كل صباح جديد قضية جديدة ... هذا هو حال الشعب الفلسطيني الذي يجد دوما ما يشغله عن قضيته الرئيسية وهي قضية التحرير والعودة والوطن المسلوب, والغريب أن الانشغال الفلسطيني باللهايات التي تعطى له يجري علنا وفي ظل مواصلة الاحتلال انشغاله بتهويد الأرض والتضييق على الشعب فلا يمر يوم واحد دون اعتقال أو جرح أو قتل أو هدم أو مداهمة بيت فلسطيني ولا يمر يوم واحد دون حجر جديد أو بيت جديد أو مستوطنة يهودية جديدة على الأرض الفلسطينية.
الفلسطينيون الذين يتقنون الغناء لفلسطين والقدس والبطولة والشهداء باتوا يضعون في ترتيب أولوياتهم قضايا الخلافات الداخلية وباتوا يصنفون الذي يقتلون ضمن هذه الخلافات بالأبطال الشهداء وبالرموز الحزبيين بدل الرموز الوطنيين, واغرب ما في الأمر أننا شعب لا نتوحد إلا خلف الجنازات فاليوم وبعد رحيل الرئيس ياسر عرفات بات يتصدر الخطاب الوطني للجميع بما فيهم أولئك الذين وصفوه بأبشع الصفات حين كان رئيسا وزعيما لا يشق له غبار, بينما راحوا يتباكون على أيامه بعد رحيله وجميعهم يطالبون بالبحث عمن قتله حتى صارت هذه القضية نفسها موضع خلاف فلسطيني فلسطيني وبدل أن يتفق الفلسطينيين على أن عدوهم الوطني هو من اغتال زعيمهم الأول وبطلهم الوطني وان كان البعض لم يكن يعتبره كذلك أثناء حياته إلا أننا جميعا رحنا نتبادل الاتهامات بذلك حتى نبريء الاحتلال من جريمة قتله.
تاريخيا نحن كذلك وليس الأمر بجديد علينا ولقد سبق وكتبت عن ذلك واعدت الكتابة والتنويه مرات ومرات دون جدوى وكان احد لا يلتفت للأمر لا من قريب ولا من بعيد ولم يصبح أبدا من التاريخ البعيد خلاف المجلسيين والمعارضين في ظل الاستعمار البريطاني لفلسطيني وتنامي قوة الحركة الصهيونية والهجرة اليهودية فقط ظلت الصراعات الداخلية تأخذ الأهمية الأولى وبعد حرب العام 1948م انشغلنا طويلا بمصير الضفة الغربية وقطاع غزة وظل موضوع انضمام الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية موضع خلاف عربي عربي حتى ضاعت الضفة الغربية نفسها سقطت بيد المحتلين لتصبح كل فلسطين محتلة وبعض أجزاء من بعض الدول العربية,ومع ذلك لم نتعظ أبدا من ضياع فلسطين كلها بل رحنا نختلف علنا نحن والأردن على إلى من ستعود الضفة الغربية بعد تحريرها الذي لم يحدث حتى الآن ووصلت الخلافات بيننا وبين الأردن إلى الحد الدموي في أحداث أيلول 1970م وما بعدها ولا زال بيننا من يحاول بشكل مستمر التذكير بذلك وتغذي إسرائيل تلك النعرة بين الفينة والأخرى بالحديث عن الوطن البديل وبأشكال وأنماط مختلفة.
كان دورنا تعطيليا دائما بانشغالنا بما هو جانبي عن ما هو أساسي فقد حاربنا الأردن ومصر عبد الناصر وما بعده على الموافقة على قرارات 242 و 338 إلى أن وافقنا نحن على ما هو أسوا منهما بأوسلو ومنعناهم حتى من القدرة على المطالبة بتطبيق القرارين المذكورين وتعطل كل شيء رسميا اضعف الإيمان لا لسبب إلا لأننا مختلفين وبالعودة إلى حديث السيد احمد جبريل مع محطة " الجزيرة " في برنامج " شاهد على العصر " أشار بوضوح إلى اجتماعات عقدتها الخارجية الأمريكية في عمان العام 1969م مع الشهيدين " ابو جهاد وأبو إياد " وتطرقوا بالحديث معهم بوضوح إلى الحيرة التي تعيشها أمريكا وإسرائيل حول لمن تعيد الضفة الغربية للأردن أم لمنظمة التحرير وكان واضحا من تعليق السيد جبريل أن الهدف كان واضحا " اختلفوا مع الأردن إلى ما شاء الله فالضفة ستبقى مع إسرائيل إلى أن تتفقوا " ونحن نعرف البقية.
اليوم نحن من جديد نعيش نفس الكارثية بالانقسام " غزة – الضفة و فتح – حماس " واليوم " فتح –فتح ولا زالت قائمة قضايا " فتح – حماس و غزة – الضفة " وما إلى ذلك فكيف يمكننا لجم الاستيطان والاحتلال ونحن بالكاد نتطرق لهما حتى بأحاديثنا الصحفية أو بمؤتمراتنا فصراعاتنا الداخلية تستنزف كل طاقاتنا والسؤال الأهم إلى متى سنبقى ننشغل بما يعطى لنا من لهايات دون أن ندرك ذلك ونلتفت للقضية الأساس التي تتراجع يوميا على الأرض حتى بات العالم اجمع مقتنعا أن حكاية الدولتين أمر مستحيل لا يمكن تطبيقه وتتعالى نبرات التحدث عن الضم للضفة أو الحكاية القديمة الجديدة عن الكانتونات التي ستجعل للفلسطينيين أوطانا في الضفة الغربية ودولة في غزة بما يضمن تخلص إسرائيل من مواطنيها العرب ونسيان القدس وأهلها كليا بالانغماس بالقضايا اليومية الصغيرة لكل مدينة وقرية ومخيم بما يضمن انشغالنا الدائم ببعضنا وانشغال الاحتلال الموحد بنا منقسمين إن لم نصحو مرة واحدة ونلقي بكل اللهايات بعيدا وننشغل موحدين بمن يحتل بلادنا ويضطهد ويشرد شعبنا ويلغي طموحاتنا وحقوقنا المشروعة بالتحرير والعودة وإذا لم يحدث ذلك فسنجد بيننا بعد قليل " عقلاء " جدد يتحدثون عن استحالة التخلص من المستوطنين الذين سيكون قد مر على وجودهم في مرتفعات الضفة الغربية في منتصف 2017م نصف قرن فلقد وجدنا بيننا من تحدث عن ذلك بعد سنوات قليلة من نكبة 1948م بل وقبلها لدى البعض ومن يسهل عليه التنازل عن حقوقه مرة واحدة سيكون سهلا عليه التنازل عنها مرات ومرات حتى ينتهي منها.
نحن أمام خيارين لا ثالث لهما إما الالتفات كليا لقضيتنا الوطنية أولا وآجرا أو الانشغال باللهايات التافهة المعطاة لنا من قبل الأعداء بعيدا عن الوطن والشعب وهذا خياران لهما نتيجتان فقط إما أن ننتهي بلا وطن وبلا قضية وإما أن نعود مقاتلين في سبيل حرية بلادنا وشعبنا, ولم يهزم عبر التاريخ شعب قرر أن لا ينشغل يوما بعيدا عن قضيته الوطنية ولا شيء سواها, تلك هي المعادلة التي على شعبنا أن يصحو لها ويجبر قيادته على الانصياع لإرادة الشعب كل الشعب لا لمصالحهم الفئوية الحزبية الضيقة والتافهة والتي لن تقودنا إلا لضياع فلسطين كل فلسطين والاكتفاء بدولة مسخ في قطاع غزة وحكم ذاتي لكانتونات ممزقة هنا وهناك.
قضايا أم لهايات؟
بقلم
عدنان الصباح