حيتان المال والثروة في العالم.
علينا أن نترحم على من سقطوا من المغرر بهم في معارك حلب ممن ماتوا معتقدين أنهم شهداء طامعين بالوصول إلى الجنة والفوز بجوائز الله لمن يقاتلون في سبيله عندما سيكتشفون أن الله سبحانه لا يعتبر من يموتوا في سبيل خطوط الغاز الامبريالية شهداء وان المستفيدين الحقيقيين من موتهم هم أصحاب كارتيلات الغاز والاقتصاد في العالم الذين لا يعرفون الله إلا بما يعيده لهم من أرباح ملموسة ليصبحوا قادرين على شراء الجوائز في الدنيا بمال الغاز وخطوطه تاركين الجنة للفقراء وأبنائهم ممن لا حول لهم ولا قوة سوى انتظار جوائز الجنة فاليوم تغير الحلفاء فمن دفع في سبيل الشهادة صمت حين اكتشف أن الدفع في سبيل المال اربح وان تغطية الحرب باسم الله لم تعد لصالحه فأداروا ظهورهم لكل أولئك الذين استباحوا ارض العرب وناسها في سوريا دفاعا عن طريق الغاز لا عن طريق الله سبحانه.
الحرب في سوريا سواء ممن قاتل بدمه ونفسه أو ممن دفع لمن استعدوا للموت لم يكونوا كما أراد لهم من صفقوا لهم على كل الجبهات فلم يكن هناك حماة الحرمين الشريفين وإلا فان الأولى بهم أن يقاتلوا على ارض أولى القبلتين ولم يكن هناك أصحاب الثورة الاشتراكية العظمى ودعاة الأممية الشيوعية وإلا كان الأولى بهم أن يحاربوا ضد الجوع في بلادهم وفقط كان هناك تجار الشنطة من كل الألوان دفاعا عن طرق تجارة الغاز لا عن طريق الحج إلى مكة ولا عن طريق تقديس الحج في القدس, ولم تكن حلب ليننغراد, كل نقطة دم بريئة سفكت على ارض سوريا صبت في خطوط غازهم لا في ميزان حسنات احد ومن ماتوا في سبيل الغاز سيكتشفون أن الجنة لا تستخدم الغاز الإسرائيلي ولا القطري لمواطنيها.
لم يكن احد هناك للدفاع عن المبادئ والقيم ولا عن تعاليم الله وليست تلك مهام يعرفها أصحاب الثروة على الأرض فهم بالكاد يذكرون الله علنا على أبواب دور العبادة للتضليل لا للعبادة فكل همهم منصب على خزائنهم في الدنيا لا على كنوز الله سبحانه في الآخرة فما يعرفونه هي كنوز الذهب والفضة يكنزونها ولا شيء غيرها حتى تعاليم القرآن الكريم.

بقلم
عدنان الصباح