الشهادة في ميدان الفعل المقاوم من أجل فلسطين , مناسبة مخضبة بالدماء لتجديد الإنتماء وإعلان الوفاء للقضية المركزية للأمة , وخاصة عندم يرتقي أبناء الأمة من العرب والمسلمين في ساحات الجهاد ضد المحتل الصهيوني , بكل تأكيد هناك مئات الآلاف من العرب والمسلمين قدموا أرواحهم الطاهرة وبذلوا دمائهم الزكية , على مدار سنوات النضال الفلسطيني منذ الإحتلال الغاشم لفلسطين في عام 1948ميلادية , فلقد إنخرط أبناء الأمة وأحرار العالم في صفوف المقاومة الفلسطينية , ومنهم من إرتقى شهيدا في عمليات فدائية داخل فلسطين المحتلة , أو خلال التصدي للعدوان الصهيوني في مناطق تواجد الثورة الفلسطينية في لبنان وسوريا والأردن , حيث كانت القضية الفلسطينية العادلة , ومظلوميتها الصارخة قبلة الثائرين والمقاومين الرافضين للظلم الصهيوني .
ولعل المؤامرة التي تعرضت لها الثورة الفلسطينية , بعد الإجتياح الصهيوني للبنان في العام 1982 ميلاديه , وخروج الثورة الفلسطينية من الساحة اللبنانية , - التي كانت تشكل البوابة الشمالية لفلسطين , وممر لعبور الفدائيين نحو فلسطين المحتلة - أدت إلى تشتت المقاومة الفلسطينية , وتبعثر قواتها في الكثير من البلدان العربية البعيدة عن فلسطين جغرافياً , وهنا إنخفضت إلى حد كبير منسوب العمليات الفدائية ضد الإحتلال , وتلاشت تدريجياً الجاذبية التي كانت توفرها حالة الإشتباك الدائمة والمستمرة مع العدو الصهيوني , وتدفع بكثير من الشباب العربي والمسلم للإنخراط في صفوف المقاومة الفلسطينية , ولعل ولوج قيادة منظمة التحرير لمسار التسوية مع الإحتلال الصهيوني , قد ساهم في تراجع كبير لحضور القضية الفلسطينية لذا الأجيال المتعاقبة من العرب , حتى غابت صورة فلسطين كقضية مركزية للأمة , أمام حالة الفجور السياسي و الإعلامي التطبيعي مع الكيان الصهيوني , برعاية الأنظمة العربية الرسمية .
الا أن فلسطين لازالت تحافظ على رمزيتها ومكانتها في وجدان الأمة وشبابها , ولو قُدر أن تفتح الحدود أمام الشباب العربي للقتال في فلسطين , ما تأخر أحد منهم عن تلك المهمة المقدسة , بتطهير مدينة القدس المحتلة , مسرى النبي وبوابة معراجه إلى السماء من دنس الإحتلال وقبح الإغتصاب الصهيوني , ومع ذلك تجدد هناك من الحالات الفدائية ذات الروح المقدامة من الشباب العربي, الذي يتحدى كل الحواجز والعقبات والمخاطر, ويتقدم للمشاركة الفاعلة في كفاح الشعب الفلسطيني ونضاله ضد المحتل الغاشم , ومن هؤلاء الأبطال الشهيد التونسي المهندس الطيار البطل محمد الزواري الذي إغتاله الموساد الصهيوني في مدينة صفاقس التونسية يوم الخميس 15-12-2016ميلادية , وعلى ما يبدو أن الشهيد الزواري قد إنخرط عن وعي وعقيدة راسخة وإيمان بواجب المشاركة والمساهمة , في مقاومة الإحتلال الصهيوني لفلسطين على إعتبار أنها أرض عربية إسلامية , يقع على الأمة جمعاء واجب النصرة والعمل على تخليصها مت براثن الإحتلال , ويعلم الشهيد الزواري منذ اليوم الأول للإلتحاق بركب المقاومة الفلسطينية ممثلة بكتائب الشهيد عزالدين القسام , أن نهاية هذه الطريق أما النصر أو الشهادة , الا أنه لم يرضى أن يكون من القاعدين أو المقصرين أو البخلاء الذي يبخلون عن فلسطين بعلومهم وخبراتهم في تطوير أدوات المعركة مع هذا الإحتلال , فلقد ساهم الشهيد التونسي محمد الزواري عبر خبراته في مجال الطيران بتطوير طائرات الأبابيل القسامية كما جاء في بيان القسام.
مشهد الجريمة الصهيوني في صفاقس التونسية , إستهدفت إنهاء حياة المهندس المقاوم الزواري, من أجل إحباط أي نقلة نوعية في تطوير سلاح المقاومة الفلسطينية , وأن رصاصات الغدر التي إخترقت جسد الشهيد الزواري , وجهت لذلك الجسد الطاهر فقط لما يحمله من روح مؤمنة وعقل متطور, يمتلك من الخبرات العلمية والعسكرية , وخاصة في مجال الطيران ويسخرها في خدمة فلسطين ومقاومتها ,
وكما تكشف لنا جريمة الإغتيال الصهيونية التي تعرضها لها المهندس الطيار محمد الزواري , النظرة العدائية التي يحملها العدو الصهيوني للعقول العربية المبدعة في مجال العلوم العسكرية أو المجالات التي توثر في موازين القوى وعوامل الردع في معادلة الصراع مع العدو الصهيوني , ولا ننسى سلسلة عمليات الإغتيال التي قام بها الموساد الصهيوني , لعشرات من العلماء والخبراء العرب والمسلمين , من أجل إحباط وإفشال أي مشروع قوة يوفر أفضيلة في أدوات المعركة لصالح فلسطين والأمة الإسلامية.
إغتيال الشهيد المهندس التونسي الزواري , لن يفت في عضد المقاومة الفلسطينية , ولن يقمع جماهير الأمة وعلمائها ومُبدعيها من المساهمة في معركة فلسطين وأهلها ضد الإحتلال البغيض, نزف الدماء الزكية كغيث السماء يزهر ربيع وأزهار , ومما هو يقين أن دماء الشهيد الزواري ستنبت ألف زواري في كل بلاد العرب والمسلمين , وسيضخون القدرات العلمية والخبرات العملية التي يملكونها لدعم المقاومة وتطويرها سلاحها , كمساهمة في مشروع تحرير فلسطين وتطهير مقدساتها من دنس الإحتلال , هنيئاً لفلسطين بالشهيد الزواري , هنيئاً لتونس بالشهيد الزواري , سيخلد التاريخ إسم الزواري وتنقشه فلسطين في ذاكرتها الخالدة , ترسمه كعلامة نصر وعلى أسوار قدسها المطهرة بإذن الله عزوجل .
بقلم/ جبريل عوده