عين الحلوة الى اين

بقلم: عباس الجمعة

رغم الضجيج الإعلامي، والحديث المُتكرر عن إنتهاء محنة مخيم عين الحلوة، إلا أن الأمور على الأرض ما زالت بعيدة من كل هذه الأجواء الإعلامية والتبشيرات التي تُطلقها كافة الفصائل والقوى الفلسطينية وغيرها، وبالطبع، فإن ما يدعونا للذهاب الى ما سبقنا اليه، أن التجربة المريرة طوال سنوات تدفعنا للحذر الإضافي هذه المرة، فكل ما طرح من تسويات ومصالحات وحلول سياسية وميدانية وغيرها، انتهت من دون نتيجة، وانعكست في ارتداداتها على مشاعر الناس الذين وجدوا أنفسهم ضحية ، رغم الوعود ، حيث لم تجد إنهاء مأساة اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، بل تجد ان القوى المتطرفة تلعب الورقة التي تمس الحالة الفلسطينية في الصميم.

ان مخيم عين الحلوة ، اصبح يعيش في ازمة حقيقية ، رغم تأكيد الجميع على اهمية تعزيز القوة الامنية الفلسطينية المشتركة، ولكن للاسف نجد ان هناك قوى ليس لها علاقة بفلسطين ،وليس لها علاقة بمأساة الناس ، رغم كل الوساطات والجهود التي تجري بشأن المخيم، تصتدم بالدرجة العالية من التعقيدات التي تلف أزمة المخيم والجوار، حيث يسقط الابرياء ضحية الاحداث التي تجري .

نحن هنا لا نعمل على إشاعة مناخات الإحباط عند الناس الذين تلوعوا وما زالوا يعيشون ظروفاً صعبة وقاسية جداً ، بل نريد تقديم الصورة كما هي على أرض الواقع، فهل القوى المتطرفة تريد تنفيذ الاجندة الخاصة بتدمير وتهجير المخيم ، اما ان يكون هناك توافق على انهاء هذه الظاهرة ، او القبول بالحل الذي تطرحه الفصائل والقوى الفلسطينية من اجل انهاء أزمة مخيم عين الحلوة .

لقد انقضى سنوات على محنة مخيم عين الحلوة ، حيث يسقط الابرياء من الشهداء ، وغالبيتهم من المواطنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل، وهذا يفرض على الفصائل والقوى الفلسطينية مجدداً العمل على إنهاء هذه الأزمة ، والا فصوت الناس سيكون هو الحاسم خلال الفترة القادمة بعد أن تفاقمت أمورهم الحياتية ووصلت الى حدودٍ غير مسبوقة.

فمخيم عين الحلوة، له خصوصية في كل شيء، خصوصية سياسية وطنية فلسطينية ، وخصوصية وطنية لبنانية فهو في قلب مدينة صيدا ، وهو التجمع الفلسطيني اللاجئ ، فقد خرج من بين أزقته عشرات النخب السياسية والمناضلة وفي مقدمتهم الشهداء القادة سعيد اليوسف ومعين شابيطة وناجي العلي ، بالرغم من ضيق الظروف التي يعيشها ابناء المخيم، وشح الفرص المفتوحة أمام اللاجئ الفلسطيني ، فهو شكل رمزية ، باتت موجودة بشكل مستديم في سردية العمل الكفاحي للمسيرة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وللوطنية الفلسطينية. فقد تحوّل هذا المخيم إلى صورة حية عن فلسطين، فكل من عاش بين أزقته وشوارعه، وكل من سكنه وساكن أهله ولو يومًا واحدًا، عشقه، وما انفك عشقه عنه حتى الآن.

من هنا نقول ان مخيم عين الحلوة، ليس مكانًا جغرافيًّا بحتًا، أو كتل بشرية من اللاجئين الفلسطينيين ، إنه جزء أساسي من التاريخ والفعل، الذي يلخص دراما النكبة الفلسطينية وتحولاتها، كما يلخص سطوة وقوة وحضور الفلسطيني، كما يلخص إنسانية ونبل هذا الشعب الذي رمت به أقدار النكبة خارج وطنه التاريخي فلسطين،إنه المخيم الذي كان قبل محنته ينبض في الحياة ليل نهار، فكنت لا تعرف صباحه من مسائه، بأسواقه وبنواديه ومراكز المؤسسات الوطنية الفلسطينية المنتشرة على امتداده، والمجتمعية المحلية ،ولتلك الأسباب يستهدف المخيم من قبل جماعة متطرفة من داخله ، وتجري محاولة اغتياله ووأده، كما يستهدف بذلك حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أرض وطنهم التاريخي في فلسطين.

ختاما : اردت تسليط الضوء على مخيم عين الحلوة في ظل حالة التي تعيشها القوى والفصائل الفلسطينية التي مازالت غارقة في سباتها وتقديراتها غير الصحيحة، بالرغم من تواجدها اليومي على الأرض، لكنها مازالت بعيدة عن المبادرة لتقديم الحد الأدنى المطلوب من المساعدة للناس، وعليه، إن كل التقديرات، المُستقاة من أرض الواقع، ومن التجربة، تؤكد على ضرورة انهاء هذه الحالة التي اصبحت تهدد المخيم وتسعى الى تصفية الوجود المعنوي والمادي الذي يرمز لقضية العودة ولحق اللاجئين الفلسطينيين بوطنهم الأزلي فلسطين التاريخية.

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي