راحت فاطمة تسعى لنوم هادىء وهي تضع رأسها على الوسادة، ظنا منها أن شياطين الإنس والجن ستجعلها تستريح من تعب النهار الذي أثقل ظهرها، ففي اللحظة التي وضعت رأسها على الوسادة انفتحت ستارة المسرح أمام عينيها، مسرح يمتد إلى أفق لا متناه، وجموع البشر تتزاحم في الطرقات، لا يعرف أحدهم الآخر، كل واحد يسعى نحو مراده، لكن فاطمة أشارت إلى ذاك الشاب الطويل القامة، بل نادته باسمه، أنت يا علي، نعم أنت، استغرب علي الأمر، لماذا اختارته عن دون الرجال، لم يخجل أمام الآخرين، فهو وحده القادر على معرفة وحل أحجية هذه المرأة، اقترب من حافة المسرح، أراد القفز إليها، صاحت فيه، لماذا تريد أن ترمي نفسك في الهاوية، توقف، لا تقترب، فأنا لا أستحق منك هذه المغامرة، اتقتل نفسك من أجلي وأنت تجهل من أنا، مجرد ناديتك باسمك لبيت النداء ، ألست من البشر، لماذا لا تعقل وتفكر، أنا أنثى لا تهب نفسها لأحد، فما الذي أغراك أن تضحي بنفسك، أنا لست شهوتك العابرة، أنا لست المجاهدة العاهرة، جسدي ليس مباحا لأحد، قل لي يا علي هل جبلت من تراب الأرض، أم ولدت من أب وأم، هل عشت في الغابات والأدغال فأتقنت القتل وشرب الدماء، أم عشت في أسرة قوامها المحبة والمودة وملاطها التعاون على البر والتقوى، بدت الدهشة على وجه علي، راح يسأل نفسه من أنا، من أكون، من أين أتيت، أين عائلتي، أين أبي وأمي وإخوتي، أين زوجتي وأولادي، أين جيراني وأصحابي وخلاني، تطاول جسد علي حتى أصبح كل من على المسرح دونه، تسمرت عيناه في كل الوجوه ، وجها وجها، وجوه غريبة، ولغات لا يفقه أبجديتها، هؤلاء ليسوا أهلي، ليسوا أصحابي وخلاني، وصاح بأعلى صوته، من أنتم أيها الغرباء، من أتى بكم إلى هذا المسرح العبثي، تسود المسرح همهمة تستنكر سؤال علي، وصوت من الأفق البعيد يأتي، هؤلاء خلاصكم من نهار بلا شمس ومن ليل بلا نجوم، هؤلاء ضميركم الميت في صدروكم ، هؤلاء مستقبلكم الآتي، لكن صوت فاطمة يتردد في أنحاء المسرح، هؤلاء هم العابثون في الوطن الذين أتيت بهم يا علي من أنحاء الأرض، أردت أن تكون إله البشر، فأقمت معبدك من ورق، فاحترق بكل الحقد الذي زرعته في نفوس أهلك وأصحابك وخلانك، هؤلاء الذين أردتهم عبيدا لك، فلما طغوت وتجبرت وصنعت لنفسك عرشا يحمله زوار منتصف الليل، صكت وجها زوجك قائلة، كيف تلد البلاد وهي عقيم، والآن يا علي اكتب في سفر حياتك، لن تذبح السكين اسماعيل، فهذه هاجر تزم الماء زما، لترتفع قواعد البيت من جديد، وتحوم أسراب السنونو في السماء لتدل التائهين على الطريق، فهل عرفتني يا علي، أنا الحقيقة المطلقة التي مهما اشتد الزؤام حولها لا تنام.
بقلم/ صلاح صبحية