تزاوج مصالح المتطرفين الأمريكان والصهاينة

بقلم: راسم عبيدات

لم يبق الكثير على تسلم اليميني الجمهوري المتطرف ترامب لمقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية،وواضح بأن ما ينتظر الفلسطينيين وقضيتهم وحقوقهم على يد تلك الإدارة المتطرفة المزيد من الدعم والتأييد للحكومة الإسرائيلية في مشاريعها ومخططاتها تجاه الفلسطينيين،وفرض المزيد من الشروط والإملاءات عليهم،وبأن الحديث عن حل الدولتين لا يمكن له ان يتحقق،بل ربما يصبح ضرباً من الخيال وإنتفاء الواقعية لتطبيقه،حيث أن "التغول" و"التوحش" الإستيطاني سيحول الضفة الغربية الى "بانتوستات" معزولة مقطوعة الوصل والتواصل جغرافياً وديمغرافيا،ضمن سياسة تفكيك الشعب الفلسطيني مجتمعيا وحقوقيا وقضية،وفي هذا السياق نشير الى ان زيارة الوفد الفلسطيني يوم الاثنين الماضي برئاسة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات واللقاءات مع المسؤولين الأمريكان فيما سمي بالحوار الإستراتيجي الفلسطيني- الأمريكي لم تفض الى أية اختراقات جدية فامريكا ما تريده من الفلسطينيين الإستمرار والدوران في حلقة المفاوضات الماراثونية العبثية،وعدم استخدام الكفاح والنضال الشعبي والجماهيري او أي شكل من أشكال النضال في مقاومة الاحتلال،والمطالب الفلسطينية من الإدارة الأمريكية التي تحدث عنها عضو الوفد صالح رأفت لوكالة الأناضول التركية لم تجد آذاناً صاغية وتقبلاً لدى الإدارة الأمريكية،بل نجد أن الإدارة الأمريكية تتصرف بصلف وعنجهية وتنكر تام للحقوق الفلسطينية والعملية السلمية والشروط التي قامت على أساسها.

هذه المطالب تمثلت في التركيز على مطالبة الإدارة الأمريكية بعدم استخدام حق النقض "الفيتو" في مواجهة مشاريع القرارات المزمع أن تقدمها اللجنة الرباعية العربية إلى مجلس الأمن بشأن وقف الإستيطان.

وكذلك مطالبة الوفد للإدارة الأميركية قبل مغادرتها في 20 يناير/كانون الثاني المقبل بعدم استخدام الفيتو بشأن قبول دولة فلسطين بعضوية كاملة في هيئة الأمم المتحدة، ودعوتها إلى المشاركة في مؤتمر باريس للسلام المزمع عقده في كانون ثاني من العام القادم.

ما يرد من أخبار من واشنطن وما تقوم به الإدارة الأمريكية من ممارسات وأفعال لا يبشر بالخير ولا يطمئن،حيث الأفعال والممارسات السلبية تتوالى،من نقل ملف العملية السياسية من وزارة الخارجية الى مكتب ترامب،،وتعين السفير اليميني المتطرف ديفيد فريدمان المعروف بتأييده المطلق للإستيطان وعدم اقتلاع البؤر الإستيطانية حتى المعزولة منها او المقامة على اراضي فلسطينية خاصة ك "عمونه" وغيرها،وأيضا الترتيبات الجارية لنقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس،والتي قال عريقات بان نقلها سيدمر العملية السلمية،ويساهم ويغرق المنطقة في العنف والفوضى،وان أستغرب حديث عريقات هذا،فعن أي عملية سلمية يتحدث عريقات..؟؟،ومن هو الطرف الشريك في هذه العملية،ومن يعتقد بأننا امام مرحلة حلول سياسية مع المحتل فهو يعيش حالة من الوهم ،فهذه المرحلة نشهد فيها "تغول" غير مسبوق من قبل الاحتلال تجاه شعبنا الفلسطيني،فنحن نشهد عمليات تهويد وتطهير عرقي بحق مدينة القدس والمقدسيين،حيث عمليات الهدم الجماعي والواسعة لمنازل المقدسيين،والإستيطان الي يأخذ شكل "تسونامي" في الضفة الغربية،بما يجعل المستوطنين دولة داخل دولة،وإسرائيل حتى إزالة البؤر الإستيطانية المعزولة والمقامة على أرض فلسطينية خاصة وليس أراضي دولة شرعَنتها،وما ينتظر الضفة الغربية وفق مخططات قوى اليمين المتطرف بأقطابه الثلاث المغرقة في التطرف والإقصائية والعنجهية والمشبعة بالفكر التوراتي التلمودي نتنياهو وبينت وليبرمان،هو الإبتلاع والضم لأغلبها،أي مناطق (سي) التي تشكل ما نسبته 60% من مساحة الضفة الغربية،والبقية تبقى كمعازل ووحدات إجتماعية منفصلة عن بعضها البعض،او يجري إلحاقها بالأردن ضمن مشروع التقاسم الوظيفي.

هذه الأقطاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل،تعتقد بأن هذه المرحلة توفر لهم فرصة ذهبية لفرض مشاريعها ومخططاتها على الشعب الفلسطيني،فاليمين المتطرف يصعد للحكم في أمريكا وبريطانيا ويقترب من قصر الأليزيه في فرنسا ومن بعدها هولندا وغيرها من البلدان الأوروبية الغربية،وهذا اليمين له أولويات داخلية في بلدانه ضد الهجرة والإقليات العرقية وامن واستقرار بلدانه،نموها وتطورها الاقتصادي ومحاربة الإرهاب،ولذلك هو سيقف الى جانب إسرائيل ولن يقوم بممارسة أية ضغوط سياسية عليها لحملها على تقديم أية تنازلات من أجل العودة للمفاوضات مع الفلسطينيين،أو الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ،وكذلك الحالة العربية والإسلامية اكثر من مهترئة،وإسرائيل تتمدد وتتطور علاقاتها كما قال نتنياهو بشكل دراماتيكي مع البلدان العربية والإسلامية،والعديد من الدول العربية والإسلامية،لم تعد ترى في إسرائيل عدواً،بل شريكاً وحليفاً ضد ايران و"داعش"،والتطبيع مع الدول العربية يجري على قدم وساق،حتى لم نسمع أي دولة عربية أو إسلامية او حتى منظمة المؤتمر الإسلامي،ترفع صوتها ضد زيارة نتنياهو لدولة كازاخستان الإسلامية وعقدها لإتفاقيات اقتصادية وتجارية وعسكرية مع إسرائيل.

الحالة الفلسطينية ليست بأفضل من الحالة العربية،بل هي معزولة عن بعضها القومي،هذا البعد المثقل بهمومه الداخلية وحروبه المذهبية والطائفية،وكذلك هي غير موحدة لا على المستوى القيادي أو الإستراتيجية والرؤيا والبرنامج، والقوى والأحزاب عدا عن حالة الإنقسام الجغرافي ،تعيش أزمات عميقة،وبما يدخل النظام السياسي الفلسطيني المأزوم بأكمله في أزمة أعمق،هذا النظام الذي أصبح بحاجة الى تجديد في كل مؤسساته وهيئاته وهياكله وبناه ،التي تتأكل وتفقد هيبتها وشعبيتها وشرعيتها وحضورها بين الجماهير،فهي باتت متكلسة ومترهلة،تفتقر الى الإبداع والمبادرة.

المرحلة المقبلة علينا كفلسطينيين خطيرة جداً،وقد تعصف بنا كشعب وقضية وحقوق،فالمشاريع والمخططات التي تحاك ضد الأمة العربية كبيرة وخطيرة،ونحن بلا شك جزء من الإستهداف لتلك المخططات والمشاريع،ولذلك لم يعد من المجدي ان نستمر في ترداد نفس العبارات والبيانات والتصريحات والشعارات حول إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الوطنية،فالمرحلة كما قلت ليست مرحلة حلول سياسية،مرحلة رسم برنامج واستراتيجية موحدين قائمين على الصمود والمقاومة وعدم الإنخراط في الحلول السياسية الآن،علينا أن نصمد ونقاوم وننتظر ما يحدث في المنطقة والإقليم،فأية تغييرات وتطورات إيجابية يجب أن نستثمرها لصالحنا،وان نوسع من دائرة علاقاتنا وتحالفاتنا بما يخدم حقوقنا وثوابتنا ومشروعنا الوطني.

بقلم/ راسم عبيدات