بالأمس وما أقرب اليوم بالأمس نأت بكم الأرض حتى المنافي حتى الهجره حتى إنتحال جواز السفر، من أجل جواز سفر للعبور إلى الموت، في سبيل الهوية فداء للقضية، وبقيت الدماء الجارية في عروقكم تنبض فلسطين، فقد تكحلت بكم وتكحلتم بها، فكم تغيرت الأسماء بديلا عن المسميات، وبقيتم في هوية الذاكرة دموع الأرض، وإخضرارها ونخيلها ولوزها وزيتونها المبارك.
قد تميد بكم إهتزازا للهزات اللاإرادية أمام تحديات الواقع فتعاملوا مع الأشياء بواقعية من أجل وقع الخطى، فأنتم نور العالم فليشرق نوركم من الأعالي، فقد دخلتم جنة الوطن فاتحين فوق صهوات خيولكم البيضاء ووصلتم بصبركم ودمائكم باحة البيت الأبيض بعمامة الكوفية البيضاء، وكسرتم زجاج نوافذ هذا العالم بحجر هنا وتحديتم غزاة الأرض بحصاركم المنفى القسري برصاصة هناك، فكنتم نسيج الرصاصة والحجر في خيوط الراية السامقة وفوق الصفحة الفلسطينية البيضاء، ووقعت أقلام العالم أبجدية شعب وحروفا من فلسطين ولم يذهب صدى الصوت عبثا في النشيد والتراتيل المقدسة.
من هاجر مكة للمدينة ليس مهاجرا ومن بقى في مكة منتظرا ليس الوحيد مواطنا فقد عاد من رحلة الموت ولهيب النار لأهلة وربعه وقبيلته كلكم لترابكم عائدون ظافرون، في السماء الفلسطينية لإكتمال البدر الفلسطيني في الأعالي من الأعالي للعلا.
قد راهن الكل عليكم أعداء وأصدقاء فأثبتم بأنكم الأجدر والأعظم والأقوى في المعادلات الصعبة وبأنكم الرهان الأخير، فكما سطعت أنواركم من السماء للأرض المقدسة إنسابت الدماء جداول تسقى هذه الأرض الطيبة، من هاجر او عاد او بقى فهو الاظفر في الحلم الفلسطيني المقدس.
ان الدماء التي تجري في عروقكم ليست ملككم إنها ملك الوطن.. ملك الشعب.. ملك فلسطين.. متى طلبتموها وجدتموها..
فلتنتصر دماءكم على السيوف ولتسموا أرواحكم فوق جراح الكف، فقد تساوت الخيل في البيداء حمحمة !
فالمنتظر في ظلام الزنازين يصلي للفجر، إنه عائد للوطن !
والمجبر على الهجرة، عائد للوطن !
والمتشبث الحالم، ذاهب للوطن !
والشهيد في جنان الخلد، ينتظر الجميع !
فليجمعنا الوطن !
إرتقيتم إلى المستوى القومي والشعبي للهوية القومية، للنضال العربي المشترك والمستوى العالمي ولكل شعوب الأرض المغلوبة على أمرها من أحرار وشرفاء هذا العالم.
كان جواز سفركم، جواز سفر للعبور إلى الموت إما النصر او الشهادة، فوضعتم أمتكم العربية من محيطها إلى خليجها ومن مشرقها إلى مغربها امام امانة المسؤولية التاريخية، وتناديتم وتناجيتم بكل الكتب الدينية والروحية والسماوية، لمن يؤمن بالله واليوم الآخر ان "القدس عاصمة الانتماء الروحي والفكري لفلسطين" فمن يريد الإسراء فعلية بأولى الحسنيين اما النصر او الشهادة.
والناصرة ويافا واللد والرملة وحيفا وعكا والمجدل اراضي من نادى جراح الانسانية، والانتصار لهم واجب وطني يقع على عاتق الامة.
ونابلس وقلقيلية وجنين ورام الله والخليل وطولكرم واريحا وخانيونس وغزة ودير البلح ورفح درر الوطن التي أبدعها الخلاق وأفسدها أعداء الانسانية الطامعون الهالكون بني صهيون.
وفي خضم هذه التجارب والمعاناة والألم والبؤس والشقاء والحلم بالأمل ودفع الضريبة القومية والدينية التي مهرت بدماء الشهداء وآلاف الأسرى والمعتقلين وحملة الأوسمة من جرحانا وأسر شهدائنا، حاورتم بمجالسكم الوطنية والمركزية والتشريعية والثورية وداخل مؤسساتكم الفلسطينية السياسية، كل المتخندقين في غابات البنادق، وصفقتم بأجنحتكم لطائر الفينق الفلسطيني مرددين بالروح بالدم نفديك يا أشرف بقعة على وجه البسيطة، فلسطين الحزينة.
أمنتم بالصمت وترجمتم هذا الصمت فعلا وعملا وميدانا لأن معاناتكم خلقت لكم على أرضكم المحررة حلم الإستقلال.
فمعانتكم أمست حلما والحلم سيصبح حقيقة فمن جراحكم سترون ملامح الغد فأنتم أولى بصياغة فجركم لأنكم صليتم لبزوغ الفجر.
لقد جاءت مرحلة العقل والعمل الفلسطيني، فقد كانوا حماه الحرب والقرار العسكري، وهم الأن حماه العقل والمشروع الوطني والسلام الذي ينشدونه هو سلام عادل للأرض والقضية والإنسان.
قيادتنا وشعبنا يؤكدون دوما أن رهانهم الأساسي على قواهم الذاتية، فلا يلتفتون إلى التفجيرات النفسية وحرب الإشاعات هنا وهناك، ولا يلتفتون إلى منطق الغطرسة، ولا إلى كل محاولات الدس أو الفت في عضدهم، ولكنهم يستمدون منها مزيدا من العزيمة والإصرار من أجل صلابتهم وصحتهم الذاتية ومن أجل الإستمرار لإقامة دولتهم الفتية وعدم الرضوخ في لعبة عض الأصابع.
إن الدولة الفلسطينية ليست هبه أو منه أو منحة من أحد، وإنما هي حق للفلسطينيين معترف بها عالميا ودوليا وعربيا، فلقد اختارت قيادتنا الفلسطينية طريق السلام في ظل إختلال موازين القوى، ولكن هذا لا يعنى إن قيادة الشعب الفلسطيني في موقع تستطيع الحكومة النتناهيه او الحكومة الأوبامية أن تملي عليهم شروطها أو تفرض عليهم التخلى عن حقوقهم، لأنهم عندما خاضوا معركة السلام، كانوا يفهمون جيدا ماذا تعني وعلى ماذا ترتكز وإنها ليست عنوان مجرد، وإنما هي حالة إنسانية وجوديه وحياتية، لأنها تقوم على مرتكزات في الفكر والذات والواقع والوجدان.
بورك أحرار وشرفاء العالم الذين وقفوا إلى جانب الحق الفلسطيني في وجه الباطل الصهيوني، نعم ايها الميامين الاشاوس، يا قرة عين فلسطين أيها الاحرار والشرفاء يا اباة الضيم في هذه الدول شيبا ًوشباباً ً صغاراً وكبار رجالاً ونساء.
بوركتم فانزويلا وماليزيا وسينغال ونيوزلندا، وبوركت صولتكم وتصويتكم ودعمكم ومساندتكم التي قمتم بها اليوم، فلعمري لقد اديتم الامانة ووصلت صرختكم ووقوفكم إلى جانبنا إلى عنان السماء.
مرحى لكم وانتم تحاولون قلع انياب الغدر والحقد والارهاب الصهيوني، التي غرست في جسد الوطن الفلسطيني الجريح بعد ان تكالبت عليه الإحتلال الإسرائيلي تنهشه ذات اليمين وذات الشمال لقد اثبتم اليوم وكما هو معروف عنكم بأنكم نعم الاشقاء والأصدقاء الاوفياء في الشدائد والمحن.
لقد رأيتكم، ورأيت فيكم صورة الامل و التحدي والآباء، لذلك الوطن الفلسطيني الجريح الذي يطفح بالحياة رغم سكون الموت ونزيف الجراح، لقد كنتم مع فلسطين واحداً لا يتجزأ.
لقد رأيت فيكم النخوة والشهامة والإنسانية ولقد تعانقت بوقفتكم اليوم الكنيسة والمسجد والمعبد ولهذا أنتم الاجمل.
لقد كنتم سيفنا في مجلس الامن الذي هوى على راس هذا الكيان الإسرائيلي، نحييكم ونقبل جباهكم العالية واياديكم التي حملت آهات وجراحات وعذابات اهلنا واحبتنا في الوطن الفلسطيني.
إن الوقفه البطولية لفانزويلا وماليزيا والسينغال ونيوزلندا، هذه لهي طعنة نجلاء في صدر الإرهاب الصهيوني الاجرامي وكل الذين يدعمونه ويصفقون له، نعم فقد كنتم والله إخوة وأصدقاء، فما أشجعكم وما أشرفكم وما أحلاكم وما أروعكم.
لقد عزفت اليوم أصواتكم الهادرة وصرخاتكم المدويه سمفونية التحدي لكل من يجرا على فلسطين وشعب فلسطين، وطن الخير والحرية والسلام فانتم كنتم وستكونون السنام وانتم الرمح وانتم الامل لفلسطين وشعبها.
بقلم / رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي