كيف نواجه التهديد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس؟

بقلم: مصطفى البرغوثي

إذا أقدمت الإدارة الأميركية الجديدة على تنفيذ وعودها لإسرائيل بنقل سفارتها إلى القدس فستكون قد شاركت إسرائيل في خرق القانون الدولي ومواثيق وقرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، وأكثر من ذلك ستكون قد خرقت رأياً قانونياً واضحاً كالشمس لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، والذي أكد أن ضم القدس الشرقية المحتلة إلى إسرائيل، وأن كل مستوطنة أقامتها إسرائيل على أراضيها وكل تغيير أجرته على معالمها، هو مخالف للقانون الدولي، ويجب أن يزال، كما ألزم قرار المحكمة الدولية إسرائيل بتعويض الفلسطينيين عن كل ضرر نجم عن إجراءاتها، وعن كل خسارة ستنجم عن إزالة المخالفات التي ارتكبتها.

والأخطر من ذلك أن نقل السفارة الأميركية إلى القدس سيعني المشاركة في خرق قاعدة أساسية تنظم العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتنص على عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة أو بالحروب، وسيعني ذلك النقل أننا نعيش في عالم همجي تسوده قوانين الغاب ومنطق غطرسة القوة.

وسيعيد ذلك إثارة السؤال المكرر حول ازدواجية المعايير الأميركية والغربية عموماً، كلما تعلق الأمر بإسرائيل التي يسمح لها بأن تكون فوق القوانين الدولية، وأن تحظى بحصانة كاملة على خروقاتها المتواصلة لهذه القوانين.

وإذا نفذ هذا الأمر فستكون الولايات المتحدة قد أفقدت نفسها ما تبقى لها من مصداقية ضعيفة أصلاً، بصفتها شريكاً في الرباعية وما يسمى بـ"جهود السلام"، مؤكدة عدم قدرتها بحكم انحيازها المطلق لإسرائيل على لعب أي دور إيجابي في الوساطة ورعاية ما يسمى بـ"عملية السلام" التي استخدمت من قبل إسرائيل طوال الثلاثة والعشرين عاماً الماضية كغطاء للتوسع الاستيطاني وتهويد الأراضي المحتلة.

وقد جاء تعيين ترامب لديفيد فريدمان سفيراً جديداً للولايات المتحدة في إسرائيل ليؤجج الغضب، بحكم أن فريدمان من أشد مناصري الاستيطان غير الشرعي، وسبق أن دعا إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس وإلى ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل، ودعم مالياً مستوطنة بيت إيل غير الشرعية، المقامة على أراضي رام الله.

لقد ترافق حديث مساعدي ترامب عن نقل السفارة الأميركية للقدس مع أحاديث أخرى "بأن الاستيطان ليس عقبة أمام السلام"، وقد رأينا كيف اعتبر الوزراء الإسرائيليون العنصريون هذه التصريحات ضوءاً أخضر للانفلات الكامل ولشن عمليات التوسع الاستيطاني في القدس وغيرها، والإعداد لقانون جديد يشرع مئة وعشرين مستوطنة جديدة.

إن كل من يسكت على ذلك ويستمر في التعبير عن" القلق" دون فرض عقوبات على إسرائيل أو سحب الامتيازات منها، سيكون مشاركاً في عملية قتل فكرة الدولة الفلسطينية وما يسمى "حل الدولتين".

من المهم أن تسمع الولايات المتحدة ردود فعل عربية وإسلامية ودولية حاسمة وقوية ضد هذه التصريحات، وضد التلويح بنقل السفارة، ليكون واضحاً أن الإقدام على ذلك سيضر جدياً بالمصالح الأميركية نفسها.

لكن العبرة الأهم بالنسبة لنا كفلسطينيين تكمن في أن كل ما يجري من تدهور في وضع قضيتنا الوطنية، وكل ما تبديه إسرائيل من وقاحة وغطرسة، وصل إلى حد إفشال انعقاد مؤتمر باريس، وإدارة الظهر للجهود الروسية، هو نتيجة مباشرة للخلل الحاصل في ميزان القوى بيننا وبين إسرائيل واحتلالها.

ولن يتم إصلاح هذا الخلل بتكرار ما فشل سابقاً أو بمواصلة المراهنة على مفاوضات عقيمة لن تحدث، بل بتبني استراتيجية وطنية موحدة جديدة، قائمة على الإدراك العميق بأننا لسنا في مرحلة حل مع إسرائيل بل في مرحلة مواجهة مع المشروع الصهيوني الذي يصر على الاستيلاء على كل فلسطين، وعلى تكريس الاحتلال ونظام الأبارتهايد والتمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني، ويكرر في القدس ورام الله والخليل وغيرها ما فعله بيافا وحيفا وعكا.

هناك عناصر أساسية لهذه الاستراتيجية البديلة لن نمل من تكرارها من المقاومة الشعبية إلى حركة المقاطعة إلى الوحدة الوطنية إلى دعم صمود الناس وبقائهم إلى خلق تكامل بين مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة.

وأهم عنصر نملك وحدنا القدرة على تحقيقه فوراً، ولا يستطيع أحد أن يمنعنا من ذلك، هو إنهاء الانقسام ومواجهة العالم وإسرائيل، بقيادة وطنية موحدة.

نشكر كل من يحاول أن يساعدنا على ذلك، ولكن الأمر لا يحتاج إلى رحلات وسفريات واجتماعات تنتقل من عاصمة إلى أخرى بقدر حاجته إلى إرادة سياسية حقيقية تستطيع فتح طريق الوحدة وإنهاء الانقسام في ساعات.

وسيكون ذلك بداية الطريق لتغيير ميزان القوى لصالحنا في عصر لا يحترم إلا الأقوياء.

بقلم/ د. مصطفى البرغوثي